كشف خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، عن مسار نبى الله موسى منفردًا من طور سيناء إلى جبل موسى لمناجاة ربه وتلقى ألواح الشريعة وجبل التجلى المواجه له حين طلب نبى الله موسى رؤية ربه أثناء وقوفه على جبل الشريعة فدك الجبل "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا" سورة الأعراف آية 143، ثم مساره مع بنى إسرائيل بعد عودته وأخذهم لاستكمال الرحلة إلى الأرض المقدسة وهو نفس المسار الذى استخدمه الحجاج المسيحيون والمسلمون من ميناء طور سيناء إلى دير سانت كاترين فيما بعد ومسار التجار من ميناء الطور لتوصيل المؤن لرهبان دير سانت كاترين.
وأوضح أنه طبقًا لخط سير رحلة نبى الله موسى وبنى إسرائيل فى سيناء والذى قام بتحقيقها ونشرها فى كتاب "التجليات الربانية فى الوادى المقدس طوى" فإن نبى الله موسى ترك شعبه فى موقع تتوافر به المياه والحياة النباتية لما عرفه عنهم من سرعة الضجر وهو موقع قرية الوادى حاليًا بطور سيناء ثم توجه إلى الجبل المقدس وله عدة مسميات منها جبل موسى وجبل المناجاة وجبل الشريعة حيث استمر نبى الله موسى أربعون يومًا يناجى المولى عز وجل من على هذا الجبل حتى تلقى ألواح الشريعة، ثم عبر وادى حبران الممتد من طور سيناء إلى منطقة الجبل المقدس (منطقة سانت كاترين حاليًا) والذى تقوم الدولة بتمهيده وتأمينه وتطويره ضمن مشروع التجلى الأعظم، وحين تغيب نبى الله موسى عن قومه أربعين يومًا كما وعده ربه ليتلقى ألواح الشريعة لم يصبر بنو إسرائيل على غيابه وفقدوا الأمل من عودته، فاستجابوا لرجل يدعى السامرى، وكان صائغًا ماهرًا فأخذ الحلى اللائى أخذنه نساء بنو إسرائيل من المصريات وصنع لهم عجلًا له خوار وأقنعهم أن نبى الله موسى لن يرجع إليهم، وكانوا قد طلبوا من نبى الله موسى قبل ذلك أن يجعل لهم إلهًا ورفض ووصفهم بالجهل لجحودهم.
وكان مكان عبادة العجل قرب بحر، كما يعنى هذا أن نبى الله موسى غاب عنهم فى مكان بعيد وإلا لكان لحق بهم ومنعهم من عبادة العجل وعند عودته غضب غضبًا شديدًا وألقى الألواح على الأرض من هول المفاجأة ثم أخذها.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن الطريق الذى عبره نبى الله موسى وحيدًا هو وادى حبران لعلمه بمميزاته وهو الطريق إلى الجبل حيث تلقى التوراة ثم عاد بعد تلقى الألواح إلى وادى الراحة بقرية الوادى بطور سيناء حيث تركهم وأخذهم بعد ذلك إمّا من نفس طريق وادى حبران أو عبر وادى إسلا إلى جبل موسى وجبل التجلى لاستكمال الرحلة.
