تبذل الدولة المصرية جهود مكثفة لتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين عبر توفير الدعم على بعض الاحتياجات الأساسية، وإطلاق مجموعة من البرامج التي تستهدف توفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، ولعل هذا كان أحد المحاور التي استعرضها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقده الخميس للوقوف على أبرز المستجدات بعد قرار تحريك أسعار المنتجات البترولية، ودور الدولة في تحمل الأعباء عن المواطنين جراء الأزمات العالمية.
وخلال كلمته، سلط رئيس الوزراء الضوء على الأرقام التي توضح العبء الذي تتحمله الدولة المصرية لتخفيف الأعباء عن المواطنين في ظل الأزمات العالمية التي بدأت بجائحة كورونا، ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية التي أربكت اقتصادات العالم، حيث أكد رئيس الوزراء، الدولة تتحمل الكثير من الأعباء غير المنتجات البترولية، بالنسبة لأنبوبة البوتاجاز والتي يرتبط سعرها بأسعار الوقود، أشار إلى أننا لابد أن نعرف أنه قبل الزيادات التي حدثت في الأسعار العالمية كان سعر الأنبوبة ٦٥ جنيها في الوقت الذي كانت تكلف فيه الدولة ١٥٠ جنيها، وبالنسبة للزيادات التي حدثت لأسعار الوقود مؤخرا فأصبحت تكلفة الأنبوبة على الدولة ٢٠٠ جنيه، ولكن كل ما قمنا بزيادته هو ١٠ جنيهات فقط فأصبح سعرها ٧٥ جنيها، وهي نقطه مهمة جدا لكي نكون على علم أننا كدولة نتحمل مرة أخرى عن المواطن، ومعنى ذلك أن دعم البوتاجاز سيزيد خلال هذا العام.
وبالنسبة لملف دعم الخبز، أشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة المصرية لديها برنامج شديد الخصوصية في هذا الشأن، حيث إننا كنا حريصين على دعم منظومة الخبز بالرغم من الارتفاع الجنوني الذي حدث في أسعار القمح على مستوي العالم، لافتا إلى عدة نقاط تتعلق بهذا الملف وهي أننا في مصر نستهلك يوميا ٢٧٠ مليون رغيف من الخبز المدعم ونقترب من ١٠٠ مليار رغيف في العام، كما أننا كنا نشتري القمح منذ عام بمتوسط سعر للطن ٢٦٠ دولارا، وخلال الفترة السابقة وصل سعر الطن لما يقرب من ٥٠٠ دولار، وكانت تكلفة رغيف الخبز على الدولة قبل هذه الأزمة حوالي ٦٠ قرشا، وكانت الدولة تبيعه بخمسة قروش، فأصبحت تكلفة رغيف الخبز اليوم تصل مع زيادات القمح إلى ٨٠ قرشا، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال الدولة مستمرة في دعم الخبز بنفس السعر.
ولايضاح الأمر، قال رئيس الوزراء عند حساب فرق الزيادة ٢٠ قرشا تكلفة الزيادة لانتاج ١٠٠ مليار رغيف سنويا فهذا يشكل زيادة قيمتها ٢٠ مليار جنيه إضافية على الدعم الموجود بالفعل للخبز، وهو ما تتحمله الدولة في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية نظرا لأهمية الخبز، مؤكدا أن الدولة حريصة كل الحرص على تحقيق الاستقرار في هذا البند، ونضع هذه الأرقام أمامنا حتى نشعر جميعا بما تتحمله الدولة المصرية من عبء عن كاهل المواطنين نظرا للظروف التي نعلمها وأن نعرف البعد الاجتماعي لتحركات الدولة.
وفي سياق حديثه عما تتحمله الدولة لرفع المعاناة عن كاهل المواطنين، لفت رئيس الوزراء إلى أن الدولة اتخذت قرارا بعدم تحريك أسعار استهلاك الكهرباء والتي كان من المتوقع أن تزيد اعتبارا من الأول من يوليو الجاري، ومع ذلك أخذنا قرارا بتأجيل تطبيق هذه الزيادة لمدة ستة أشهر ثم نبدأ في تقييم الموقف بعدها، مشيرا إلى أن تكلفة هذا التأجيل على الدولة نحو ١٠ مليارات جنيه، تتحملها الدولة من خلال الاحتياطات الموجودة لديها لكي تخفف قدر الإمكان الأعباء عن المواطن المصري.
وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي في هذا السياق للحديث عن ملف الحماية الاجتماعية، مشيرا إلى أنه كان لزامًا علينا عندما حدثت الأزمة، أن تتخذ الحكومة بعض الخطوات في ظل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بأن تتخذ خطوات إضافية في ملف الحماية الاجتماعية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الحكومة قامت بتبكير موعد زيادة المرتبات والمعاشات، لتبدأ من 1 أبريل بدلًا من 1 يوليو، الأمر الذي كلف الدولة ما يقرب من 18 مليار جنيه إضافية، خلال الشهور الثلاثة الماضية، تمت إضافتها في موازنة العام الماضي، من أجل مساعدة المواطنين في مواجهة موجة التضخم العالمية.
كما أن موازنة الدولة الحالية بها مخصصات بنحو 191 مليار جنيه لبند المعاشات، التي يستفيد منها اليوم أكثر من 10 ملايين مستفيد كما أوضح الدكتور مصطفى مدبولي الذي تطرق في هذا السياق إلى القرار الذي تم اتخاذه بزيادة أعداد المستفيدين من برنامج "تكافل وكرامة"، من خلال إضافة 450 ألف اسرة جديدة، بحيث يصل عدد الأسر المستفيدة إلى 4.2 مليون أسرة، بقيمة إجمالية ضمن موازنة الدولة تبلغ نحو 22 مليار جنيه، مقارنة بـ 11 مليارا في موازنة العام 2015/2016، وهو الأمر الذي يشير إلى أن مخصصات برنامج "تكافل وكرامة" تضاعفت خلال هذه السنوات، في إطار حرص الدولة على التوسع في ضم أكبر عدد ممكن من الأسر لتستفيد من هذا البرنامج الكبير.
وفيما يتعلق بالإسكان الاجتماعي، لفت مدبولي إلى أنه سيتم في موازنة هذا العام تخصيص دعم للاسكان الاجتماعي يقترب من 8 مليارات جنيه، بالإضافة إلى 11 مليارا لملف التأمين الصحي وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة، فضلا عن التوسع في تطبيق مظلة التأمين الصحي الشامل، التي باتت تطبق اليوم في 6 محافظات، موضحًا أنه كان هناك توجيه من الرئيس السيسي بأن يتم تقليص مدة التطبيق من 15 سنة لتصبح 10 سنوات على مستوى الجمهورية، لكي يستفيد جميع المواطنين من هذه المظلة.
كما أوضح مدبولي أن الدعم التمويني هذا العام زاد إلى ٩٠ مليار جنيه بدلا من ٨٧ مليار جنيه العام الماضي، وفيما يخص منظومة توريد المحلي، أوضح أيضا أن المنظومة حدث بشأنها نقاش كبير بين أهالينا من الفلاحين لأنه لأول مرة يتم تطبيق هذه المنظومة، فكان تسليم وتوريد القمح في السابق يتم اختياريًا للفلاحين، ولكن وضعنا العام الجاري المنظومة الجديدة من أجل دعم الفلاحين، وفي هذه المنظومة قمنا برفع سعر الأردب من ٧١٠ جنيهات العام الماضي إلى ٨١٠ جنيهات، بالإضافة إلى ٦٥ إلى ٧٠ جنيها حافز إضافي، حيث وصل متوسط سعر أردب القمح إلى ٨٨٠ جنيها.
وأضاف: كنا مستهدفين كدولة أن نجمع من القمح المحلي، لاستخدامه في الخبز المدعم، ما بين ٥ ملايين طن إلى ٥.٥ مليون طن، ونجحنا أن نصل إلى أكثر من ٤ ملايين طن وهو ما يمثل ٨٠٪ مما كنا نستهدفه، ولكن دعوني أشير هنا بمنتهى الأمانة إلى أن هذه التجربة علمتنا العديد من النقاط المهمة للغاية، واليوم نبحث كحكومة قبل موسم زراعة القمح الذي سيبدأ أكتوبر المقبل أن يكون لدينا منظومة أكثر تحفيزا خاصة لصغار الفلاحين لتوريد القمح، لأن الغالبية العظمى من فلاحينا وأهالينا يكون لديهم حيازات بمجموعة قراريط صغيرة وأغلبهم يفضل الاحتفاظ بالقمح سواء للاستخدام الشخصي أو حتى يبيعه للقطاع الخاص وهذا لا بأس به لأنه حتى عندما يباع للقطاع الخاص فهو يدخل السوق المصري ويخفف أعباء الاستيراد بالدولار على الدولة المصرية.
