قرن من الزمان يشهد على مشاركة الأقباط الفاعلة في الحياة العامة والسياسية والنيابية، ومؤشر التواجد والظهور كان مشروطا بالمناخ والتداعيات المتداخلة، ولكن ذاكرة الباحثين والساسة تشهد على مواقف الأقباط ودورهم في إثراء الحياة العامة والسياسية وخير شاهد على مواقفهم الوطنية.
المواطنة عنوان الجمهورية الجديدة
حصد الأقباط النسبة الأعلي فى التواجد النيابي خلال برلمان 2020 بواقع 37 عضوًا، بالنظام الفردى ثلاثة أعضاء، وثمانية وعشرون بالقوائم الانتخابية، وستة معينين ووفق الترتيب الأبجدى للنواب الفردى، منهم: «أبانوب عزت عزيز معوض دائرة الساحل، وصفوت وداد مسعد قلينى دائرة عين شمس، ومجدى ملك عبدالملاك دائرة سمالوط».
وجاء نواب القوائم الانتخابية: «آمال رزق الله ميخائيل، أمانى إميل جرس ميخائيل، ايرينى سعد عبدالمعز سعيد، ايفيلين متى بطرس، ايلاريا سمير حارص عجايبى، أيمن شكرى هنرى شرموخ، إيهاب عادل رمزى حنا، إيهاب عاطف راغب اسكندر (الطماوى)، ايهاب منصور بسطاوى، جميانة لويس يوسف عبدالمسيح، سامى سوس، سهام بشاى عبده حنين، سوزان شكري جرجس نجيب، فريدي صفوت نجيب البياضى، مارسيل سمير صدقي فام، مرثا محروس حنس واصف، مرفت الكسان مطر أسعد، مرفت ميشيل نصيف حنين، مريم عبدالملاك القمص مينا عبدالملاك، مريم عزت عزيز جرجس، ميرفت عازر نصر الله عطا الله، نانسى نعيم مهنى بطرس، نجلاء باخوم رياض غبريال، نى نتر أوزوريس القس مينا الغزاوى، هبة الله سامى جورج حبيب، هناء أنيس رزق الله سعد، وجيه ظريف كامل اسكندر، وسيم فخرى تاواضروس داود».
كما تضمن تعيين وثقة رئيس الجمهورية في مجلس النواب كلا من: «دينا عبدالكريم صادق مكسيموس، عماد خليل كامل، كريم بدر حلمى رزق الله، منال هلال أيوب جرجس، منصف نجيب سليمان، ندى الفى ثابت بسالى»؛ وبعد أن زادت نسبة عدد النواب من 540 إلى 568 تصير نسبة النواب الأقباط حوالى 6% وإذا عدنا في مقارنة مع مراجعة النسب خلال العهد الملكي سنجد أن نسبة تمثيل الأقباط في برلمانات ما قبل 52 أكتر من 5% بقليل من إجمالي النواب ولكنها وصلت القمة فى عام 1942 التي حاز فيها الأقباط على نسبة أكثر من 10% من إجمالي المقاعد النيابية.
الحقبة الناصرية
ويكشف التاريخ بالأرقام انخفاض المشاركة خلال الحقبة الناصرية التى انخفضت المشاركة السياسية للمصريين بصورة عامة والأقباط على وجه الخصوص نتيجة التغيير الجوهرى الذي حدث، ومن هنا لجأ «عبدالناصر» إلى إدخال نص جديد في الدستور تعيين عشرة أعضاء في مجلس الأمة - آنذاك - لمواجهة عزوف الأقباط عن الحياة السياسية؛ وتراوحت نسبة تمثيلهم في البرلمان خلال هذه الفترة ما بين صفر% إلى أقل من 3% فلم يكن لهم أى عضو فى برلمان عام 1957.
