استيقظ المصريون فجر يوم 23 يوليو عام 1952، منذ 70 عاماً، على قَسَم الضباط الأحرار بأن يحرروا بلادهم من الظلم والاستبداد، لتشق الثورة طريقها لتحقيق تحول اجتماعي جذري وبناء اقتصاد اشتراكي قوى يحقق للمصريين أهداف الثورة في الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية.
ولم تكن مصر قبل 23 يوليو 1952 تعرف نظام التأمينات الاجتماعية لكل فئات المجتمع، وكان الفلاحون يعيشون كالعبيد قبل أن يأتي شعاع النور الذى أطلق سراحهم وأعطاهم حق تملك الأراضي الزراعية، وكذلك أصبحت مصر دولة صناعة من الدرجة الأولى.
ومنذ اللحظة الأولى، انحازت الثورة للفلاح المصري، وذلك بعد أن صدر قانون الإصلاح الزراعي يوم 9 سبتمبر 1952 بعد قيام الثورة بـ45 يومًا فقط، وكان الهدف الأساسي من هذا القانون هو إعادة توزيع ملكية الأراضي الزراعية في مصر بحد أقصى 200 فرد للفدان.
وهذا القانون الذي حول اهتمام الدولة بالفلاح، من مجرد رمز على جدران معابدها الممتلئة برسومات الفأس والمحراث والأدوات الزراعية، في الدولة الفرعونية القديمة، مرورًا بالعصر الحديث، إلي مواطن يمتلك كافة الحقوق، وأهمها حقه في تملك أرضه، ومن هنا جاء الاحتفال بعيد الفلاح في 9 سبتمبر من كل عام، اليوم الذي مكنه فيه قانون "الإصلاح الزراعي".
ونص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك، وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، وصدرت تعديلات متتالية حددت ملكية الفرد والأسرة، متدرجة من 200 فدان إلى 50 فدانًا للملاك القدامى.
وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعي الأول والثاني، وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى عملية استلام الأرض من المُلاك بعد ترك النسبة التي حددها القانون لهم، وتوزيع باقي المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض، ليتحولوا من أُجرِاء لملاك.
جاءت هذه الإجراءات الإصلاحية الكبيرة ليرفع الفلاح المصري رأسه، ويمتلك أرضه الذي تكبد الكثير من الجهد والتعب بها منذ سنوات طويلة، وتوسعت بالإصلاح الزراعي زراعات مثل القطن، وبدأ الفلاح يجني ثمار زرعه، ويعلم أبناءه، ويتولى الفلاحين حكم أنفسهم، وانهارت طبقة باشوات مصر ملاك الأرض الزراعية وحكام مصر قبل الثورة.
وبلغ مجموع الأراضي التي يطبق عليها قانون سبتمبر سنة 1952، مساحة 653.736 ألف فدان، تنتمي إلى 1789 مالكًا كبيرًا، ولكن الأرض التي طبق عليها القانون في واقع الأمر بلغت 372.305 آلاف فدان، أما البقية، وهي حوالي النصف فقد قام الملاك ببيعها بأساليبهم الخاصة حتى أكتوبر سنة 1953 حينما ألغت الحكومة النص الذي كان يتيح للملاك بيعها بأساليبهم.
وبذلك، تم نزع ملكية نحو نصف مليون فدان في ظل قانون الإصلاح الزراعي، أي ما يقرب من 8.4% من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر في ذلك الوقت، وتم توزيع هذه الأراضي وفقًا لنظام معين من الأولويات، بحيث أعطيت الأولوية عند التوزيع "لمن كان يزرع الأرض فعلًا مستأجرًا أو مزارعًا، ثم لمن هو أكبر عائلة من أهل القرية، ثم لمن هو أقل مالًا منهم، ثم لغير أهل القرية".
وقال حسين عبد الرحمن أبو صدام نقيب الفلاحين، إن ثورة 23 يوليو 1952 من الثورات التي أنصفت الفلاحين، لأن الفلاح كان لا يمتلك أي أراضي زراعية وكان يعمل أجيرًا، ولكن الوضع اختلف بعد الثورة وبعد صدور قوانين الإصلاح الزراعي أصبح الفلاح مالكا للأرض بعد أن وزعت على الفلاحين من الإقطاعيين مما أدى إلى ثورة كبيرة في المجال الزراعي.
وأضاف، أنه بعد الثورة حدث تطور في المجال الصناعي الزراعي مثل إنشاء مصانع خاصة بالمحاصيل الزراعية كمصانع الغزل والنسيج والكتان، مشيرًا إلى أنه بعد الثورة أصبحت مصر من أوائل دول تصديرًا للقطن الذي أصبح بعد ذلك علامة مميزة في جميع دول العالم مما تسبب في انتعاش صناعة الغزل والنسيج.
وأشار أبوصدام إلى أنه بعد الثورة حدثت نهضة كبيرة نجنى ثمارها حتى الآن، كإنشاء السد العالي وحفر الترع والقنوات، لافتًا إلى أن توزيع أراضي الأثرياء على فقراء الفلاحين والتي أطلق عليها أراضي الاصلاح الزراعي بقانون 178 لعام 1952 وهي الأراضي التي تمتلكها الدولة، وبعد تحديد الملكية الزراعية امتلك الشعب الأرض عقب سداد أقساطها على 40 عامًا واستلم الفلاح المصري عقد التمليك حتى يؤمن مستقبل أولاده.
وقال الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، إن مكتسبات ثورة 23 يوليو كانت كثيرة للشعب المصري، أهمها ما يخص الفلاح، وهي إصدار قانون الإصلاح الزراعي، الذي جعل الفلاح بعد أن كان مستأجرًا أو عاملًا في الأرض أصبح مالكًا لها، وبهذا عمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لدي المجتمع المصري، وإلغاء الفجوة التي كانت موجود في المجتمع حينذاك.
وأضاف، أن الإنجاز الثاني التي حققته ثورة 23 يوليو هو إنشاء السد العالي، الذي من خلاله استطاعت الحكومة المصرية وقتها شق الترع والمصارف والمجاري المائية لاستصلاح أراض جديدة، والتوسع في الرقعة الزراعية لإحداث تنمية حقيقية في البلاد.
وأشار خليفة إلى أن من يقول إن قانون الإصلاح الزراعي عمل على تفتيت الحيازة الزراعية، غير صحيح، لأن قوانين المواريث هي السبب في ذلك، فالمالك لديه أبناء يتم توزيع أرضه عليهم بعد وفاته ومن هنا جاء تفتيت الأرض، وأصبح أبناؤه يملكون عددًا من القراريط، وهى مساحة صغيرة جدًا.