وكشف رئيس الوزراء عن أنه قبل الموسم المقبل لزراعة القمح، ستعلن الدولة المصرية عن برنامج جديد لتحفيز الفلاحين المصريين على زراعة القمح وتوريده للدولة المصرية بآليات أفضل، وذلك من أجل تشجيع المنظومة.
كما أكد رئيس الوزراء أن الدولة مستمرة في منظومة دعم الأسمدة للفلاحين فسعر السماد اليوم للفلاحين في السوق المحلي يتراوح ما بين ٤٠٠٠ إلى 5000 جنيه بينما السعر العالمي يتراوح بين ١١ إلى ١٢ ألف جنيه، وهو ما يؤكد حرص الدولة المصرية على دعم الفلاح باستمرار.
بالإضافة إلى ذلك، أشار رئيس الوزراء إلى أنه من المقرر خلال هذا العام رفع حد الاعفاء الضريبي لكل العاملين في الدولة، سواء القطاع الحكومي أو الخاص، ليصبح الموظف الذي يبلغ دخله 2500 جنيه شهريا غير ملزم بدفع الضرائب بدلًا من حد الاعفاء الحالي وهو 2000 جنيه شهريًا، وذلك مع الإجراءات التشريعية التي تتم، بما يتيح آلية للتيسير على المواطنين.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، إن رفع حد الإعفاء الضريبي للعاملين في القطاع العام والخاص، يعد أحد أهم السياسات المالية والجهود التي تبذلها الدولة للتخفيف عن المواطنين في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي رفعت معدلات التضخم في كل دول العالم، مما رفع الأسعار بشكل كبير، وهذا الإجراء من شأنه رفع معدلات الرضى النسبي لدى المواطنين من خلال تخفيف الأعباء الضريبية.
وأضاف البهواشي في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أن مصر في السنوات الأخيرة أصبح لديها خطط استباقية للتعامل مع المستجدات من الأزمات العالمية، وهو ما نشاهده اليوم من رفع محصول القمح المحلي وزرادة الرقعة الزراعية، وكل ذلك بفضل المشروعات القومية والآليات التي خلقتها الدولة لمواكبة الأحداث، وأصبح المخزون الاستراتيجي من السلع يتخطى خط الأمان العالمي.
وتابع: "الدولة تتحمل العبء المالي لمواجهة تصعيد الأزمات العالمية والحكومة تتعامل بحرفية مع مستجدات الأوضاع العالمية من خلال مجموعة من الأدوات، وتوفير الحماية الاجتماعية من خلال مظلة للحماية الاجتماعية عبر مبادرات كبرى".
من جهته، أكد الدكتور محمد الشوادفي، أستاذ التمويل والاستثمار، أن هناك أزمة طاقة كبيرة في العالم وبخاصة بعد الأزمة الروسية الاوكرانية، والتي أثرت على مصادر الطاقة والغذاء بشكل كبير على كل دول العالم، وفي ظل زيادة التضخم المستمرة من المتوقع أن يحدث ركود اقتصادي، وبالتالي تباطؤ معدلات النمو في العالم".
وأضاف "الشوادفي" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أنه مع بداية الأزمة الأوكرانية كان من المتوقع أن يحدث انكماش في الصناعة والتجارة وزيادة تكاليف الطاقة والإنتاج، وبعد الحرب زادت الأسعار بشكل كبير حيث زادت أسعار الغذاء بنسبة 60% في أوروبا، وأسعار الطاقة ارتفعت بنسبة 70% على كل دول العالم، وكانت السمة الأساسية للأشهر الماضية ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل التضخم، واكبر اقتصاديات العالم تأثرت بالأزمات الحالية من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصر نجحت في إطلاق برامج الحماية الاجتماعية، وتم اضافة 450 ألف أسرة لمظلة الحماية، وأصبح هناك 4.5 مليون أسرة تقريبا مغطاه ببرنامج تكافل وكرامة، بالإضافة إلى مبادرة حياة كريمة التي تستهدف الارتقاء بحياة الملايين من المواطنين، كما اتخذت الدولة العديد من القرارات مثل رفع الأجور، ورفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبي، جنبا إلى جنب مع دعم السولار، ودعم رغيف الخبز، ودعم أنبوبة البوتجاز، ومصر لا تزال الدولة الوحيدة التي تمنح 370 رغيف خبر بدولار واحد، والدولة مستمرة في تحمل كل هذه الأعباء".