رصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار حكاية حجر رشيد التى بدأت من قلعة رشيد الأثر رقم 44 الذى يقع على الشاطئ الغربى لفرع رشيد شمال المدينة بحوالى 6 كم أنشأها السلطان المملوكى الأشرف أبوالنصر قايتباى أحد المماليك الجراكسة عام 886هـ/ 1482م عقب إنتهائه من بناء قلعته الشهيرة بالإسكندرية ، فى ذكرى مرور 223 عام على اكتشاف حجر رشيد يوم 19 يوليو عام 1799.
وقال الدكتور عبدالرحيم ريحان إنه كان الغرض من بناء القلعة هو صد الغارات الصليبية التى كانت تهاجم سواحل الدولة المملوكية فى مصر والشام وكذلك حماية الدولة المملوكية من أطماع الدولة العثمانية الناشئة فى الأناضول والتى تمكنت بالفعل من الإستيلاء على الدولة المملوكية 923هـ - 1517م.
ويشير الدكتور ريحان في تصريحات صحفية إلى أن نابليون أرسل فرقة من حملته على مصر عام 1798 إلى قلعة قايتباى نجحت فى دخولها وإستمرت بها حتى عام 1800 وأطلق الفرنسيون عليها إسم جديد هو "حصن سان جوليان" ولقد أحدثت الحملة الفرنسية الكثير من المتغيرات على القلعة طمست الكثير من معالمها القديمة فقد سدت الحملة الفرنسية منافذ المزاغل الثلاثة فى كل من البرجين الشمالى الغربى والجنوبى الغربى ثم أقامت فى كل برج مزغلين صغيرين لاستخدام البنادق، فى كل مزغل ست فتحات للبنادق يعلوها فى السقف فتحتين للتهوية باستخدام الطوب الأحمر، وأغلقت الممرات الموجودة فى المزاغل بحيث أصبحت صماء وأضيف حمام للقائد بوشار فى البرج الكبير الذى كان مخصصًا لإقامة الجنود ودعمت الأبراج فى الدور الأرضى بالطوب الأحمر.
وعن قصة الاكتشاف، يوضح الدكتور ريحان أنه فى عام 1799 حيث كان القائد الفرنسى بوشار مكلفًا بالعمل فى ترميم قلعة قايتباى عثر على حجر مبنى فى جدار قديم كان لابد من هدمه لوضع أساس "قلعة سان جوليان" وسرعان ما علم قنصل الإسكندرية المستر هاريس بذلك إلا أن الجنرال مينو قد أمر بإحضار الحجر إلى منزله بالإسكندرية بعد أن نظفوه واعتنوا به ونقلوه إلى القاهرة وألقى عليه نابليون نظرة إعجاب وسرعان ما أذيع خبره فى العالم ثم نقل إلى لندن فى فبراير 1802 وبدأ علماء العالم يفسروا نقوشه ومن ثم عرف باسم " حجر رشيد " ومحفوظ الآن بالمتحف البريطانى بلندن.
حجر رشيد طوله 115سم وعرضه 73سم وقمته العليا وزواياه من الشمال واليمين مفقودة منها بعض الأجزاء، ويرجح بعض العلماء أنه كان مستديرًا فى أعلاه على نحو ما هو معروف عن " حجر كانوب " فى عصر البطالمة، وهو حجر من البازلت الأسود مكتوب بثلاثة لغات من أعلى إلى أسفل الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية ويرجع تاريخه إلى عام 196 ق.م فى أيام الملك بطليموس الخامس الذى حكم مصر ما بين 203 إلى 181 ق. م.
وبعد وفاة بطليموس الثالث 221 ق.م بدأت دولة البطالمة تتحدث بما ارتكبه بطليموس الرابع من الفظائع، ولما توفى عام 204 ق.م قامت فتن داخلية أدت إلى إبادة الكثير من رجال الحاشية حتى تدخل الرومان وثبتوا دعائم بطليموس الخامس وقضى على الفتنة 198 ق.م وأعادوا إلى الكهنة إمتيازاتهم التى فقدوها فى عهد أبيه وأجزل لهم العطايا وأصدر عفوًا عن جميع ما قاموا ضده من المصريين وردو إليهم ممتلكاتهم فأقيم احتفال كبير فى ممفيس لشكر ومبايعة الملك بالطاعة ونقش محضر بذلك على الحجر بحضور رؤساء الكهنة والكتّاب وكان من الضرورى وضعه فى المعابد من الدرجة الأولى حتى الثالثة بجوار تمثال الملك.
