كادت الدموع تنهمر من أعين أم صومالية، وهي تؤكد أن صوت ابنها تهادى إلى أذنها لتتيقن من وجوده على قيد الحياة، بعدما تمكن منها الشك خلال السنوات الثلاث الماضية حول مصيره في إريتريا التي أرسل إليها آلاف الجنود الصوماليين للتدريب.
وصفت تلك العبارات الموجزة من الأم حال أكثر من ٥ آلاف أسرة صومالية، سافر أبناؤهم إلى إريتريا على مدار السنوات الثلاث الماضية، بأوامر من الرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو، دون الكشف عن مصيرهم في ظل غياب التواصل بين الأسر والجنود في أسمرة، إلا أن زيارة الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، حركت المياه الراكدة في تلك الأزمة، حتى أنه منح الجنود أموالا ليتمكنوا من التواصل مع عائلاتهم، خلال زيارته الأخيرة لأسمرة.
وعقد الرئيس الصومالي هذا الاجتماع مع بعض عائلات الجنود، في مقديشيو في ١٣ يوليو الجاري، مؤكدا أنهم سيعودون قريبا إلى منازلهم للمشاركة في تحرير البلاد من متمردي حركة الشباب الصومالية، وكان شيخ محمود، أوضح قبل انتخابه رئيسا أن الجنود تم بيعهم واستخدامهم كوقود للمدافع في نزاع تيجراي الإثيوبي.
وذكرت إذاعة صوت الصومال أن عدد القوات الصومالية المدربة في إريتريا بلغ ٥١٦٧ جنديًا، وهو رقم أكده لاحقًا الرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو، الذي أرسل القوات إلى إريتريا، وتم نقل الدفعة الأولى من الجنود الصوماليين جوا من مقديشيو إلى إريتريا في ١٩ أغسطس ٢٠١٩ وكانت هناك الموجتان الثانية والثالثة في فبراير ويونيو ٢٠٢٠ على التوالي.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، ذكرت الحكومة الصومالية الجديدة أن "بعض" الجنود الصوماليين لقوا حتفهم أثناء التدريب، وتوفي "بعضهم" لأسباب طبيعية ولم يتم إعطاء رقم دقيق، لكن بعض الجنود الذين هربوا العام الماضي قدموا أرقاما مختلطة، حيث أفاد أحد الفارين بمقتل أربعة، وقال جندي آخر إن سبعة جنود قتلوا.
وبحسب أحد الجنود الذين فروا من الخدمة ووصلوا إلى الصومال في يوليو من العام الماضي، فقد توفي أحدهم بسبب الجفاف، وأصيب آخر بالصعق الكهربائي وغرق ثالث في بحيرة أثناء فراره من الحراس الإريتريين.
واستغرقت زيارة "محمود" إلى إريتريا ٤ أيام وانتهت في ١٢ يوليو الجاري، وهي الرحلة الخارجية الثالثة منذ توليه الحكم منتصف مايو الماضي، حيث كانت أولى رحلاته الخارجية إلى الإمارات ثم تركيا، ويعتزم زيارة كينيا خلال الأيام القليلة المقبلة.
وحظي الرئيس الصومالي بحفاوة كبيرة من قبل نظيره الإريتري أسياسي أفورقي، الذي استقبله في المطار، واصطحبه في عدد من الجولات كان أهمها بالطبع زيارة معسكر جنود الصومال الذين يتدربون في إريتريا.
كانت قضية جنود الصومال في إريتريا، ملفا شائكا وإرثا ثقيلا تركه فرماجو لمحمود، ولكن الأخير تعهد بحل تلك المعضلة، مع أفورقي الذي وصفه من قبل بالديكتاتور.
الزيارة شهدت أيضا توقيع اتفاقية بين أسمرة ومقديشيو تقضي بتعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين إريتريا والصومال.
بعض المراقبين أشاروا إلى أن تدريب ٥ آلاف جندي صومالي في إريتريا، يمكن أن يصبحوا قنبلة موقوتة حينما يعودوا إلى بلادهم، خاصة أن فرماجو هو من اختارهم فربما يدينون بالولاء لنظامه أو أنهم ينتمون لعرقيته.
الرئيس الصومالي، كرر وعده بإعادة الجنود إلى مقديشيو، إلا أنه لم يحدد جدولا زمنيا لتحقيق ذلك الوعد، ولم تصدر أي إشارة من النظام الإريتري في هذا الشأن، بالالتزام بتنفيذ المطلب الصومالي، وقد تواترت أنباء قبل وصول حسن شيخ محمود، إلى أسمرة بأن أسياسي أفورقي يرغب في الحصول على ٥٠ مليون دولار، لإعادة جنود الصومال، وهو ما يزيد الشكوك حول قدرة محمود على تنفيذ وعده.
ووفقا للاتفاقية الموقعة بين الجانبين، فإنه لا يوجد أي بند يلزم أسمرة بإعادة الجنود ما يفتح الباب أمام تكهنات كثيرة.
ملف جنود الصومال في إريتريا، اكتنفه الكثير من الغموض بسبب إداراته من قبل المخابرات وليس وزارة الدفاع الصومالية، مثلما كان يحدث في السابق حينما أرسل بعض الجنود للتدريب في تركيا وجيبوتي وكينيا، وفي يونيو من العام الماضي، أعلن تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الجيش الصومالي قاتل في تيجراي مع القوات الإريترية.
يذكر أن الخدمة العسكرية ليست إلزامية في الصومال، لكن نقص الوظائف يدفع العديد من الشباب إلى التجنيد للحصول على رواتب شهرية آمنة ومنتظمة في الجيش.