قال الفقيه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن المنطق القضائى السديد يؤدى إلى استقامة العدالة الإدارية لصيانة مصالح المجتمع، ذلك أن تأمين العدالة الإدارية يكمن في سلامة الأحكام الصادرة من هذ القضاء خصوصاً الأحكام التى تتعلق بالمصالح العليا للدولة، لما لها من أثار خطيرة على سير المرافق العامة بانتظام واضطراد من ناحية، واستقرار الحياة القانونية لحقوق المواطنين من ناحية أخرى.
جاء ذلك أثناء عضويته مناقشاً فى لجنة المناقشة والحكم المكونة من العلماء الدكتور محمد الصافورى والدكتور عباس مبروك بجامعة المنوفية على رسالة الدكتوراه المقدمة إلى كلية الحقوق جامعة المنوفية قسم فلسفة القانون وتاريخه من الباحث نعيم عبد الرؤوف زكى عن موضوع "المنطق القانونى ودوره فى تفسير القانون" التى حصل عليها وفقا للائحة الجديدة بتقدير جيدا جدا (ب).
ويضيف القاضى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى أن هذا النظر السديد يقودنا إلى التركيز على المهمة الملقاة على عاتق القاضي الإدارى والقاضى التأديبى والقاضى الجنائى في إدارة العملية القضائية من أجل الوصول إلى أحكام قضائية عادلة تقنع الخصوم والرأي العام، وأن تطبيقه للقانون على الواقعة المعروضة عليه يتصف بالعدالة ويعبر عن الحقيقة القضائية الموضوعية الواقعية.
ويشير الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى إلى أنه حتى تتصف الأحكام القضائية بالمنطقية والعقلانية يجب على القاضى مراعاة الشروط التالية:
1- ينشأ عمل القاضى أياً كان تخصصه فى فروع القانون , سيما القاضى الإدارى من خلال العملية القضائية التي يديرها، عن طريق اجتهاده في استخراج واستنباط النص القانوني النموذجي - النص الحاكم للموضوع - لمطابقته على الواقعة محل الدعوى في نطاق مبدأ الشرعية القانونية وأصول المشروعية ، ليكوِن القاضي عقيدته واقتناعه بين الواقع والقانون باستخدام مناهج الاستدلال القضائى الاستقراء والاستنباط والنتيجة السليمة.
2- الانتقاء الذهنى للقاضى , فهدفه الأساسي البحث عن الحقيقة , وهذه الحقيقة لا تنكشف من تلقاء نفسها، وإنما هي ثمرة مجهود مضني وبحث شاق وطرح الأفكار والانتقاء الذهني الذى يختلف باختلاف قدرات القضاة وتغاير اجتهاداتهم ومواطن إبداعاتهم , ونظرهم للأدلة الاقناعية للأحكام القضائية حتى يكتب لها السلامة القانونية وتحقيق العدالة والقبول المجتمعى.
3- إن العمل القضائي لا يقوم على معرفة القانون فحسب بل هو أعمق وأشمل من ذلك في استخدام وسائل فنية وقانونية ومنطقية، يلجأ إليها القاضي الإدارى فى تفسير النصوص الإدارية تفسيراً يتفق وفهم صحيح القانون والواقع دون إهدار لمُراد المشرع والغاية التى من أجلها وضعت النصوص القانونية.
4- رقابة المحكمة الإدارية العليا على صحة الأحكام الصادرة من القضاء الإدارى والتأديبى ورقابة محكمة النقض الصادرة من القضاء العادى خاصة الجنائى وصحة أسبابها من الناحية القانونية والمنطقية تجعل القاضى الجنائى و الإدارى والتأديبى ملزماً بأن يتحرى الدقة في عمله وأن يلتزم بحكم القانون وبالتفكير العقلاني لصحة الاستنباط فيما يصدره من أحكام ، فالالتزام بتسبيب الأحكام الجنائية والإدارية والتأديبية هو الذي يحقق سلامتها جميعاً من العيوب، وهذا هو دور المنطق القانونى والقضائى فى القضاء المصرى خاصة قضاء مجلس الدولة.
ويوضح الدكتور محمد خفاجى أن المنطق القانونى هو عمل فني عقلي يبذل فيه القاضي الإدارى جهداً فكرياً يراعى فيه كل الخصوصيات التي تتمتع بها الدعوى الإدارية، وهذا العمل الفكري العقلي الذي يستخدمه القاضي الإدارى هو ما أطلق عليه شراح القانون "المنطق القضائى " ووفق هذا التفكير القضائي يتم استخدام قواعد منطقية ومناهج علمية تكشف الروابط السببية بين الواقع والقانون، يلعب فيه المنطق القضائي الدور الجوهرى والرئيسي في ضمان سلامة الحكم الإدارى والتأديبيى، بل والضمانة الأساسية لوضع سلطة القاضي التقديرية في المسار الصحيح لبناء حكم إدارى أو تأديبى على أسس سليمة ولا تعتريه شائبة الخطأ.
وتابع خفاجى، أنه وبهذه المثابة فإن المنطق القانونى الموجود في أسباب الحكم يمنع تصرف القضاة وفق أهوائهم حتى لا تصبح وظيفة القضاء ضرباً من ضروب التحكم القضائى، ومن المهم لشباب القضاة التعرف على الطرق الفنية التي تحصل بها القاضي على تلك النتائج المبنية على الأسلوب العلمي فى البحث، واتباع قواعد المنهج العلمي الذي يقود إلى الحقيقة .
واستطرد أن الفكر القانوني الحديث يعتد فى الأحكام القضائية بالبناء القانونى المنطقى للحفاظ على مبدأين أساسين هما: حماية المصلحة العامة التى تقتضيها مصلحة الدولة من ناحية ، وحماية الحقوق والحريات الشخصية والكرامة الإنسانية من ناحية أخرى ،دون تغول إحداهما على الأخرى , وفى مجال الملاءمة تطفو المصالح العليا للدولة على كل شئ لأنها أساس بقاء المجتمع، فالفكر الحديث يتجه إلى ربط القانون والقضاء بالمنهج العلمي والفلسفة والمنطق.
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن علم المنطق القضائى له أهمية كبرى في مجال فروع القانون بصفة عامة والقانون الإدارى بصفة خاصة، حيث يكفل حسن تطبيق القانون ويحقق الاستقرار القانوني من خلال رقابة المحكمة الإدارية العليا على الأسباب الواقعية ومضمون الاقتناع الموضوعي، وعلم المنطق هو علم قوانين الفكر والتي منها قانون السببية. وإذا ارتبط علم المنطق بالعمل القضائي، أصبحنا أمام ما يسمى بفن القضاء.
وينتهى الدكتور محمد خفاجى إلى أن القاضي في مرحلة التطبيق القضائي يقوم بعمل عقلي ذهني من خلال الأدلة الثابتة في النزاع المطروح عليه , ويعمل على استقراء واستنباط الحقائق وتقديرها فعمل القاضي الإدارى يبنى على أمرين هما: منطق قضائي خاص بالواقع يفيد بناء القاضي لعقيدته واقتناعه الشخصي على مبادئ العقل والمنطق السليم، ومنطق قضائي خاص بالقانون يتمثل في التكييف القانوني للواقعة محل النزاع لدى القاضي ليحدد من خلالها الحل القانوني الذي ينتهي إليه بشكل صحيح قانوناً وواقعاً .