وينوه الدكتور ريحان إلى قصة الخروج من مصر إلى لندن، فمع مغادرة نابليون بونابرت مصر أصبحت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز وفى مارس 1801 نزلت القوات الإنجليزية فى خليج أبى قير فأخذ الجنرال مينو قواته إلى شمال مصر وأخذ معه كل الآثار التى حصل عليها علماء الحملة الفرنسية ولكنه هزم فى معركة أبى قير البحرية وتقهقرت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية حاملين معهم الآثار المصرية.
وعقب ذلك تم نقل الحجر إلى الإسكندرية ووضع فى مخزن باعتباره من ممتلكات القائد الفرنسى مينو وحوصرت القوات الفرنسية فى الإسكندرية وأعلن مينو الهزيمة فى 30 أغسطس 1801 وتم توقيع معاهدة الاستسلام وبموجب المادة 16 من الاتفاقية تم تسليم الآثار التى فى حوزة الفرنسيين إلى الجانب البريطانى وبالتالى فلا يوجد سندات ملكية لفرنسا للآثار المصرية التى تنازلت عنها للجانب البريطانى باعتبارها آثارًا تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح وليس لها حق فى التنازل عنها لأحد وهو نفس مبدأ من لا يملك تنازل لمن لا يستحق وقبول الجانب البريطانى للتنازل باطل فما أسس على باطل فهو باطل وبالتالى فإن اقتناء إنجلترا حاليًا للحجر باطل.
وبالتالى يؤكد الدكتور ريحان أن خروج حجر رشيد من مصر غير شرعى فلم يهدى من أى مصرى ولم يخرج بإذن تصدير وفق قانون معين كان يبيح تصدير الآثار وهى المادة 24 من القانون المشئوم 215 لسنة وبالتالى فلا يوجد أى سندات شرعية تثبت ملكية بريطانيا للحجر فقد تم الاستيلاء عليه بواسطة الجيش البريطانى عام 1801 وتم إهداؤه بواسطة الملك جورج الثالث ليستقر بالمتحف البريطانى منذ يونيو عام 1802، وفى نهاية الحرب العالمية خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية فوضعوها فى قاعة أسفل محطة قطارات تبعد 16 مترا عن سطح الأرض فى ماونت بلزانت فى هلبورن.
وبدأ العلماء فى دراسة الحجر منذ عام 1805 عندما بدأ العالم الفرنسى شامبليون فى مصاحبته 17 عامًا حتى أعلن للعالم نجاحه فى فك رموزه فى 27 سبتمبر 1822، ولم يخرج بعد ذلك من المتحف البريطانى إلا مرة واحدة ولمدة شهر فى أكتوبر عام 1972 حيث انتقل إلى متحف اللوفر بباريس بمناسبة مرور 150 عامًا على فك رموزه.
ويشير الدكتور ريحان إلى حجج واهية عن أسباب رفض بريطانيا لعودة حجر رشيد أشارت إليها الصحف البريطانية ومنها أن المتحف البريطانى يلعب دورًا هامًا كمستودع للانجازات الثقافية للجنس البشرى كما إن إعادة الحجر إلى مصر سيفتح الباب أمام فيضان من المطالبات المماثلة التى من شأنها أن تفرغ قاعات العرض فى المتحف، هذا إلى جانب المخاوف من أن تتعرض القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن لخطر تلف فى المتاحف المصرية حال عودتها.
ويرد الدكتور ريحان على ذلك بأنها حجج واهية فهل الإنجازات الثقافية لأى شعب تقاس باستغلال حضارة الآخرين والاستفادة منها دون وجه حق ودون حقوق ملكية فكرية لأصحاب هذه الحضارة لحين عودة الحقوق لأصحابها وكيف يسمحوا لأنفسهم بمصادرة حقوق الشعوب فى المطالبة بآثارها التى نهبت وتقف الاتفاقيات الدولية حائلًا دون عودتها مثل اتفاقية الويبو الإتفاقية الدولية لحماية الملكية الفكرية التى تتجاهل الآثار تمامًا فى تعريفها للملكية الفكرية وكذلك اتفاقية اليونسكو لعام 1970 والتى تحرم الدول من استرداد آثارها التى نهبت قبل عام 1970 تاريخ الاتفاقية، كما أن حجتها بأن مصر لا تحافظ على آثارها فإن أبلغ رد عليهم الإنجازات الرهيبة التى تتحقق اليوم فى مجال الآثار من اكتشافات وافتتاحات وأعمال تطوير فى كل متاحف مصر وإنشاء متاحف جديدة ستعد من أكبر وأهم متاحف العالم مثل المتحف المصرى الكبير هو أكبر رد على أن مصر حريصة على آثارها قادرة على حمايتها وتطويرها.