المشهد الأول: صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك إذا بمشاجرة عنيفة أمام محل جزارة كبير بشارع فيصل طرفاها الجزارون وأصحاب الأضاحي من جهة وعشرات السائلين المنتظرين لتوزيع اللحوم من جهة أخرى.
فبينما يرفض الطرف الأول تجمهر اعضاء الطرف الثاني واجبارهم على توزيع اللحوم عليهم باعتباره ابتزاز واجبار مقيت، يرى اعضاء الفريق الثاني أن هذا حقهم ولهم مطلق الحرية أن يأخذونه بالطريقة التي تناسبهم أو تحقق لهم هدفهم في الحصول على "قطعة لحمة" زادت أو نقصت.. وهذا الفريق الثاني لا يجد أي مانع في أن يرجم المحل وصاحب الأضحية بالطوب ويهيل الشتائم والدعوات الممجوجة بالشر والحقد.
أما المشهد الثاني.. فيعرفه تماما أصحاب السيارات سواء الفارهة أو حتى "الكحيانة"، فما أن تتوقف بسيارتك لشراء شي ما أو انتظار أحد إلا وتفاجأ بشخص يمسك "فوطة متهالكة" منقوعة في التراب ويتظاهر بأنه ينظف لك "عربيتك"، وهنا أمامك أحد خيارين فإما أن تستسلم لسطوته وتعطيه "الشلن"، 5 جنيهات، على أقل تقدير.. أو ترفض وتقاوم فينالك سيل من الهجوم العنيف والشتائم.. وإذا كان رئيفًا فسيمسك بيديك وهو يشكي لك فقره وقلة حيلته وكيف أن شكرًا التي تقولها له لن تطعمه هو وأبنائه.
المشهد الثالث: في أحد شوارع الدقي الشهيرة وقفت سيارة ليقدم صاحبها مساعدة سواء عينية أو مادية لأحدى السيدات اللاتي يفترشن الأرض وتبدو عليها علامات الوهن.. وما هي إلا ثوان معدودات إلا وتفاجأ بعشرات المهرولين وكأنهم يهربون من حريق أو أسد والذين تقريبا غطوا ملامح السيارة حتى كادت تختفي عن الأعين.. وعينك لا ترى نورًا من هول "البهدلة" و"المرمطة" التي كانت من نصيب صاحب السيارة الذي نفد ما يوزعه دون أن يكفي نصف المتسولين أو قل السائلين، ولم تأخذهم به شفقة أو رحمة بل كادوا يجردونه من ملابسه ليفوزوا بأي شيء يعتبرونه غنيمة.
أما المشهد الرابع.. فتظهر مأساته عند دخولك أي مطعم لشراء وجبة أو سندوتش، فستجد بانتظارك فتاة في مقتبل العمر أو سيدة كبيرة تشير بأيديها إلى فمها معلنة احتياجها للطعام مثلك ولا يخلو الأمر من اصطحاب طفل صغير أو حتى رضيع تشير إليه بأنه جائع ويحتاج إلى المال أو الطعام.. وهنا مهما كنت غليظ القلب فلن تهنأ بلقمة تنزل في جوفك إزاء هذا المشهد البائس.
في الواقع.. أن هذه المشاهد الأربع البائسة مجرد "غيض من فيض" لظاهرة اجتماعية خطيرة تستوجب دراسة متأنية ووقفة حاسمة لإيجاد حل منصف وعادل.. ولعل أولى خطواته معرفة أسبابها فهل هي مؤشر حقيقي لفقر أصحابها أم أنها محاولة للتربح خصوصًا في ظل ما نكتشفه عند ضبطهم أمنيًا من امتلاك كثير من هؤلاء السائلين المتسولين لدفاتر بنكية بمئات الآلاف.
ومن ناحية أخرى فإن الشاهد والمثبت واقعيًا أن الفقير المحتاج الحقيقي لا يلجأ لمثل هذه الأساليب بل أنه يكتم جوعه ويتعفف عن سؤال الناس حتى وإن عاش على العيش والملح فقط.
أما الخطر الداهم في هذه القضية.. حجم العدائية المتصاعدة في تعامل هؤلاء السائلين مع من يرفض الاستجابة لهم، فالمؤشر في ارتفاع مستمر وتظهر آثاره في بعض الجرائم الواضحة للعيان.. فأصبح أمرًا معتادًا أن يقوم أحدهم بتجريح سيارة أو القاء طوبة على زجاجها كنوع من الانتقام على من يعتبرونهم أغنياء وبالتالي فهم "حلال فيهم التدمير".. والخوف كل الخوف أن يخرج هؤلاء "السائلين" شاهرين "المطاوي" ليخيروك بين إما الدفع أو أمنك وحياتك.