وقف ثغر القلم وأنا أتصفح الجزء الثاني من كتاب "مناضلون يساريون" للدكتور رفعت السعيد، لدى ذكر مسرحية "ثورة الموتى"، للكاتب الأمريكي "أورين شو"، ومع أني قرأت ترجمتها منذ سنوات للأستاذ فؤاد دوارة «1»، وما نشره في مطلعها عن حديث أورين شو عن نفسه، إلا أن شيئا ما جعلني أعود إليها وأقف مليا أمام عنوانها "ثورة الموتى" وأمام كاتبها الذي توالت أعماله لكن لم يكن لها صدى ولا تأثير ولا شهرة هذه المسرحية، وسألت نفسي لماذا هذه المسرحية التي كتبت من فصل واحد؟ ولماذا نجحت هذه المرة تلك الفكرة التي ساقها الكاتب النمساوي "هانز شلو مبيرج" في مسرحيته "معجزة في فردوم".
وجدتني أكتب في هامش ما أدونه أن نجاح هذه المسرحية لم يكن لإبداع كاتبها ولا لتوافر الظروف لنجاحها وإنما لصدقه في كتابتها.. نعم هو الصدق الذي ربما لا يتاح للكثير تحت وطأة الظروف.. فالمدد كما الإنسان يخجل أحيانا ويوائم الظروف أحيانا، ويصمت عن الكتابة أحيانا، ولا تكتمل شجاعته إلا عند لحظات الموت ولعل ذلك ما جعل "أورين شو" يُفصح عما يدور بخلده على ألسنة ستة جنود يواجهون الموت.
الغريب في أمر "شو" أن الحظ والصدق قليلا ما يتقابلان، وإذا حدث ذلك يكون على حافة الخطر.. في حالة "شو" كان الحظ حاضرا وكأن صدقه في الكتابة أغرى الحظ بخوض التجربة، فبرغم وصول المسرحية متأخرة أسبوعين عن موعد مسابقة "اتحاد المسرح الجديد" إلا أنها حازت على إعجاب لجنة التحكيم ومست شغاف قلوبهم وإن كانت غٌلت أيديهم على منحها جائزة لتأخر صاحبها عن موعد التقديم، إلا أنهم نشروها في مجلة اتحاد المسرح، وما إن نُشرت المسرحية حتى ذاع صيت "أورين شو" فنُقش اسمه على متون الزمن بتلك المسرحية رغم كتابته الكثير من القصص السينمائية والروايات والمسرحيات.
"ثورة الموتى" لم يكُن عمل مخططا له وربما غير مقصود من الكاتب لكن ميلاد الإجابة هو سؤال من النفس: " ماذا يحدث لو قام القتلى من الجنود واعترضوا على استمرار تلك المجزرة؟". ويقصد بها الحرب العالمية. ليجد "شو" بنفسه الإجابة بعد مناقشات الجنود الستة ويضعها على لسان أحدهم: "لم يحدث أني شعرت بأنه من الممكن أن تتوقف الحروب تماما، كل ما كنت أريده أن أتأكد من أننا نقاتل في الجانب العادل".
ثم يقول: "إن الإنسان قد يموت وهو سعيد، ويدفن وهو راض، إذا مات في سبيل نفسه، أو لسبب يهمه هو.."
الجدير بالذكر أنه في ديسمبر عام 1956 نشرت مجلة الإذاعة المصرية أول تلخيص للمسرحية باللغة العربية بقلم الأستاذ فؤاد دوارة، كمـا أذاعها البرنامج الثاني، في يوليو عام ١٩٥٧. وفي ديسمبر عام 1958 قـدمها المسرح القومي من ترجمة المرحوم أحمد يوسف وإخراج حمدي غيث.
إلى هنا أترك "أورين شو" مؤقتا وأعود أتجول مع الدكتور رفعت السعيد في حديقة النضال اليساري..
«1» فؤاد محمود دَوّارة (15 نوفمبر 1928 - 1 مارس 1996) ناقد وكاتب مسرحي مصري، ولد في الإسكندرية وحصل على ليسانس الآداب في اللغة العربية من جامعة الإسكندرية، وماجستير في الأدب العربي بجامعة القاهرة 1977، اهتم بالنقد المسرحي وألّف أكثر من ثلاثين كتابًا، إضافة إلى ترجماته ومقالاته ودراساته الأدبية، دخل الصحافة، وتنقل بين عدة مناصب حتى عيّن مستشارًا لوزير الثقافة من 1986 حتى 1988.