وتبدل الحال قليلًا فى برلمان 1969 ووصل عدد الأقباط لتسعة نواب من بينهم سبعة معينون، لكن العصر الناصرى شهد مناخا من التسامح والسلام الاجتماعي، أما في عهد «السادات» وصلت نسبة تمثيل الأقباط في البرلمانات إلى قرابة 3%، في عام 1971 وصل عددهم إلى إثنى عشر عضوًا - وفي عام 1976 لم ينتخب أى قبطي - وفي عام 1979 نجح أربعة في الانتخابات، وتم تعيين عشرة أشخاص، وأن تدني التمثيل البرلماني كان نتاجا لما قام به «السادات» من تديين المجتمع، وتشجيع الإخوان المسلمين، وإطلاق الحريات لهم، واستخدام الدين في خطاباته، والعلاقة غير الحميمة مع البابا شنودة حتى وصل به الأمر إلى فرض إقامة جبرية عليه.
وما بين عهد «السادات» و«مبارك» كانت نسب التمثيل النيابي للأقباط ضئيلة للغاية حيث أن بلغ عدد الأقباط في برلمان 2000 ستة أقباط من أصل 454 عضوًا بمجلس الشعب، وفي عام 2005 دخل المجلس سبعة أقباط من بينهم واحد بالانتخاب، وهو يوسف بطرس غالي وزير المالية في ذلك الوقت لوجوده في الحزب الحاكم والحكومة.
رياح التغيير والكوتة
عقب ثورتى 2011 و30 يونيو تطور الأمر خاصة بعد تخصيص كوتة قبطية وفق قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، نسبة 25% من مقاعد المجلس للمرأة على أن يكون هناك تمثيل مناسب للفلاحين والعمال والشباب والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة والمصريين فى الخارج ويشكَّل مجلس النواب من 568 عضوًا، يُنتخبون بالاقتراع العام السري المباشر بواقع 284 مقعدًا بالنظام الفردي، و284 مقعدًا بالقوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشّح في كل منهما، ويحق لرئيس الجمهورية تعيين نسبة لا تزيد على 5% من الأعضاء.
بعد قرابة 73 عامًا على انتخابات برلمان عام 1942 فى مصر، الذى كان علامة فارقة فى المسيرة البرلمانية لأقباط مصر، حين فاز منهم 27 نائبًا في ذلك العام، جاء العام 2015، ليعيد إلى الذاكرة من جديد ذلك المشهد البرلمانى، الذي جرى عام 1942، ليضم مجلس النواب المصري الجديد فى أولى دوراته، 39 نائبًا قبطيًا تحت قبته، بينهم 36 نائبًا ونائبة قبطية، دخلوا تحت قبة البرلمان عبر صناديق الاقتراع، وتعد هذه النتائج هي الأفضل بالنسبة للمرشحين الأقباط على مقاعد الفردي وبدون كوتة من بعد ثورة يوليو 1952، وهو ما يكشف عن تغير نوعي مهم في توجهات ودوافع تصويت الناخب المصري.
كما أن إقبال المسيحيين على الترشح للمنافسة على المقاعد الفردية كان ملمحًا إيجابيًا فى انتخابات مجلس النواب المصرى، حيث تقدم للترشح 206 على المقاعد الفردية فى الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات، وكان إقبال الناخبين المسيحيين عنصرًا مؤثرًا فى المعادلة الانتخابية المصرية.
قراءة المضامين بعيون الباحث
بعيدًا عن النسب والتمثيل فإن تحقيق المواطنة رغم كل الجهود لم يتحقق بشكل كامل طوال 100 عام؟! فإننى منذ أكثر من أربعين عامًا أتابع قضايا المواطنين المصريين الأقباط، تارة كصحفى وأخرى كباحث، ولاحظت أن لا أحد ينظر إلى تلك القضية من منظور أزمة الدولة المدنية الحديثة، ولم يلحظ أحد أن أولى تجليات الأزمة كان عام 1910 المؤتمر القبطى ومن 1910 وحتى أحداث العمرانية 2010 مضى قرن من الزمان.
