أندرو سايمون، هو مؤرخ وباحث فى الإعلام والثقافة الشعبية خاصة الشرق الأوسط الحديث فى كلية دارتموث، ويعتبر كتابه - الذى لم يتم ترجمته بعد، «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت فى مصر الحديثة» هو أول كتاب له، واستغرق فى كتابته قرابة العشر سنوات قام فيها بزيارة مصر.
يُعتبر الكتاب، مشروع توثيق للأرشيف المواد السمع بصرية، ومنها شرائط الكاسيت، ويعمل حاليًّا على إصدار ثانى كتبه والتى تتناول حياة الشيخ إمام والذى سيقوم بطرح العديد من أشرطة الكاسيت الخاصة به من خلال أرشيف رقمى يضم نخبة كبيرة من المطربين المصريين ومنهم أحمد عدوية وعبد الحليم حافظ وعمرو دياب والشيخ كشك ومايكل جاكسون ومادونا، وسيكون هذا المشروع بمثابة فرصة جديدة للأجيال الحديثة أن تتعرف على تلك الأصوات.
حكايات وأغان وقصص نادرة فى كتاب إعلام الجماهير
كشك فرغلى.. محل صغير فى ضواحى القاهرة بداية فكرة كتاب الباحث الأمريكى «أندرو سايمون»
«شريط الكاسيت» للوهلة الأولى يأخذك الحنين إلى أيام الصغر فحينما نسمع تلك الكلمة «شريط الكاسيت» أو شرائط الكاسيت، تعود بنا الذكريات إلى أغانى الحب وعمرو دياب ومحمد منير ومدحت صالح، ومن قبلها يتذكر أباؤنا وأجدادنا أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ووردة، وعدوية، وغيرهم الكثير والكثير ممن كُنا نحى على أنغامهم وأغانيهم التى تذكرنا بالحب الأول والحنين والألم والفراق.
حتى ظهرت مؤخرًا دراسة بحثية للباحث الأمريكى «أندرو سايمون» وهو مؤرخ متخصص فى دراسة الإعلام و الثقافة العربية والشرق الأوسط فى جامعة دارتموث تحت عنوان «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت فى مصر الحديثة»، وهو الكتاب الأول للمؤلف ويعتمد هذا الكتاب على ١٠ سنوات من البحث والتجارب الشخصية فى مصر، تناول خلالها «شرائط الكاسيت» وكيف كانت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين، وعلى الرغم من تناوله الموضوع فى إطار سياسى إلا أن شرائط الكاسيت كانت جزءا من الحياة اليومية.
كشك فرغلى
على غير المعتاد فى هذه النوعية من الدراسات الأكاديمية يبدأ المؤرخ والباحث الأمريكى «أندرو سايمون» كتابه بمدخل مغاير وهى اختياره لهذا الكشك الصغير الذى كانت تتواجد به وحدة مخصصة لشرائط الكاسيت المتراصة فوق بعضها البعض إذ يقول فى مقدمة الكتاب «فى ضواحى القاهرة، كان كشك جانبيا صغيرا، معروفا محليًا باسم «فرغلى»، يزود المارة بالسلع الأساسية فى صيف عام ٢٠١٥. وكانت علب السجائر تصطف على جانبيها، الرفوف بدا أن أحد المنتجات، على وجه الخصوص، أقل استخدامًا بشكل ملحوظ. توجد علبة زجاجية مزدحمة، لا يقل ارتفاعها عن ستة أقدام، تحتوى على مئات، وربما الآلاف، من الأشرطة المغطاة بطبقة سميكة من الغبار. تختلف التسجيلات الصوتية المعروضة على نطاق واسع، على عكس الأدوات الأخرى فى المتجر. الجميع من عمرو دياب، إلى عمرو خالد، إلى فرقة الروك البريطانية التى تحمل اسم البيتلز، أم كلثوم، أحمد عدوية.
انتهاء عصر الكاسيت
بهذه الجملة التى قالها ناصر صاحب الكشك «لقد انتهى عصر الكاسيت» فى أكثر من مناسبة خلال جمع الباحث المادة الميدانية، «انتهى» (عصر الكاسيت خلاص). وأصبحت شرائط الكاسيت، لهواة الجمع. على الرغم من أن شرائط الكاسيت لم تعد تتمتع بنفس الدرجة من الشعبية التى كانت تتمتع بها من قبل، إلا أن شيئًا واحدًا كان صحيحًا: تاريخ تكنولوجيا الكاسيت فى مصر لم يُكتب بعد.
