في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار نستكمل الحلقة الثالثة عشر بعنوان " هل كان مرنبتاح ابن رمسيس الثانى فرعونًا لموسى؟.
واستعرضنا فى 12 حلقة سابقة دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر ومكان إقامة بنى إسرائيل في مصر ومناقشة موقع ولادة نبى الله موسى وتربيته في بلاط أحد ملوك مصر وموقع بئر موسى في مدين حيث قابل الفتاتين وتزوج وعاش لمدة عشر سنوات والتجلى الأول عند شجرة العليقة الملتهبة وجبل موسى كقيمة روحية استثنائية بالوادى المقدس طوى والشروط الواجب توافرها في فرعون موسى وحقيقة فرعون موسى وهل تصدق أن حتشبسوت فرعون الخروج؟ " وإثبات بطلان الإدّعاء بأن إخناتون هو نبى الله موسى دينيًا وأثريًا وتاريخيًا ومناشة فرضية رمسيس الثانى فرعونًا لموسى والكشف عن موقعين باسم وادى الراحة بسيناء.
ويشير الدكتور ريحان إلى ما ذكر فى سفر الخروج "وأمّا إقامة بنى إسرائيل التى أقاموها فى مصر فكانت أربعمائة وثلاثين سنة" وهى المدة منذ دخول نبى الله يعقوب إلى خروج نبى الله موسى أى منذ بداية حكم الهكسوس إلى نهاية حكم الملك "مرنبتاح" ابن رمسيس الثانى، وقد عثر الأثرى فلندرز بترى على لوحة ذكر فيها اسم إسرائيل ومؤرخة بالعام الخامس من حكم مرنبتاح أى قبل وفاته بخمس سنوات، وجاءت اللوحة بمناسبة انتصار مرنبتاح على الليبيين الذين هاجموا غرب الدلتا وهددوا استقرار منف وعين شمس، وأشارت اللوحة إلى سحق شعوب كثيرة وذكرت بها كلمة إسرائيل لأول مرة فى تاريخ مصر القديمة "سحق إسرائيل ولم يبق له نسل" وقد اتخذها بعض الباحثين سندًا على خروج نبى الله موسى وبنى إسرائيل من مصر فى عهد الملك مرنبتاح ابن رمسيس الثانى.
وينوه الدكتور ريحان إلى عدة آراء أكدت أن الكلمة لا علاقة لها ببنى إسرائيل أو خروج نبى الله موسى حيث يرى ألستروم أن إسرائيل التى وردت فى لوحة مرنبتاح تشير إلى منطقة جغرافية وإلى أقوام آخرين كانوا أغلبيتهم من الكنعانيين، وذكر عبد الوهاب المسيرى ترجمة أخرى لهذا النص "يسرائيل شعب صغير لقد دمرته وانمحت ذريته فلا وجود له " ويقال أن كلمة يسرائيل هنا تشير إلى إحدى المدن أو القبائل الكنعانية وليست لها علاقة بالعبرانيين.
ويرى المسيرى أن كلمة يسرائيل بوصفها إسمًا لأحد المدن أو ربما لبطن من بطون القبائل فى جنوب كنعان، ولعل هذا يدل على أن الكلمة كنعانية الأصل وأنها كانت ذات ارتباطات مقدسة بين سكان المنطقة فى ذلك الوقت وهناك نظرية تذهب إلى أنها كانت اسم بطن من بطون القبائل العبرانية.
ويتابع الدكتور ريحان بأن كاتب النص خص إسرائيل بعدم كتابة المخصص المعروف الذى يعبر عن البلاد الأجنبية وهو أمّا يكون علامة الأفق أو علامة العصا واكتفى كاتب النص بوضع مخصص الرجل والسيدة وأسفلهما ثلاث شرطات للدلالة على أن هؤلاء قوم لا يوجد لهم مكان جغرافى محدد وقد تواتر استخدام مخصص البلاد الأجنبية مع المدن الشامية خلال عصر الدولة الحديثة مثل مدن مجدو وقادش، وهذا ما دعا جون ويلسون إلى القول أن الإسرائيليين فى تلك الفترة لم يكن لهم موطنًا محددًا ولم يستقروا بعد فى مكان ما ، وقد نفى كيتشن أن يتوافق اسم إسرائيل فى لوحة مرنبتاح مع اسم إسرائيل الذى ورد فى اللغة العبرية وثار جدل شديد حول اسم إسرائيل وقد نفى الباحثون اليهود أو الذين يدورون فى فلكهم أن يكون المقصود فى اللوحة بنى إسرائيل لأسباب معلومة.
