احتفل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة تكريم المطران مار أفرام إيلي وردة المطران الجديد لإيبارشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، على خدمته لرعية مار أفرام السرياني في باريس لمدّة تزيد على 15 سنة، وذلك على مذبح كنيسة القديس يعقوب Saint Jacques de Haut-Pas، في العاصمة الفرنسية باريس.
عاون البطريرك مار اغناطيوس، في القداس المطران مار أفرام إيلي وردة، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمشاركة الخوارسقف باسكال كولنيش النائب العام لشؤون الكاثوليك الشرقيين في فرنسا ورئيس منظّمة عمل الشرق Œuvre d’Orient، والمونسنيور بروسّوليت النائب العام السابق لشؤون الكاثوليك الشرقيين في فرنسا، والخوراسقف روفائيل قطيمي، والأب سامر حلاتة (مرسيليا - فرنسا)، والأب يوسف درغام (كاهن رعية مريم العذراء سيّدة فاتيما في جونيه - لبنان)، وكهنة الرعية اللاتينية في كنيسة القديس يعقوب Saint Jacques de Haut-Pas (باريس) يتقدّمهم الأب فرانسوا ديلبين، والشمامسة، وجموع المؤمنين من أبناء وبنات رعية مار أفرام السرياني في باريس، ومن بعض الإرساليات السريانية في مناطق فرنسية عدّة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، باللغتين الفرنسية والعربية، أعرب البطريرك عن فرحه الكبير "بالاحتفال بهذا القداس الوداعي الذي تقيمونه لعزيزنا المطران الجديد إيلي الذي استجاب إلى دعوة الرب له حيث يرسله، وحيث تعهد إليه الكنيسة بالدعوة الجديدة، كي يكون مطراناً لأبرشية القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان، أي الخدمة أيضاً لجماعة من المهاجرين كما أغلبيتكم أنتم القادمين من بلادنا في الشرق، سواء بإرادتكم أو من جراء قوّة المعاناة والعنف".
ونوّه البطريرك مار اغناطيوس، إلى أنّ "الرب يسوع علّمنا أنّنا دُعِينا كي نخدم بالوداعة والتواضع، ونحن نعرف جيداً أنّ الخطيئة الكبرى التي كسرت العلاقة الحبّية بين الخالق وخليقته كانت الكبرياء، كما تعلمون وتلاحظون وتختبرون في حياتكم. في ثقافة اليوم، لا نتوقّف عن إعلان ما يُسمَّى بالحرّية الفردية وبالشخصانية، رغم كلّ شيء، ونتجاهل أنّنا خُلِقْنا كي نحبّ ونخدم بالوداعة والتواضع الحقيقي الذي يجعلنا نكبر، ولا يجعل منّا مستعبَدين للآخر. فالتواضع هو الذي يرفعنا، ولنتذّكر أنّ تواضُع مريم العذراء هو الذي وهبَها هذه النعمة والمهمّة العظيمة، أن تكون والدة الإله - الكلمة المتجسِّد".
وقال البطريرك مار اغناطيوس: "إنّني سأعهد إلى المطران إيلي أن يشكر جميع المشاركين معنا اليوم، وأن يشكر أيضاً رعية مار أفرام في باريس. وأنا أعرف أنّه ليس سهلاً أبداً على المطران إيلي وعليكم أنتم المشاركين معنا اليوم وعلى جميع أعضاء رعية مار أفرام، أن تقوموا بوداع راعٍ خدمكم أكثر من 15 سنة، كي يغادركم للقيام بخدمة أخرى. لكنّنا نهنّئه على استعداده الكامل لتلبية دعوة الرب حيثما يرسله وحيثما تكون هناك حاجة، ممتدِحين فضيلة المطران إيلي الذي قَبِلَ أن يغادر هذه الرعية المحبوبة وجميع الذين رافقوه في طريقه ككاهن لهذه الرعية".
وأضاف: "جميعكم تعرفون أنّه ليس سهلاً أن يغيِّر أحدٌ موضع إقامته ورسالته وخدمته، حتّى في الكنيسة التي تتطلّب من الكهنة أن يكونوا دائماً على استعداد كي يتركوا أعزّ الأمكنة وأعزّ الأصدقاء في رعية خدموها لسنوات عديدة مثل المطران الجديد إيلي".
وأكمل: "صحيحٌ أنّنا نحتفل بهذا القداس بنوعٍ من الحزن، لأنّ أبونا إيلي هو اليوم مطران لأبرشية القاهرة، وسيغادركم للبدء بخدمته الجديدة، لكن في الوقت نفسه علينا أن نكون فرحين لأنّنا أولاد الفرح، ومهما يحدث لنا في الحياة سنظلّ نشهد بأنّ الرب يسوع هو دائماً معنا، وهو سبب وينبوع فرحنا. وإنّنا نعتزّ كثيراً بأنّ الكنيسة دَعَتْ خادمَكم إلى خدمة أخرى أشمَل، أن يكون ذاك الذي يشهد للإنجيل المقدس في بلدٍ كبيرٍ هو مصر، والذي يحتاج إلى مطران وراعٍ جديد. لذلك نحن، ولو ببعض الألم والكآبة، علينا أن نبقى دائماً فرحين، ونفرح مع سيدنا إيلي الذي يتوجّه للقيام بهذه الرسالة الجديدة".
وأكّد أنّ "المطران الجديد يتذكّر على الدوام بدون شكّ قولَ الرب يسوع بأنّ علينا ألا نفتِّش عن العظمة والكرامة والمنصب. لذا عليه أن يكون الخادم المتواضع على مثال الرب يسوع المسيح، الذي قال هو نفسُهُ في مكان آخر في الإنجيل: ما جئتُ لأُخدَمَ بل لأُخدُمَ وأبذلَ نفسي عن الكثيرين".
