هروب «راجاباكسا» بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية
سريلانكا جزيرة تقع في أقصى جنوب شرق الهند في المحيط الهندي، وأقرب الجزر الأخرى إليها هي جزر المالديف التي تقع في جنوبها الغربي، وتبلغ مساحتها نحو ٦٦ ألف كم مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو ٢٥ مليون نسمة، وعاصمتها مدينة كولومبو، وتشتهر بإنتاج العديد من المنتجات الزراعية من أشهرها الشاي والبن والمطاط وجوز الهند، بجانب أهميتها الاستراتيجية على طرق التجارة الدولية، وتعد من أشهر المزارات السياحية في العالم.
وفي التاسع من يوليو ٢٠٢٢، اقتحم المتظاهرون في سريلانكا قصر الرئيس جوتابايا راجاباكسا، الذي فر خارج البلاد بعد أن أغرق البلاد في مستنقع الديون، حتى وصلت حد إعلان الإفلاس والعجز عن سداد الديون، وعدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين.
ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن سريلانكا تواجه حاليا موجة عنيفة من الاضطرابات بعد هروب الرئيس جوتابايا راجاباكسا خارج البلاد، قبل ساعات من انتهاء المهلة الممنوحة له لتقديم استقالته والتي كان قد تعهد بتقديمها قبل عدة أيام لوضع حد لحالة التذمر والاستياء الشعبي بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وهو ما دفع مكتب رئيس الوزراء إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد في ظل محاولات المتظاهرين اقتحام المقار والمكاتب الحكومية.
هروب الرئيس
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الرئيس راجاباكسا تمكن من الفرار من البلاد على متن طائرة عسكرية متوجها إلى جزر المالديف قبل ساعات من انتهاء المهلة للتنازل عن السلطة في محاولة لإنهاء موجة عنيفة من الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بالبلاد في الأيام القليلة الماضية، وتقول إن البلاد كانت قد شهدت مظاهرات شعبية وصلت إلى حد اقتحام القصر الرئاسي.
وتشير الصحيفة إلى ما أعلنته القوات الجوية في سريلانكا في بيان رسمي أن الرئيس راجاباكسا غادر البلاد وبصحبته قرينته واثنان من الحرس في الساعات الأولى من يوم الأربعاء الماضي أن تمكن من استغلال صلاحيات دستورية مكنته من إصدار تعليمات للقوات الجوية بتوفير طائرة عسكرية لكي تقله ومعه قرينته واثنان من الحرس إلى جزر المالديف.
وتضيف أنه عقب وصول الطائرة إلى عاصمة المالديف قام الرئيس محمد نشيد وقرينته باستقبال رئيس سريلانكا وقرينته.
كما علمت صحيفة دايلي ميرور السريلانكية من مصادرها الخاصة في جزر المالديف إن الرئيس جوتابايا راجاباكسا، الذي غادر إلى المالديف، سيتوجه إلى سنغافورة.
وذكرت الصحيفة السريلانكية أن هذا يأتي بعدما اندلعت احتجاجات أمام منزل رئيس جزر المالديف إبراهيم صوليح تطالب بإعادة الرئيس السريلانكي جوتابايا راجاباكسا.
ونشر الجيش جنوده في أنحاء العاصمة كولومبو، ودعا رئيس أركان الدفاع شافيندرا سيلفا، إلى دعم الجمهور للحفاظ على النظام العام.
غير أن الجنود لم يحركوا ساكنا واكتفوا بمراقبة المشهد على بعد من المواطنين، الذين هرعوا وقفزوا إلى حوض نافورة في منزل راجاباكسا مترامي الأطراف، وتمددوا على الأسرة والتقطوا صورا لأنفسهم بهواتفهم الخلوية.
وبقي المتظاهرون في المقر الرسمي المطل على الساحل للرئيس غوتابايا راجابكسا ومنزل رئيس الوزراء، وقالوا إنهم سيبقون لحين تنحي الرجلين.
وأضافت أنه حتى رحيل الرئيس راجاباكسا من البلاد إلى المالديف لم يكن قد تقدم باستقالته طبقًا للمهلة التي منحها له المتظاهرون والتي كان من المقرر أن تنتهي في ١٣ يوليو الجاري في الساعة الواحدة بعد الظهر، مضيفة أن المتظاهرين أعلنوا أن موجة عنيفة من الاضطرابات سوف تجتاح البلاد في حالة عدم تقديم استقالته.
وكان الرئيس قد وقع على خطاب استقالته، بتاريخ ١٣ يوليو الجاري، في أعقاب اقتحام آلاف من المحتجين يوم السبت الماضي مقر رئاسة الجمهورية في فورت وسط هتافات وتصفيق، بعد فرار رئيس الجمهورية ليتم الاستيلاء على كل من منزل الرئيس والأمانة الرئاسية من قبل المتظاهرين.