ولفت إلى كتابات الدكتور رمضان عبده الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنيا التى تؤكد أنه لا علاقة بين هذه اللوحة وخروج بنى إسرائيل وذلك لعدة أسباب، منها أن معظم العلماء ترجم كلمة "يزريل" على أنها إسرائيل والترجمة الصحيحة "يسيراو" والمقصود بها مكان قبائل بسهل "جزريل" التى ذكرت فى التوراة تحت اسم "اسدرالون" وهو مرج بن عامر من الناحية الشرقية الشمالية عند جبل الكرميل ويمتد من حيف غربًا إلى غور وادى الأردن، كما أن ترجمتها بإسرائيل يخالف الحقائق التاريخية حيث تعنى وجود مملكة إسرائيل على أرض فلسطين فى بداية الأسرة التاسعة عشرة، ولو أن مملكة إسرائيل وجدت فى فلسطين قبل عصر مرنبتاح لذكرت فى نصوص عصر تحتمس الثالث الذى قام ب17 حملة فى بلاد الشرق، كما نجد أن نقوش الأسرة التاسعة عشرة مليئة بالحملات الحربية الذى قام بها ملوك هذه الأسرة ضد بدو سيناء، ولم تذكر هذه النقوش أية إشارة إلى مملكة إسرائيل ومنها نصوص سيتى الأول بالكرنك ونصوص رمسيس الثانى.
ولم يذكر النص أنهم كانوا من سكان فلسطين، وهناك نص مؤرخ فى العام الثامن من حكم رمسيس الثانى جاء فيه ذكر التعبير الجغرافى يزاريل الذى كان يعنى المنطقة جنوب فينيقيا أو جنوب لبنان، كما أن إسم إسرائيل لم يرد إلا فى مصادر التوراة فى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد حين ذكر أن ميشع ملك مؤاب حارب إسرائيل، وأن لوحة مرنبتاح ترجع إلى القرن 13ق.م. أى بفارق أربعة قرون، كما ارتبط الخروج بأحداث معينة مثل غرق فرعون ونجاة بنى إسرائيل وهو ما لم يرد نهائيًا فى هذا النص.
وحدث جدال كبير بين الباحثين إذا كان الإسرائيليون موجودون فى الشام فى العام الخامس من حكم مرنبتاح فكيف دخلوا كنعان بعد فترة التيه فى سيناء أربعين عامًا؟ كما أن سياق نصوص لوحة مرنبتاح يدل على أن مرنبتاح حارب إسرائيل فى فلسطين، أى لم يكن لهم أثر داخل مصر فى عهده، وهذا يعنى أنهم خرجوا قبل عهده .
ويوضح الدكتور ريحان أن التوراة لم تذكر اسم فرعون الخروج، ويبرر هوفماير ذلك بأنه كان من الأمور العادية أن لا تذكر النصوص المصرية القديمة أسماء الأعداء المناوئين لمصر خلال عصر الدولة الحديثة، فعلى سبيل المثال ما ورد فى حوليات حملة تحتمس الثالث على مدينة مجدو اكتفى النص بذكر ملك قادش دون ذكر اسمه، وفى لوحة عمدا التى شيدها الملك أمنحتب الثانى حيث ذكر وقائع النص وقائع الانتصار على قادة النوبة دون ذكر أسمائهم، ويبدو أن المصريين لم يعتادوا تسجيل أسماء الأعداء خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة إلا فى حالة وقوعهم فى الأسر، وكذلك كان الحال فى عصر الرعامسة، وفى حوليات رمسيس الثانى التى نقشت على جدران الكثير من المعابد فى عصره ودونت بها تفاصيل المعارك التى خاضها ضد مملكة الميتان، فقد اكتفت النصوص بذكر قائد الميتان والعدو الخيتى دون ذكر الإسم، وفى لوحة مرنبتاح ذكرت الشعوب الأجنبية دون أسماء قادتها باستثناء اسم واحد فقط وهو الذى تم أسره وهو المدعو "مرى" .