تختلف مظاهر عيد الأضحى في محافظة جنوب سيناء عن مثيلاتها في المحافظات الأخرى، وعلى الرغم من مظاهر الحياة الاجتماعية الحديثة، التي بدأت تتسلل إلى حياة بدو جنوب سيناء، ومن أبرزها البيوت المزودة بالكهرباء وأجهزة الستالايت والهاتف المحمول، إلا أن هناك البعض من أهل البادية حريصون على إحياء ليالي العيد بالعادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين.
قالت نادية عبده، باحثة في التراث، والملقبة ببنت البادية، في تصريح خاص لـ"البوابة": "تحتفل البادية وتستعد لعيد الأضحى بعد عيد الفطر المبارك مباشرة، لافتة إلى أن الاستعداد يكون طوال العام لما فيها من بر وتقوى وصلة رحم والتي تميز العائلات والقبائل، حيث الصلات القوية والترابط هما أهم ما يميز سكان البادية عندنا".
وأشارت نادية إلى أنه من المعروف أن أهل البادية يربون الماعز دائما؛ لأنه أكلهم المفضل ويرون فيه أنه المناسب للجو والبيئة الصحراوية، وأنهم يختارون ذبائحهم ويهتمون بها، فيطلقون عليها عنزة الأخت وهي بمثابة الندر لله، لأنها ترتبط عندهم أنها توهب لكل غال أوعزيز، وترتبط أيضا بقرين الإنسان حتى لا يصاب بالعين والحسد، وهناك ناقة تربى من الصغر وتذبح أيضا في هذه الأيام المباركة، ولها قصة عجيبة ويطلق عليها ناقة سيدنا صالح ويكون الاحتفال بها في هذه الأيام المباركة.
المقاضي
ولفتت إلى وجود "المقاضي"، وهي شراء جميع مستلزمات العيد من الأرز والحلوى، لأنها من الأشياء التي تقدم عند قدوم المعيدين.
وأضافت: يحرص أهل البادية على وجود "الفكة" من النقود؛ لأنها واجبة سواء في عيد الفطر أو الأضحى، وتقام المراجيح العادية جدا وهي من أجمل الاستعدادات التي تسعد الأطفال وينتظرونها من العام للعام، بجانب أن تقوم محلات البقالة ببيع الحلوى الملونة تعبيرا عن بهجة العيد.
رؤية المحمل وزيارة الملك فاروق
وأشارت نادية إلى الاحتفالية الكبرى التي ينتظرها أهل الطور وكل المدن الأخرى، وهي احتفالية رمزية لرؤية المحمل لكسوة الكعبة والتي كانت تخرج من الطور، واستمرت حتى أواخر عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي كان يحضره الملك فاروق وكان يقوم بتوزيع جنيهات من الذهب على الأهالي في ذلك الوقت.
الدواوين
وأوضحت بنت البادية، أن الدواوين، وهي أماكن جلوس المباركين، تكون على أهبة الاستعداد وتكون المناقد مشتعلة وبكارج القهوة والشاي عليها وفناجين الكوبابي نظيفة ومبخرة بالمستكة احتفالا بالزائرين.
وفيما يتعلق بأشهر الأكلات قالت نادية: "الأكلات المحببة أول يوم لحمة وأرز، ولابد من تغطية صواني الأكل بوضع الفراشيح فوقها للاحتفاظ ببركة الأكل، واليوم الثاني يقدمون الفراشيح المدهونة بالسمن الشيحي، وشوربة من سليق اللحم، وفي اليوم الثالث يقدمون السمك الناشف بالصيادية.
عيد الضحية
وعن عيد الضحية عند البدو وعاداته وتقاليده، يقول الشيخ يوسف بركات، خبير في سياحة السفاري، من بدو منطقة سرابيط الخادم ، التابعة لمدينة أبوزنيمة، لـ"البوابة": "يجتمع أفراد العائلة في بيت واحد، وكل فرد يعول أسرة لابد وأن يضحي، وكثير من الأهالي يكون مربي الأضحية، ولا يشتريها".
