الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

ويصا واصف.. محطم سلاسل البرلمان.. تلقى سينوت حنا الطعنة بدلا من النحاس وأفسد مؤامرة جديدة لاغتيال زعيم الأمة.. عاصم الدسوقى: دستور 1923 كان مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات

ويصا واصف
ويصا واصف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى المنصورة؛ فى 8 يوليو عام 1930، حاصرت قوات تقدر بثلاثة آلاف جندي من الجيش المدينة إضافة للبوليس، وعندما شقت سيارة النحاس باشا الطريق بشارع البحر اعترضتها قوات الجيش والبوليس، "حاسب يا باشا"، خرجت الكلمة قوية من لسان سينوت حنا، مخاطباً مصطفى النحاس باشا، زعيم الوفد والأمة.

وكان النحاس وقتها مشغولاً بتحية الجماهير الغفيرة، التى احتشدت لتحيته فى المنصورة، خلال معركة الوفد الجهادية الطويلة، فى مواجهة القصر والاحتلال، لكن يبدو أن زعيم الأمة كان قريباً جداً من الخطر، وسمع النحاس صوت صديق عمره سينوت حنا بصعوبة شديدة، فقد كانت أصوات الجماهير تطغى على كل شيء.

نظر الزعيم إلى مصدر الصوت، فوجد جنوداً من الهجانة تغرس السونكى فى أجساد الوفديين، ورأى جندياً يتقدم نحوه، مشهراً سلاحه، وشاهد السونكى يتجه نحوه بسرعة شديدة، وقبل أن يلمس جسده، ألقى سينوت حنا بنفسه فوق النحاس ليتلقى الطعنة بدلاً منه، ويفسد مؤامرة جديدة لاغتيال زعيم الأمة ومصدر الإزعاج الوحيد للملك والإنجليز، ليغرق وجه النحاس بدم سينوت حنا، الذى صرخ من شدة الطعنة، فقال له النحاس سلامتك يا حبيبى فقال له سينوت روحى فداك يا باشا!

أصيب سينوت بك حنا، الذي كان يرافق النحاس فى سيارته إصابات بالغة، وقتل أربعة من الأهالي، وثلاثة من رجال الجيش والبوليس، وبلغ عدد الجرحى 145 جريحا، واعتلّت صحة سينوت حنا، بسبب هذا الحادث، وتوفى فى بيته برمل الإسكندرية، مساء الأحد 23 يوليو 1933، وعمره 53 عاما.

وألقى مصطفى النحاس باشا، خطابا على قبره، تناول فيه عمق مشاعر الحب، لدى سعد زغلول، وصفية أم المصريين، لابنها وأخيها سينوت حنا، وأعلن أنه مدين له بحياته، حيث تلقى عنه طعنة أثيمة من يد أثيم. وبعد وفاة سعد زغلول بأربع سنوات، خرج المصريون فى مظاهرة كبيرة لتشييع جثمان ويصا واصف، القيادى القبطى بحزب الوفد، وكان الهتاف (اشكى الظلم لسعد يا ويصا) وكأن الاثنين فى الجنة.

وفي جنازة "سينوت"، قال "النحاس": سينوت ابن سعد وصفية، وفي جنازة ويصا واصف، هتف المصريون: وكأن الاثنين فى الجنة.

كان لا بد أن نتذكر اثنين من أكبر أذرع الوفد، والبرلمان المصري، على مر العصور، وهما ويصا واصف محطم السلاسل، وسينوت حنا الذي فدى النحاس من الموت.

ويصا واصف، صعيدي من مواليد طهطا سوهاج، بدأ مشواره الوطني بمقالات فى جريدة مصطفى كامل "اللواء"، واقترب الشاب ويصا من الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد.

ويقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعى: إن ويصا اختير فى اللجنة الإدارية للحزب الوطني، ضمن ثلاثين عضوًا بارزًا، وأصبح ويصا واصف من قادة الحزب الوطني، إلى جانب الزعماء الكبار للحزب، إلا أنه بعد اختلال العلاقة بالحزب، وتضارب التيارات؛ بين تيار مصر للمصريين الذى كان يتزعمه أحمد لطفي السيد، وتيار عبدالعزيز جاويش، الذى كان يدعو إلى أن تكون مصر للعثمانيين، وأدى هذا الانقسام إلى خروج عدد من العناصر المهمة من الحزب، ومنهم ويصا واصف، الذى استقال من الحزب عام 1908، بعد ستة أشهر من رحيل مصطفى كامل، بل ووقف ويصا واصف ضد المؤتمر القبطي 1911، حتى أن البعض لقبه بـ"يهوذا الاسخريوطى"!

وأثبتت الأيام صدق وجهة نظر ويصا واصف، خاصة بعد انضمامه للوفد وقيام ثورة 1919. ويعد ويصا باشا واصف، أول قبطى يترأس البرلمان المصري فى فترتين (20 مارس 1928-18 يوليو 1928) و(11 يناير 1930-21 أكتوبر 1930)، وذلك فى عهد الملك فؤاد الأول، ليكون أول قبطي يتولى رئاسة البرلمان منذ نشأة الحياة النيابية فى مصر فى عام 1866، والذي شغل منصب وكيل مجلس النواب فى حياة سعد باشا زغلول ورئيس المجلس فى حياة مصطفى باشا النحاس.

وكان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين، من كل الطبقات، هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفي اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا، عهد إلى إسماعيل صدقي بتأليف الوزارة الجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراي فى ذلك العهد، منذ وضع دستور 1923، وقد تحقق بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود.

وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس- هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة، رأت السراي - ورأى معها الوصوليون والرجعيون - أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد، فتألفت وزارة إسماعيل صدقي على هذا الأساس، وكان تأليفها تحديا للشعب واستهانة بحقوق الأمة. ويستطرد "الدسوقى" قائلا: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيو 1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود 1928.

ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919): وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيو، وهو اليوم الذي كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين، ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسي المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أي عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم

ورأى ويصا واصف في هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقي باشا (يوم 23 يونيو) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم، وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد، فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى.

فما كان من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم يوم تحطيم السلاسل، ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور.

ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقي ودستوره، ويقول د. عاصم الدسوقى: أرسل عدلي باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصوري الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطني الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه.

ولعل أكثر ما كان يرعب الملك والاحتلال من دستور1923 كما يقول د.الدسوقى هو شل يد الملك، فجاء دستور 1930 بقرار من صدقي وليس عن طريق أى لجان، وزاد من سلطات الملك المطلقة، وكان دستور 1923 يعطى الملك فقط حق التصديق على قوانين البرلمان، وإن لم يصدق على القانون، أو لم يعده للبرلمان خلال شهرين اعتبر القانون نافذا.

ولكن دستور 1930 ألغى ذلك، بل ونص على عدم أحقية البرلمان فى نظر القوانين التى يرفضها الملك فى ذات الدورة، ويكاد يكون دستور 1930 قد عطل باب الحريات فى دستور 1923 وأعطى مشروعية لإلغاء حرية الصحافة وتعطيل الصحف ومنع حق الاجتماع والتظاهر إلخ، ومن هنا بدأت المقاومة، وأخذ الوفد والنحاس يطوفون المديريات.