«ليس في هذه الدنيا شيء يمكن أن يتلذذ به الإنسان تلذُذاً مستمرًا.. فكل لذة مهما كانت عظيمة تتناقص تدريجياً عند تعاطيها» مهزلة العقل البشري.
«يا ويل القرّاء من أولئك الكتاب الذين لا يقرأون !» خوارق اللاشعور
تحل اليوم الذكرى الـ 27 لرحيل المؤرخ العراقي على الوردي والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم الموافق 13 من يوليو عام 1995، إثر إصابته بمرض السرطان.
«علي حسين محسن عبد الجليل الوردي» هو عالم اجتماع عراقي، وأستاذ ومؤرخ عُرف بتبنيه للنظريات الاجتماعية الحديثة في وقته، لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي، كما استخدم نظرياته في تحليل بعض الأحداث التاريخية، مثل كتاب "وعاظ السلاطين".
ويُعد الوردي أحد رواد العلمانية في العراق، حيث حصل على درجة الماجستير عام 1948 في العلوم الاجتماعية، عن رسالته في "سوسيولوجيا الإسلام"، وتابع المسيرة حتى حصل على درجة الدكتوراه عام 1950 في أطروحة "نظرية المعرفة عند ابن خلدون".
مؤلفاته
صدر لـ على الوردي 18 كتاباً بالإضافة إلى مئات البحوث والمقالات التي نُشرت في الجرائد والمجلات العراقية، ويُعد "الوردي" هو المفكر الوحيد الذي ذاع صيته بين العامّة في حياته.
وساهم على الوردي في إعادة قراءة الأحداث الإسلامية بنظرة واقعية موضوعية بعيدة عن المثالية وعن التحيّز للأحداث التي حصلت في التاريخ الإسلامي، كالصراع السني الشيعي وتداعياته التي ما زال المجتمع العربي يتجرع مرارتها، فدعا في منشوراته إلى نبذ الخلاف الطائفي لأن الزمان أكل وشرب على هذا التاريخ، وهو ما تطرق إليه من خلال كتابة " قصة الأشراف وابن سعود" وكتاب لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" والذي تطرق فيه إلى أحداث تاريخية وقعت في الحجاز ونجد وسوريا، وكلها كانت وثيقة الصلة بالمجتمع العراقي وأحداثه ابتداءً من النزاع الصفوي العثماني حتى ثورة الرابع عشر من تموز.
استطاع الوردي من خلال نظرياته عن الحياة الاجتماعية وأفكاره النقدية التي برزت في كتابه الأشهر "وعاظ السلاطين" والذي سخر فيه من النزعات التي حدثت بين الأفضلية بين عمر وأبي بكر وسيدنا علي واستكملها في كتابه " مهزلة العقل البشري" يدور الكتاب حول إطار البحث الاجتماعي وفهم الطبيعة البشرية المترفة وكذلك تحليل لبعض الأمور ذات الطابع الاجتماعي ، وهذا الكتاب اتخذت منه أشهر اقتباسات على الوردي.
تأثر علي الوردي بأفكار علم الاجتماع الأمريكي المتحرر وأخذ منه بعض التفسيرات بدءاً من كتابه "شخصية الفرد العراقي" الذي صدر عام 1951، وفي نفس العام أصدر كتاب "خوارق اللاشعور"، حث تابع أسلوبه نفسه مع بعض الجرأة والسخرية في مؤلَّف "وعاظ السلاطين" الذي نشر عام 1954، وبرز إبداعه كتاب "مهزلة العقل البشري" عام 1955 الذي ذاع صيته في أرجاء الوطن العربي، أما في عام 1956 فقد أصدر كتاب "أسطورة الأدب الرفيع"، وفي عام 1959 كان كتاب "الأحلام بين العلم والعقيدة" ، وصدر كتاب "منطق ابن خلدون" عام 1962 بإبداع فريد خلّد اسم علي الوردي، وآخر ما صدر له وهو على قيد الحياة كتاب "طبيعة المجتمع العراقي" عام 1965.
اقتباسات
من أهم مقولات على الوردي حول الحياة الاجتماعية والذي يعد أحد رواد علم الاجتماع في الوطن العربي :«التناقض الاجتماعي كامن في أعماق الشاب العربي ،فهو يقلد الشاب الغربي في أفانين الغرام ،ولكنه في الزواج يريد تقليد أبيه وأعمامه وأخواله . إنه في غرامياته "دون جوان" وفي زواجه "حاج عليوي" ، وهذا النقد للحياة الاجتماعية وسلوك الشباب والازدواجية التي يتسم بها الشباب العربي في علاقاتهم الإنسانية والعاطفية.
يقول على الوردي في كتابه "مهزلة العقل البشري" : «نحن قد نرى إنساناً تقياً قد بحّ صوته في الدعوة إلى العدل والصلاح، فنحسبه عادلاً في صميم طبيعته. وهذا خطأ. إنّه يدعو إلى العدل لأنّه مظلوم، ولو كان ظالماً لصار يدعو إلى الصوم والصلاة» ، «إن من العقل أن تكون مجنونًا أحيانًا» ، ثم يتنقد بعدها انغلاق الأفكار وتمركزها حول نوع معين من الفكر :«إن الذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة، فلا ننتظر منه أن يكون محايداً في الحكم على الأمور».
ويُعدّ علي الوردي أول مؤسسي علم الاجتماع في الوطن العربي، وتظهر عبقريته بأنه أعاد اكتشاف منطق ابن خلدون وعمد إلى استخدامه ليتحرر من أغلال الفكر الكلاسيكي، معتمداً على أهم المدارس الفلسفية و الاجتماعية.
وأسس مدرسة في البحث الاجتماعي، تعتمد على استنتاج مفاهيم نظرية مبنية على الاستقراء والتحليل، ودعا إلى إنشاء علم اجتماع عربي يخضع للمنهج التجريبي بعيداً عن العواطف والوعظ المجرد.
عُيّن على الوردي أستاذًا جامعيّاً في قسم علم الاجتماع في جامعة بغداد، واستمر العمل بهذه المهنة حتى تقاعد بناءً على طلبه عام 1970.