في صباح الأربعاء 23 يوليو 1952 ذهب الإذاعي فهمي عمر إلى عمله المُعتاد بهيئة الإذاعة المصرية ليجد قوات الجيش تحيط بالمبنى وتتواجد بأروقته، وعندما أكمل طريقه نحو الاستوديوهات وجد مجموعة من الضباط باستراحة المذيعين، لم يعرفهم عمر، لكنه ميّز من بينهم أنور السادات الضابط المعروف، والذي كان حديث الشعب بأكمله بعد تورطه في العديد من القضايا السياسية أبرزها عملية اغتيال أمين باشا عثمان وزير المالية في حكومة الوفد، لم تكن بينهما معرفة شخصية، لكنه أدرك أن وجود شخصية مثل السادات في هذا الوقت المُبكر تعني شيئًا غير مألوف.
ويروى الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، فى كتابه "سقوط نظام.. لماذا كانت ثورة يوليو 1952 الأزمة؟" حكاية البيان الشهير للثورة، وقد كان وقتها أقرب أصدقاء جمال عبد الناصر من المدنيين، قال: "عند الساعة الرابعة إلا الثلث فجرًا، وصلت إلى مبنى رئاسة هيئة أركان الحرب، وكان قد وصل اللواء محمد نجيب، واستقبله عبد الحكيم عامر، ليبلغه بأن القاهرة تحت السيطرة، ليسأل نجيب عن موقف الفرقة الأولى مشاة العريش- وتعتبر قوة رئيسية فى ذلك الوقت- ليطمئنه عبد الحكيم، بأن تأييد الفرقة للمعركة مضمون وفى الطريق"، ودخل هيكل فوجد جميع أعضاء مجلس قيادة الحركة.
وتابع: "وفى الساعة السادسة وخمس دقائق، دعا سعد توفيق إلى غرفة اجتماع القيادة لأقل من دقيقة، وعاد ومعه ورقة هي صورة من بيان سوف يعلن بعد قليل -الساعة السابعة- من إذاعة القاهرة وهذا ما تم بالفعل لأن قوات الجيش سيطرت على أستوديوهات الإذاعة، وكان البيان رقم 1 من قيادة حركة القوات المسلحة".
وروى الإذاعي الوحيد الذي شهد أحداث ذلك اليوم أن السادات قال له "سنذيع بيانات عبر الإذاعة للشعب اليوم"، طلب منه عمر أن يقوم بإذاعة البيان باعتباره المذيع المتواجد بالمبنى ولكنه رفض وقال "لأ.. الضباط هي اللي هتذيع البيان"؛ هكذا بدأت الإذاعة المصرية يومها ببث موسيقى مارش عسكري في تمام السادسة ونصف صباحا، وذلك كان من المعتاد أن يحدث كل يوم ثُم تمت مخاطبة الشعب "إليكم أولى النشرات الإخبارية" وقام السادات بإذاعة بيان الثورة باسم اللواء أركان حرب محمد نجيب في أول خبر بالنشرة بالإذاعة بعد العبارة الشهيرة "هنا القاهرة"؛ بعد البيان، ووفقًا لرواية الإذاعي الكبير، تم قطع الإرسال عن الإذاعة من أبو زعبل عندما أمر الملك بانقطاعه، ثم عاد الإرسال في السابعة ونصف صباحًا، بعدما ذهبت قوة من الجيش إلى أبو زعبل واستطاعوا إعادة الإرسال مرة أخرى.
بعد 70 عاما من قيام ثورة يوليو المجيدة، لا زالت الأحاديث تتواتر بين الأجيال الشابة والصاعدة حول حقيقة ما حدث في ذلك اليوم، وما إذا كان ثورة أم انقلابا، وكيف نشأت "الحركة المباركة" كما أطلق عليها في البداية، والأسباب التي جعلتها "ثورة".
نجد الإجابات على هذه الأسئلة وغيرها في حكايات ومذكرات قادة الثورة ومعاصريها، والتي تعود "البوابة" للتجول بين صفحاتها طمعا في المزيد من الحكايات.