من حق كل أن يهلل بمكاسبه في المباحثات الثنائية على هامش قمة جدة، بمشاركة مصر ودول مجلس لتعاون الخليجي، والأردن والعراق، والولايات المتحدة الأمريكية، فقد هللت الحكومتان الأمريكية والإسرئيلية، بقرار السعودية بفتح الأجواء أمام رحلات الطيران الإسرئيلية المتوجهه من وإلى إسرائيل، والذي تعتبره واشنطن وتل أبيب خطوة نحو التطبيع.
لكن وبقراءة دقيقة للبيان الختامي للقمة، سنجد أن مساعي الرئيس الأمريكي جو بادين بدمج إسرائيل في المنطقة دون ثمن لم يتحقق، بل في أجزاء من أهداف القمة والجولة التي قام بها للمنطقة، لم تتحقق هي الأخرى، بل يمكن القول أننا نعيش مرحلة إختبار النوايا الأمريكية في المرحلة المقبلة، ويتضح مدى جدية واشنطن "بايدين" في تهيئة الأجواء لعلاقات مصالح مشتركة، وليس لمصالح فردية فقط.
وأعتقد أن الرئيس الأمريكي، اقتنع بأهمية حل الدولتين لمدخل لإنهاء الصراع العربي "الفلسطيني" - الإسرائيلي، ولاستعادة الفلسطينيين "حقوقهم"، فقد نص البيان الختامي على "جدد الرئيس بايدن التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالعمل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط، وأكد القادة ضرورة التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، مشددين على أهمية المبادرة العربية، وأكد القادة ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، واحترام الوضع التاريخي القائم في القدس ومقدساتها، وعلى الدور الرئيسي للوصاية الهاشمية في هذا السياق".
ولم يحقق بايدين مبتغاه بتكوين حلف ضد إيران، من أجل مصالح إسرائيل وجاءت التوصيات واضحة تحمل رؤية الدول العربية، وجاء النص (جدد القادة دعمهم لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولهدف منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، كما جدد القادة دعوتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا)، وهو ما يعكس التوجه الدائم نحو الحوار والحل السلمي، على أمل أن ترضخ طهران لإقامة علاقات مصالح مشتركة.
وفي الملف النفطي وأهم أهداف الجولة "البايدينية"، جاءت التوصية بصياغة دقيقة، تحافظ على العلاقات الدولية ونصت "أكد القادة على أهمية تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواق الطاقة، مع العمل على تعزيز الاستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الالتزامات الوطنية، كما نوه القادة بجهود (أوبك +) الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي، وبقرار (أوبك +) زيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس، وأشادوا بالدور القيادي للمملكة العربية السعودية في تحقيق التوافق بين أعضاء (أوبك +)، ) ويتسق هذا النص مع رؤية كل منتجي النفط، دون تخصيص ضد مصالح أطراف أخرى، بما فيها روسيا التي ترتبط بعلاقات قوية عربية.
حتى فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية – الروسية، فقد حرص الجانب العربي عدم الإنزلاق في التوجه الأمريكي الأوروبي والتحالف ضد روسيا، وإخضاع الملف للرؤية الدولية، وتقديم الحل الدبلوماسي على أي حلول أخرى، أو الإنحياز لطرف ما لتحقيق مصالح (أوروبا- أميركا)، ومن هنا فقد جاء النص في هذا الملف دقيق جدا (فيما يخص الحرب في أوكرانيا، يجدد القادة التأكيد على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامة أراضيها، والالتزام بعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ويحث القادة المجتمع الدولي وجميع الدول على مضاعفة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي، وإنهاء المعاناة الإنسانية، ودعم اللاجئين والنازحين والمتضررين من الحرب، وتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية، ودعم الأمن الغذائي للدول المتضررة).
كل هذا وغيره ما دعا بايدين إلى التقليل من سقف طموحاته من الجولة سياسيا وإقتصاديا، بقولة " إنه يفعل كل ما في وسعه لزيادة الإمدادات النفطية إلى الولايات المتحدة مضيفًا بأن النتائج الملموسة لن تكون ملحوظة قبل مرور أسبوعين"، وكلمة أسبوعين هنا أرى أنها مجازية، فكثير من الأمور ستحتاج وقتا.
وأرى أن أهم نتائج القمة أتت بإبراز قضايا المنطقة لتضعها على رأس الإهتمام، أولا وأخيرا، فبخلاف قضية العرب الأم "فلسطين"، فقد شددت القمة على دعمها للأمن المائي المصري، وضرورة التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول،
ومن خلال رؤية عربية واضحة لقضايا دول المنطقة، والتي تعتبر هي الأهم من أي مصالح أمريكية، وإسرائلية، فهناك مشكل تعاني منها 7 دول عربية، فحتما لها الأولوية، ومن هنا برزت قضية العراق بالنص على الدعم الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره ونمائه ورفاهه ولجميع جهوده في مكافحة الإرهاب، وإدانتهم القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحته.
ولم تختفي القضية السورية، فقد أكد القادة ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها، وفيما يتعلق بلبنان، فقد عبر القادة عن دعمهم لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي.
واحتلت ليبيا مركز الإهتمام بتجديد القمة الدعم للجهود الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضرورة عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية جنبًا إلى جنب في أقرب وقت، وخروج جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء.
وعلى امتداد الجنوب، فقد أكدت القمة الدعم لجهود تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وإنجاح المرحلة الانتقالية، وتشجيع التوافق بين الأطراف السودانية، ورحبت بالهدنة في اليمن، وبتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والعمل لدعم التوصل إلى حل سياسي وفقًا لمرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل.
والأهم أيضا من أجندة "بايدين"، التأكيد على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ من خلال تسريع الطموحات البيئية، ودعم الابتكار والشراكات.
يقينا ووفق نص بيان القمة فقد كسبت الرؤية العربية، سقف طموحات بايدين.