السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

زيارة بايدن للشرق الأوسط في الميزان الأمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد أنّ غلّظ بايدن من لاءاته على امتداد شهور وصعَّدَ من انتقاداته للسعودية، أصبح من الطبيعي أنْ تُقابلَ جولته هذا الأسبوع للشرق الأوسط ومحطتها الرئيسية في المملكة بنقد مماثل داخل الولايات المتحدة. لقد وعد بإنهاء اعتماد الولايات المتحدة على دول الشرق الأوسط في الأمن الإقليمي وإمدادات النفط، خلال حملات الدعاية قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، لكنه سرعان ما وجد نفسه عاجزًا عن تجاهل التحالفات الإقليمية التاريخية للولايات المتحدة. وليس من الغريبِ الآن أنْ يُنظر إلي هذه الزيارة في واشنطن على أنها "انبطاح" للواقع السياسي. دارت الرياحُ بما لا تشتهي السُّفنُ واضطرَّ بايدن أن يجلسَ مع زعماء السعودية والمنطقة وأنْ يطويَ صفحة حقوقِ الانسان التي كانت كالعلكة المُرّة من كثرة ما لاكها، كلّما جاء الحديث عن شركائه في المنطقة. وطأطأ الرأس متنازلًا عن لاءاته عندما استدعت المصالح الأمريكية البحث من جديد عن شركاء الشرق الأوسط وإعادة توطيد العلاقات معهم بعدما تأزّمَ الواقع الأمريكي ومعه واقع الشركاء الأوروبيين في أعقاب الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا والتي جعلت السعودية الحل ورمانة الميزان في سوق الطاقة حاليًّا وهي القادرة على تعديل أسعار النفط. وكتب بايدن مقالًا مطوّلًا في صحيفة "واشنطن بوست" للدفاع عن قراره بزيارة السعودية ولقاء قادتها وقادة الشرق الأوسط وهو الموقفُ الذي اضطرّ لتغييره مائة وثمانين درجة في ضوء ما وصفه بالمصلحة العليا للأمة الأمريكية. وتابع في مقاله في نفس الصحيفة التي كانت تنشر مقالات خاشقجي، موضحًا: "كان هدفي من البداية هو إعادة توجيه العلاقات، وليس قطعها، مع دولة كانت شريكا استراتيجيا لمدة 80 عاما. آرائي حول حقوق الإنسان واضحة وطويلة الأمد، والحريات الأساسية دائما ما تكون على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج..".
وبينما كانت طائرته تحطّ في مطار جدّة، عبّرَ غالبية الأمريكيين في استطلاع للرأي أجرته نيويورك تايمز/ سيانا كوليدج عن شعورهم بأن الاقتصاد ليس في حالة جيدة وأنه يزداد سوءً. وقالوا إنهم أصبحوا الآن "أفقر" بشكل واضح مما كان عليه حالهم عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه. على الرغم من ارتفاع الأجور، فقد ارتفعت الأسعار بشكل أسرع واستمرت في جنونها سواء بالنسبة للمواد الغذائية أو مواد الطاقة. وكانت تداعيات كورونا قد أدّت إلى ركود الاقتصاد الأكبر في العالم، لكنَّ الحرب الأوكرانيّة وتوقف إمدادات الطاقة والغذاء من مصادرها الروسية فاقمت الوضع وسدّدت لكمات موجعة للاقتصاد الأمريكي. 
ويواجه الرئيس بايدن حالة من الشك داخل حزبه، حيث قال 64 % من الناخبين الديمقراطيين إنهم يفضلون شخصية جديدة في الحملة الرئاسية لعام 2024، وفقًا لنفس استطلاع الرأي. ولم يمنحه الناخبون في جميع أنحاء البلاد إلا نسبة لا تتعدى33 % فقط للتجديد لعهدة ثانية. وهو ما يؤكد أن الدعم تجاه الرئيس بايدن ينزف حاليًّا وينعكس على تراجع شعبيته. وساعد انتشار المخاوف بشأن الاقتصاد والتضخم على تحويل المزاج الوطني إلى اتجاه رافض للرئيس بايدن. يرى أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين المسجلين أن الولايات المتحدة تتحرك في الاتجاه الخاطئ، وهو شعور سائد بالتشاؤم يمتد في كل ركن من أركان الولايات المتحدة. وقال 13 % فقط من الناخبين الأمريكيين إن بلادهم تسير على الطريق الصحيح - وهي أدنى نقطة في استطلاعات الرأي منذ الأزمة المالية قبل أكثر من عقد من الزمان.
ويبدو أن الديمقراطيين قد أصابتهم صحوة دفعة واحدة تجاه الرئيس بايدن وتحدثوا عن كونه "مُسِنًّا"، وكأنّهم اكتشفوا فجأة أنه مولود في20 نوفمبر 1942، وإذا تم انتخابه لفترة ولاية ثانية -وهو ما يبدو أنه عازم على السعي وراءه- فسيكون عمره 86 عامًا عندما يترك منصبه. من المُلاحظ أيضًا في الأيام الأخيرة أنّ عمر الرئيس أصبح يثير القلقَ وهو ما أبرزته صحيفة نيويورك تايمز في أحد عناوينها عندما تساءلت: "هل ينبغي لبايدن الترشح في عام 2024؟"؛ ثم في عنوان آخر: "بايدن البالغ من العمر 79 عامًا يختبر حدود العمر والرئاسة". ونشرت قصة أخرى الاثنين الماضي بعنوان: "معظم الديمقراطيين لا يريدون بايدن في عام 2024 "، مشيرة إلى نتائج استطلاع جديد". وكتبت ميشيل غولدبرغ يوم الثلاثاء في عمود رأي: "جو بايدن كبير جدًا على أن يصبح رئيسًا مرة أخرى".
وكما يتضح تدريجيًّا فإنّ بايدن انتُخِبَ لسبب واحد وهو "ألا يكون دونالد ترامب". لكنْ عندما يفتقدُ المواطن الأمريكي حليب الأطفال ويضطر لدفع أموال أكثر بكثير عما سبق لملء خزانات السيارات وغاز المنازل فإنّ إخفاقات بايدن لن تجعله بأي حالٍ البديل المناسب لترامب. كما أنه ليس من الواضح على الإطلاق أن الأمور ستكون مختلفة لو كان الرئيس أصغر من عمره الحالي أو حتى لوكان 50 عامًا.
ربما تكون هذه الزيارة للشرق الأوسط وما يُراهنُ عليه من إبرام عقود جديدة مع شركاء تقليديين قد تُعطي بايدن فرصة الاستمرار بفضل انتعاشٍ متوقّعٍ للاقتصاد الأمريكي إضافة لتعديل سعر البترول بفضل اتفاقٍ منتظر مع السعودية. قد يقتنعُ حينئذٍ الديمقراطيون والناخب الأمريكي أنّ تغيير الخيول في منتصف السباقِ لن يقودهم للفوزِ به بل قد تكون الهزيمةُ أشدَّ وطأة!