ففى هذا الكتاب والذى يُعد بكل المقاييس -فريدًا من نوعه- إذا أنه أول دراسة علمية تقوم على فكرة توثيق شرائط الكاسيت والدور الإعلامى الخفى الذى لعبته فكرة التسجيلات واعتبره الباحث «أندرو» بأنه «إعلام الظل» حيث يقدم من خلاله أول تفاعل معمق مع ثقافة الكاسيت فى مصر، وذلك من خلال التركيز على الحياة الاجتماعية للمصريين، كما يقدم الكتاب تاريخًا بانوراميًا من خلال عدسة التكنولوجيا اليومية.
ويحتوى الكتاب على ستة فصول تدور حول أفكار الاستهلاك، والقانون، والذوق، والتداول، والتاريخ، والمحفوظات، وتضع الأشرطة ومشغلات الكاسيت ومستخدميها المتنوعين فى حوار مباشر مع أوسع ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. كما يكشف الكتاب التطورات فى منتصف إلى أواخر القرن العشرين، كما يكشف الكتاب كيف أدت تكنولوجيا الكاسيت إلى إضفاء اللامركزية على وسائل الإعلام المصرية التى تسيطر عليها الدولة قبل فترة طويلة من ظهور القنوات الفضائية والإنترنت، مما يتيح لعدد غير مسبوق من الناس المشاركة فى إنشاء الثقافة وتداول المحتوى.
كما يوضح الكتاب كيف انضم الكاسيت ببساطة إلى وسائل الإعلام الأخرى مثل التسجيلات والراديو ؛ باعتباره وسائل إعلام الجماهير، ويقدم الكتاب مقاربة جديدة لدراسة وسائل الإعلام فى الشرق الأوسط، مقترحًا أن تقنيات وسائل الإعلام والقصص التى ترويها قد تساعدنا فى إعادة تصور جذرى لصناعة الدول الحديثة.
ويقول الكاتب فى مقدمة الكتاب :«وفى مصر، سننظر فى كيفية استخدام تقنية الكاسيت كنافذة تاريخية على الحياة اليومية، وسنلتقى بكل من النخبة والمصريين العاديين الذين تعاملوا مع التكنولوجيا بمجرد تحولها من كونها مفهومًا إلى سلعة، من خلال وضع الكاسيت ومشغلات الكاسيت فى حوار مستمر مع المجتمع المصرى وأعضائه، فإن التطورات التاريخية الأوسع، مثل تشكيل الأسواق السوداء، فالقصة الناتجة تتميز بجزئين متكاملين. فى الجزء الأول، «ثقافة الكاسيت، والاستهلاك الشامل، والانفتاح الاقتصادى لمصر»، سنكشف عن ولادة ثقافة الكاسيت فى مصر فيما يتعلق بإنشاء ثقافة أوسع للاستهلاك. وفى الجزء الثانى، «فهم الوسيط: الحياة الاجتماعية لتكنولوجيا الكاسيت السمعى»، سنكشف عن تأثير أشرطة الكاسيت ومستخدميها على إنشاء الثقافة، وتداول المحتوى، وكتابة التاريخ.
مركز أرشيف الظل
يقدم هذا الكتاب «أرشيف الظل» المصرى ويتنقل فيه، وهو عبارة عن كوكبة من المواد المرئية والنصية والمسموعة الموجودة خارج الأرشيف الوطنى المصرى، وأرشيف الظل هو الذى تكون بدءًا من أسواق الشوارع والمكتبات العامة إلى المقتنيات الخاصة والشركات التجارية، ويسعى هذا الكتاب التاريخى إلى صياغة صورة أكثر ثراءً لماضى مصر وتوسيع الآفاق المنهجية للمنح الدراسية فى الشرق الأوسط.
وتُعد الصحافة المصرية هى أحد المصادر فى مركز «أرشيف الظل» ولكنها ظلت تحت سيطرة الدولة على مدى العقد الماضى، فلجأ المؤرخون بشكل متزايد إلى المجلات والصحف لفهم مصر الحديثة. من خلال الدوريات التى تصدر باللغة العربية لإعادة التفكير فى النوع الاجتماعى والقومية والهوية الجماعية فى ظل الحكم الاستعمارى البريطانى.ولإظهار ما يمكن أن تقدمه الصحافة لفترة أكثر حداثة من ماضى مصر، ومنها مجلة «روز اليوسف»، ومجلة آخر ساعة، والتى جمعت جمهورًا كبيرًا بالمثل وكلتا الدوريتين تم تأميمها فى عهد جمال عبد الناصر وفقًا للقانون رقم ١٥٦ لـ «تنظيم الصحافة».