وأردف بأن طريق الحج البرى عبر وسط سيناء إلى مكة المكرمة تحول منذ عام (1303هـ / 1885م) إلى الطريق البحرى عبر خليج السويس إلى ميناء الطور المملوكى ومنذ ذلك الوقت اشترك الحجاج المسيحيون القادمون من أوروبا إلى دير مارمينا الذى يبعد 75 كم غرب الإسكندرية، 60كم جنوب مدينة برج العرب القديمة ومنه إلى القاهرة ومنها إلى ميناء السويس حيث يبحروا مع الحجاج المسلمين المتجهين إلى ميناء طور سيناء ثم يتخذوا طريق وادى حبران أو وادى إسلا لزيارة جبل موسى وجبل التجلى ودير سانت كاترين وقد ترك الحجاج المسلمون كتاباتهم التذكارية على محراب الجامع الفاطمى داخل دير سانت كاترين الذى أنشئ فى عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله عام 500 هــ 1106م ويستمر الحجاج المسيحيون الراغبون فى الحج إلى دير سانت كاترين بالدير ويتوجه البعض منهم للحج إلى القدس بينما يعود الحجاج المسلمون إلى ميناء طور سيناء ليبحروا إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن طريق وادى إسلا يقع جنوب شرق مدينة طور سيناء حيث تخترق القوافل سهل القاع العظيم إلى فم وادى إسلا فتصعد معه إلى مصب وادى الطرفا ثم تصعد بوادى الطرفا إلى رأسه وتنزل معه إلى وادى الرّحبة فتقطعه وتتسلق نقب عمران ثم تنزل منه إلى وادى الرتج (فرع من وادى النصب الشرقى) فتقطعه وتتسلق نقب السباعية ثم تنزل منه إلى وادى السباعية فتنحدر مع السباعية قليلاً ثم تذهب غربًا إلى جبل المناجاة وتنزل منه إلى دير سانت كاترين ومسافة هذا الطريق ثلاثة أيام.
أمّا طريق وادى حبران فيبدأ من شمال شرق الطور فتخترق القوافل سهل القاع إلى فم وادى حبران فتصعد فيه إلى أعلاه إلى نقب حبران ومنه تنزل إلى وادى أم صلاف ثم تقطع حمادة الشبيحة إلى وادى الشيخ ثم إلى الطرفا ثم الواطية إلى دير سانت كاترين وتتوفر فى وادى حبران المياه بغزارة حيث يوجد ثلاثة عيون هى عين الواطية وعين الرّديسات وعين الحشا وبالوادى كثير من النخيل، أمّا وادى إسلا فهو أجمل أودية سيناء كلها وتتوفر فيه المياه والحياة النباتية، وكانت هذه الطرق أيضًا مسار عبور التجار من ميناء الطور إلى دير سانت كاترين لإمداد الدير بما يلزم من مؤن.
ومن جانبه، يشير الرحّالة هاني علي الخليلي الذى عاش بين جبال وأودية سيناء لفترات طويلة واستكشف أسرارها إلى أنه جاب مسار نبى الله موسى وطرق الحجاج المسيحيون والمسلمون وطرق التجار بنفسه من ميناء الطور إلى دير سانت كاترين ومن ميناء النبك بدهب الذى عرضها الدكتور ريحان فى دراسته واستكشف معالمها وقام بتصويرها بنفسه ومن أهم معالم درب إسلا صخرة المطلب حيث يظن أهل المكان أن الدعاء بجوارها مستجاب ويوجد بعض مخرات السيول مثل سيل امواجد الذي يطل على جبل أم شومر ومدخل وادي مليحة الذي يصل إلي مجموعة من برك المياه منها بركة السبع بنات وبركة النصراني وطريق رمحان و مدخل جبل السبت ومجموعة من دروب جنوب سيناء التي تتميز بكثرة قنوات المياه التي تتحول في فصل الشتاء الي مجموعة من شلالات المياه.
وأوضح الباحث الأثري تامر العراقى الحاصل على الماجستير فى نقوش وحضارة الأنباط بأنه تواصل مع الرحّالة هاني علي الخليلي وجاب معه عدة مواقع وشرح له أهمية هذه المواقع الدينية والتاريخية ووجود نقوش صخرية نبطية وعربية بهذه المواقع ستخضع للدراسة العلمية لإضافة المزيد من المعلومات الموثقة المنشورة فى الدوريات العلمية عنها.
وأشار الشيخ جميل عطية الجبالى من أهل المنطقة، إلى أن درب الحجاج من الطور إلى سانت كاترين هو طريق وادي إسلا وللدرب مسار آخر ناحية سانت كاترين، كما كان مسارًا للرهبان من خليج السويس الي دير سانت كاترين وكان حلقة الوصل بين دير سانت كاترين والعالم، حيث إنه كان مسار الساعي للبريد ونقل أخبار الدير.