كما قال رئيس مجلس النواب السريلانكي ماهيندا يابا آبيواردينا، إن الرئيس جوتابايا راجاباكسا عيّن رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينج رئيسًا للبلاد بالإنابة وفقًا للمادة ٣٧.١ من الدستور.
ونقلت صحيفة دايلي ميرور السريلانكية، عن آبيواردينا تأكيده في بيان خاص إن رئيس الجمهورية أبلغه بتعيين رئيس الوزراء قائما بأعمال الرئيس لأنه بعيد حاليا عن البلاد.
أسباب الانهيار
وتمر سريلانكا بأكبر أزمة اقتصادية في تاريخها، إذ تبلغ ديونها أكثر من ٥٠ مليار دولار أمريكي وبات الإفلاس وشيكا، ويأتي هذا بينما يندر الوقود في العديد من محطات الوقود وأصبحت الأدوية شحيحة.
وأعلنت سريلانكا في ١٢ أبريل ٢٠٢٢، أنها ستتخلّف عن سداد ديونها الخارجية، وجاء القرار قبل مفاوضات حول اتفاق إنقاذ مع صندوق النقد الدولي سعيا للحيلولة دون تعثر متكرر أكثر خطورة من شأنه أن يجعل سريلانكا تتخلف كليًا عن سداد ديونها.
كما كان لفرض حالة الطوارئ في السادس من مايو ٢٠٢٢، أحد الأسباب الرئيسية في الانهيار، حيث أعلن رئيس سريلانكا، فرض حالة الطوارئ في البلاد لدواع أمنية، وسط إضراب وطني شامل دعت له النقابات للمطالبة باستقالة الحكومة، وتمنح حالة الطوارئ في البلاد، التي تم إعلانه للمرة الثانية خلال شهر ونصف، قوات الأمن صلاحيات موسعة أمام التظاهرات واسعة النطاق.
وبفرض حالة الطوارئ، تُمنح قوات الأمن صلاحيات موسعة تتيح لها اعتقال المشتبه بهم وتوقيفهم لفترات طويلة من دون إشراف قضائي، كما يسمح القرار بنشر الجيش حفاظا على النظام العام بمؤازرة الشرطة.
ويأتي فرار راجاباسكا من البلاد، كما تقول الصحيفة، بعد يوم عاصف وتفاقم الأزمة السياسية في البلاد وبعد محاولات فاشلة منه لمغادرة البلاد حيث حاول الفرار على متن طائرة تجارية خارج البلاد، إلا أن موظفي المطار رفضوا إنهاء إجراءات سفره بينما رفضت الهند في وقت سابق السماح لطائرته بالهبوط على أراضيها.
وتشير صحيفة الجارديان إلى أنه من الواضح أن الرئيس راجاباسكا كان يبذل كل ما في وسعه للفرار من البلاد قبل الثالث عشر من يوليو وهو يوم انتهاء المهلة التي حددها لتقديم استقالته حيث إنه كان يسعى لاستغلال الحصانة الممنوحة له كرئيس للبلاد والتي تحول دون القبض عليه أو تقديمه للمحاكمة وذلك بعد أن طالب العديد من المتظاهرين والنشطاء السياسيين بمحاكمته هو وأفراد عائلته بتهم تتعلق بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان أثناء توليه السلطة في البلاد.
وتضيف الصحيفة أن باسل راجاباسكا، الأخ الأصغر للرئيس السريلانكي، والذي كان يشغل منصب وزير المالية، قد حاول كذلك الفرار من البلاد في طريقه للولايات المتحدة في أعقاب اندلاع الأزمة ولكنه فشل في محاولته إلا أن هناك تقارير تشير إلى أنه تمكن يوم الثلاثاء الماضي من الفرار خارج البلاد.
وتختتم الصحيفة موضحة أنه في حالة تقديم الرئيس استقالته خلال المهلة المحددة فقد كان من المقرر أن يجتمع البرلمان يوم الجمعة الخامس عشر من يوليو حيث يقوم النواب في العشرين من الشهر الجاري بالتصويت لاختيار رئيس جديد للبلاد.
ومع هروب الرئيس، وتعدد الحالات المعاصرة، دوليًا وإقليميًا، بل وعربيًا، المشابهة للحالة السريلانكية، أصبح السؤال المطروح: هل تقود نفس المقدمات إلى نفس النتائج في نفس النظم التي تشهد نفس الممارسات والسياسات التي تبناها رئيس سريلانكا؟