تبوأ الحكم فى مصر أربعة ملوك «عباس حلمى، حسين كامل، فؤاد، فاروق» وستة رؤساء «عبدالناصر، السادات، مبارك وعدلي منصور ومرسى والسيسى». شهدت تلك الفترة 72 حكومة، 42 فى العصر الليبرالي منذ حكومة بطرس غالى باشا 1910 وحتى حكومة على ماهر باشا 1952 بتكليف من الملك فاروق، و7 حكومات فى عهد ناصر، و7 فى عهد السادات، و9 حكومات فى عهد مبارك، من 2010 وحتى الآن سبعة حكومات كل ذلك والمشكلة الطائفية قائمة بشكل أو بآخر.
فى العصر المسمى الليبرالى، وفى فبراير 1934، في حكومة عبدالفتاح يحيى باشا أصدر العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية الشروط العشرة لبناء الكنائس التى سببت 76% من الأحداث الطائفية؛ ارتبط ذلك بإسقاط دستور 1923 وإعلان دستور صدقى 1930 وظهور جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها مع صدقى، بل وفى ظل زخم زعامة «النحاس» للأمة تم تجريس حزب الوفد فى الأربعينيات من القرن الماضى على أنه حزب نصرانى، أسس لهذه الحملة أيضًا الإخوان المسلمون، وللأسف شارك فيها كتاب كبار مثل «العقاد»، والأخطر أنه فى ظل حكومة الوفد 1950 لأول مرة بعد ثورة 1919 تم حرق كنيستين إحداهما فى السويس والأخرى بالزقازيق وسقط قتيلان من الأقباط.
ومن العصر الليبرالي إلى العصر الناصرى، لم تشهد المرحلة أى اعتداءات على أقباط أو على الكنائس، ولكن تمت إضافة خانة الديانة بالبطاقة الشخصية، الأمر الذي انسحب إلى العديد من الوثائق الأخرى، كما تم حرمان الأقباط من الوظائف العليا فى بعض أجهزة الدولة ناهيك عن تحويل جامعة الأزهر من جامعة دينية إلى جامعة مدنية يقتصر القبول فيها على المواطنين المسلمين رغم أنها تمول من أموال المصريين مسلمين وأقباط. ثم جاء مشروع «السادات» بالتحالف مع «الإخوان» لضرب الناصريين والماركسيين.
كما تسللت ظاهرة الإخوان المسلمين والتدين من خارج النظام السياسى إلى داخله، وصعد إلى قمته عبر الانفتاح الاقتصادى ضرب «السادات» الأساس الاجتماعى للمشروع الناصرى، وبدأت البطالة تطل برأسها، وبدأ تهميش الصعيد، مما مهد الطريق اجتماعيًا للإرهاب، فى عصر «مبارك»، خاصة العشر سنوات الأخيرة؛ لم تعد الدولة مدنية ولا حديثة، بل صارت دولة مملوكية «ظهر مشروع التوريث» وعكس ما يتصور الجميع كانت هذه المرحلة هى العصر الذهبى للإخوان، حيث تم تمكينهم اقتصاديًا «السيطرة على 55% من تجارة العملة، و23% من التجارة الداخلية و14% من التصدير والاستيراد»، وبلغت عمليات المضاربة وغسل الأموال أقصى مدى «راجع حتي الآن شركات كانت تمولهم وفق شهادة محمود عزت»، وعلى الصعيد السياسى وافق الإخوان على التوريث مقابل التمكين فى مجلس الشعب، إضافة إلى التمكين الدولى وتأسيس التحالف الإخوانى الأمريكي.
وعلى صعيد المشاركة في الوزارات لم يمثل الأقباط سوى بوزيرين فى المتوسط فى كل تلك الوزارات على مختلف العهود، هكذا يبدو الأمر أن المواطنة هي الحل، وأن كل الجهود القائمة حتى الآن مع احترامنا لها إلا أن سبل التعيين من العهد الناصرى، أو القوائم أو الكوتة مجرد محاولات لا تؤدي إلى تحقيق المواطنة بل هناك ضرورة لعودة الديمقراطية والحياة الحزبية الحقيقية بعيدًا عن تحول الأحزاب إلى جماعات مصالح كما يحدث الآن.