وأشار بركات، إلى أن بداية أول أيام العيد يبدأ بالتكبيرات والذهاب إلى المصلي وهو مكان متوسط لكل التجمعات ويكون في الصحراء وخطبة العيد بدون مكبرات صوتية، وبعد الصلاة وسماع الخطبة يتبادل الأهالي التهنئة بالعيد والتصافح، ثم يليها الذهاب للبيوت للذبح ومع الذبح بيجرى إطلاق النار مع الزغاريد مع يوم تملؤه البهجة والسرور.
وأوضح بركات، أن المضحي هو من يذبح بنفسه فلا يوجد جزار.
وأضاف بركات، نذبح ونقطع نحن، ثم نجمع من بعض اللحمة التي نوزعها على الفقراء وهنا يتجلى التكافل الاجتماعي، كما نجمع الكبدة ونسويها في مجمع الرجال مع الفراشيح السخنة، وهو نوع من الخبز يجرى فرشه في قاع الإناء ويوضع أعلاه الأرز الأبيض وفوقه لحم الضأن واللبن الحامض.
المقعد
وتابع بركات: تعد صنية ألمونيوم فيها اللحمة مع الفراشيح، ويبدأ كبير المقعد بالتوزيع وهو عبارة عن قطع من اللحم في وسط عيش الفراشيح (ويسمي النايب) على كل الموجودين والأطفال أيضا، ونترك الباقي إذا أحد حضر متأخرا أو ضيف يأتي من بعيد.
تقاليد انقرضت
بينما قال حميد سعد جبلي من أهالي قرية الجبيل التابعة لمدينة الطور من قبيلة المزينة أكبر قبائل جنوب سيناء: إنه في جنوب سيناء تختلف مظاهر العيد عن مثيلاتها في المحافظات الأخرى، حيث تطغى العادات والتقاليد البدوية الأصيلة وإن كانت تأثرت بعض الشيء بمظاهر المدنية الحديثة، مشيرا إلى أنه كانت هناك عادات وتقاليد في العيد انقرضت من أكثر من ٢٠ سنة ومنها أنه كان يقام سباق للهجن بين الشباب ومسابقات في الشعر وغيرها من مظاهر الاحتفالات البدوية بالعيد المتعارف عليها والتي لم يعد أحد يتمسك بها.
بيت الشعر
يعد بيت الشعر من أهم الوسائل التي صنعها البدو لأنفسهم بطريقة تقنية وتقليدية، تتميز بمقاومتها وتحملها لظروف البيئة الصحراوية المتقلبة، وخفتها في عملية التنقل وسهولة صيانتها، فاتخذوها مسكنهم المتنقل.
ويسمى بيت الشعر كذلك، لأنه منسوج من شعر الماعز السوداء وأصواف الأغنام ووبر الجمال معاً، وتضاف مواد أخرى ضرورية أثناء النسج.
وأوضح جبلي أنه في المساء هناك من يقيمون خيمة "بيت الشعر" يتجمع فيها الشباب والكبار ويتبادلون التهاني بالعيد ويستقبلون ضيوفهم من التجمعات البدوية الأخرى.
العايدين
من أكثر الكلمات التي يستخدمها أهالي بدو جنوب سيناء، للتهنئة بقدوم العيد كلمة: "العايدين"، ويقول الكاتب الشيخ سلام مدخل سليمان رئيس نادي أدب جنوب سيناء سابقا، وصاحب كتاب "الأمثال والمأثورات عند قبائل سيناء"، والملقب بشيخ المثقفين: "في صباح العيد يلتقى البدو معا في المقعد (مكان الضيافة) أو عند التزاور للتهنئة بالعيد، مشيرا إلى أن مصطلح التهنئة كلمة واحدة هى: "العايدين"، وهى اختصار لعبارة: أبقاكم "الله إلى العيد القادم وأن يعود عليكم العيد وأنتم بخير"، لافتا إلى أن البدو لا يستخدمون كلمة سنة في التهنئة فلا يقولون: كل سنة وانت طيب ولكن يستخدمون كلمة (عام) فيقولون: كل عام وأنتم بخير.
وأوضح مدخل، في تصريح خاص لـ"البوابة"، أنه عندما يلتقي رجلان يقول كل منهما للآخر العايدين يرددانها معا أثناء السلام باليدين وتقارب وجهيهما، وعندما يجلس القادم إلى المقعد يوجه التهنئة للجميع بعبارة كل عام وأنتم بخير، فيردون عليه: وأنت بخير وسلامة.