في أحد الأزقة الضيقة بين العمائر المتهالكة التي عفى عليها الزمن، بالشوارع المرصوفة بالإنتر لوك، يجلس فتحي أمين الرجل البالغ من العمر ٦١ عامًا، بدكانه الصغير الذي لا يتعدى مترين، يعمل منذ أكثر من ٤٠ عامًا في مهنة واحدة ولا يكل ولا يمل من العمل المتواصل بها ليل نهار حتى يستطيع أن يجني قوت يومه رغم الشيب الذي غلب على ملامح وجهه والشيخوخة التي تحاربه، إلا أنه يرفع راية الصمود والقوة في وجه نوائب الدهر التي أصبحت تحارب الجميع بشتى أسلحتها.
يعمل الرجل الستيني في مهنة صارت فريدة من نوعها وليست منتشرة في هذه الأيام، حيث يستطيع أن يشكل من النحاس والصاج ما يستطيع رسمه من الأشكال الإسلامية التي تستخدم في المآذن والقباب التي توضع على المساجد والهلال، وغيرها من المهن اليدوية التي تتطلب في المعيشة كالصواني وسخانات الشاي، كل ما تتخيله من الأشكال التي يستطيع أن يشكلها من تلك المعادن، ينجح فتحي في تشكيلها بكل بساطة.
في منطقة خان الخليلي بالقاهرة أفنى فتحي حياته في العمل هناك، تقلب بين بحور المهن اليدوية، حتى استقر على العمل في تلك المهنة التي استطاع من خلالها أن يعلم أبناءه ويزوجهم أيضا: "بنتشري الخامات من النحاس والصاج ونشكلها زي ما احنا عايزين بنعمل المئذنة بتاعت المساجد، كله بيكون شغل يدوي ليس فيه مجال للماكينات نهائيا، ولكن في بعض الأوقات نستخدم الماكينات لتجميع بعض الأشياء".
حال الرجل الستيني كحال العديد من أصحاب المهن اليدوية في تلك المهنة، حيث يعاني الأمرين بسبب شبح الانقراض الذي يحاربهم طوال الوقت: "معدش حد بيدخل المهنة نهائيا ولا حد بيتعلم، ده يعتبر تراث بيحكي فترات زمنية من تاريخ مصر، ولكن ليس هناك اهتمام به، والشباب معدش بيبصوا للصناعة وانهم يتعلموا بخلاف أيامنا احنا طبعا".
بالنسبة سبعين بالمئة يكون الإقبال على تلك المهنة حاليا ولكن مع الظروف التي تمر بها السياحة حاليا في مصر منذ سنوات طويلة، باتت المهنة لا تساعد على العيش نهائيا: "حركة البيع واقفة خالص ومفيش جديد، ممكن ابيع كل أسبوع مثلا، مع اننا كنا بنصدر الشغل ده في الدول الأجنبية زي روسيا وألمانيا وامريكا لانهم يحبون الشغل اليدوي وأيضا الدول العربية مثل السعودية والامارات".
لم يشغل بال الرجل الستيني المخاطر التي تمس جسده وتتسبب في ايذائه ولكنه يفكر بشكل أكبر في المخاطر الأخرى التي تمس مهنته ومنها الغلاء في الخامات: “النحاس الخام كان بـ٧٠ جنيه دلوقتي بـ٣٨٠ جنيه، وده السبب الأول في انقراض هذه المهنة، لذا نحاول بكل السبل أن نحافظ عليها”.