وختم موعظته بالقول: "لذلك أدعوكم في هذا القداس كي نصلّي جميعنا ليكمل الرب رسالة المطران الجديد، فيكون رسول محبّة وفرح وسلام في أبرشيته الجديدة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، ومار أفرام السرياني، وشفيع هذه الكنيسة القديس يعقوب، ضارعين إلى الرب يسوع كي يقوّي فينا الإيمان والرجاء والمحبّة".
وقبل البركة الختامية، ألقى الخوراسقف باسكال كولنيش كلمة نقل فيها تحيّة المطران لوران أولريخ رئيس أساقفة أبرشية باريس اللاتينية، إلى البطريرك وإلى المطران الجديد، وقد التقى بهما يوم الجمعة الماضي، منوّهاً إلى المكانة الكبيرة التي تتمتّع بها الكنيسة السريانية الكاثوليكية في فرنسا، حيث تتواجد عدّة رعايا وإرساليات منتشرة في كلّ البلد.
وأثنى الخوراسقف كولنيش على الخدمة المتفانية للمطران الجديد في رعية مار أفرام في باريس وفي كلّ المدن الفرنسية، قائلا: "تعلَّقْنا به كثيراً لأكثر من 15 سنة، إذ كان له حضور مميَّز بين الكهنة الشرقيين في فرنسا، ما يجعلنا حزانى لمغادرته، لكنّنا نفرح ونتعزّى لأنّه سيعمل في خدمة الكنيسة الجامعة، وآمل أن ألتقي به خلال أسفاري إلى مصر"، موكّداً أنّنا "نحتاج إلى راعٍ جديد لهذه الرعية يعمل على مثال المطران إيلي".
ثمّ ألقى المطران الجديد مار أفرام إيلي وردة كلمة شكر من القلب، ذكّر في مستهلّها أنّ "الرب يسوع علّمَنا في الإنجيل معنى الخدمة، وهو اختبار وزرع وعيش الفرح والسعادة"، شاكراً الرب الذي سانده ومنحَه القوّة كي يتمّم خدمته لهذه الرعية، وينتقل إلى خدمة جديدة تاركاً مؤمنين طيّبين وملتزمين.
وتوجّه بالشكر الكبير إلى البطريرك على محبّته الأبوية واحتضانه ورعايته وعنايته به على الدوام، "فهو الذي أعطاني القوّة كي أعمل على نشر البشارة أينما كان، وغمرني بمحبّته الأبوية وحنانه وصبره وإرشاده وتوجيهه"، داعياً لغبطته بالعمر المديد والتوفيق في رعاية كنيستنا السريانية التي تعتزّ به في كلّ مكان.
وقال: “أشكر الخوراسقف باسكل كولنيش الذي أحبّه، ولطالما دافع عن قضايا مسيحيي الشرق ووقف إلى جانبهم، مادّياً ومعنوياً، وخاصةً الكنائس الشرقية في فرنسا التي ليس لها أبرشية، سواء من خلال ترؤُّسه لمنظّمة عمل الشرق Œuvre d’Orient، أو من خلال خدمته كنائب عام للكاثوليك الشرقيين في فرنسا، شاكراً أيضاً سلفه المونسنيور بروسوليت الذي دعمه بمحبّته وحكمته منذ لحظة وصوله إلى فرنسا”.
كما قدّم شكراً خاصّاً إلى رعية القديس يعقوب Saint Jacques de Haut-Pas في باريس، والتي"احتضنَتْهُ كي يخدم بكلّ محبّة وثقة، وقد استقبلَتْهُ بكلّ أخوّة وترحاب، وتعلّم من كهنتها الكثير، بكفاءتهم وخدمتهم الروحية والراعوية، شاكراً إيّاهم، وخاصّةً كاهنها الحالي الأب فرانسوا ديلبين".
ووجّه شكراً كبيراً إلى أبناء وبنات رعيته المحبوبة، رعية مار أفرام السرياني في باريس، والتي خدمَها بكلّ محبّة وإخلاص، وتعلّم فيها الأمانة والصبر والعمل الدؤوب.
وتابع: "أشكر بلدي الثاني فرنسا الذي فيه تعلّمْتُ وعشتُ بحسب المبادئ الثلاثة: حرّية وأخوّة ومساواة، وقد فتح قلبي وروحي على هذه الفضائل الثلاث، فتابعتُ مسيرتي مقتدياً بالرب يسوع الذي وهب ذاته حتّى الموت. وأؤكّد لكم أنّني سأحمل هذه المبادئ والفضائل السامية معي إلى مصر، حيث سأسعى جاهداً كي أزرع هذه البذور، ناشراً من حولي إنجيل المحبّة والحقيقة والفرح والعدالة".
وفي نهاية كلمته، قال: "أشكر صديقي وأخي الحبيب المونسنيور حبيب مراد، وجميع الآباء الكهنة القادمين من الشرق ومن فرنسا للمشاركة بهذا اللقاء المفرح حول الرب يسوع، وأطلب صلواتكم جميعاً، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرين معنا، كي أستطيع أن أتابع خدمتي على الدوام بحسب إرادة الرب، بكلّ محبّة وحكمة وثقة".
وبعدما منح البطريرك البركة الختامية، انتقل والمطران الجديد إلى قاعة الكنيسة، حيث استقبل المؤمنين في لقاء أبوي مميّز احتفاءً بهذه المناسبة المباركة.