لماذا لا يوجد قبطى مصرى بداخل هيئة أعضاء التدريس بقسم النساء والتوليد بالجامعات المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى، الإجابة هى خرافة روجها أهل السلف وقت الرئيس المؤمن أن أحد الأطباء المسيحيين كان يجهض السيدات المسلمات من أجل تقليل عددهم، وانتشرت هذه الخرافة إلى وقتنا الحالى، وبالرغم من عدم وجود قانون يمنع تعيين المسيحيين فى هيئة التدريس، إلا أن هناك عرفًا سائدًا فى كليات الطب بعدم تعيينهم، ولا يستطيع أى قبطى الاقتراب من أقسام النساء والتوليد بالجامعات المصرية منذ إعلان الرئيس السابق لمصر أنور السادات أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة وكانت هذه المقولة إشارة بدء لتقسيم المجتمع المصرى لمسلم وغير مسلم بشكل شبه رسمى رغما عن الدستور والقانون والدعاوى القضائية التى تشهدها المحاكم.
المفارقة أن مؤسس أقسام النساء والتوليد فى الجامعة المصرية كان هوالمسيحى القبطى نجيب ميخائيل محفوظ الشهير بنجيب باشا محفوظ أستاذ طب النساء والولادة بمدرسة الطب بالقصر العينى وهو رائد علم أمراض النساء والولادة فى مصر والعالم العربى والعالم الغربى.
تقول عنه «الموسوعة الحرة -ويكيبيديا» والمؤرخ سامح جميل إنه ولد فى المنصورة فى الخامس من يناير عام ١٨٨٢م لأسرة مسيحية قبطية.
التحق بمدرسة قصر العينى الطبية فى عام ١٨٩٨م حيث تلقى تعليمه وتدريبه على أيدى الأساتذة الأوروبيين، وفى شهر يونيو من عام ١٩٠٢ (وهو وقت التخرج المنتظر لنجيب محفوظ من قصر العيني) كانت مصر على موعد مع وباء الكوليرا القاتل وهو ما أجّل موعد تخرج نجيب محفوظ والذى كان على موعد هو الآخر مع أولى بطولاته الطبية ضد الوباء.
ويستمر مشوار النجاح لنجيب محفوظ الذى ترقى لدرجة أستاذ أمراض النساء والولادة فى العام ١٩٢٩ وظل يشغل هذا المنصب حتى بلوغه سن التقاعد عام ١٩٤٢ ويتم مد خدمته لخمس سنوات إضافية بناءً على طلب زملائه وتلاميذه بالقسم. وخلال مشواره يحقق نجيب محفوظ شهرة عالمية فى جراحات إصلاح الناسور المهبلى بأنواعه المختلفة ليتم عرض عملياته فى مستشفيات لندن وأكسفورد وإدنبرة وجنوا ولوزان ويفد إلى قصر العينى جراحو أوروبا لمشاهدة هذا النوع من العمليات.
يقوم نجيب باشا محفوظ بتأسيس وحدة صحة الأم لأول مرة فى مصر وكذلك وحدة رعاية الحوامل ووحدة صحة الطفل، ويقوم بتأسيس مدرسة متكاملة للقابلات وإصدار كتابين ظلا مرجعًا أساسيًا للقابلات واللائى قد تخرج منهن ما يفوق الألف فى خلال فترة ٣٠ سنة قام فيها نجيب محفوظ بالتدريس لهن وإعدادهن لإجراء الولادات فى المنازل.
لا ينسى نجيب محفوظ طلاب العلم فيقوم فى العام ١٩٣٠ بتأسيس متحف نجيب محفوظ لعينات النساء والولادة والذى حوى أكثر من ٣٠٠٠ عينة قيمة تم جمعها من عمليات محفوظ ويقوم بإصدار أطلس ومجموعة من الكتب على مستوى عالمى وبعدة لغات.
فى سنة ١٩٥٠ تألفت هيئة تضم أساطين العلم وأكابر الأطباء برئاسة دكتور إبراهيم شوقى مدير جامعة القاهرة يومئذ ووزير الصحة من بعد، لإنشاء جائزة مالية يطلق عليها «جائزة دكتور نجيب محفوظ العلمية» تخصص لتشجيع البحوث فى علوم أمراض النساء والولادة. وتُمنح لمن يقدم أحسن بحث. وفى ١٤ يونيو ١٩٥٠ أقُيم حفل بفندق سميراميس بالقاهرة أعُلن فيه تقرير إنشاء الجائزة.
نشر حوالى ٣٣ بحثا باللغتين الإنجليزية والفرنسية فى خلال الفترة ١٩٠٨ إلى ١٩٤٠.
له العديد من المؤلفات باللغة العربية:
مبادئ أمراض النساء، أمراض النساء العملية، فن الولادة، الثقافة الطبية، الطب النسوى عند العرب.
وباللغة الإنجليزية له، تاريخ التعليم الطبى فى مصر، والموسوعة العلمية فى أمراض النساء والولادة (وهو يقع فى ثلاثة مجلدات عدد صفحاتها ١٣٥٠ صفحة).
فى عام ١٩٦٦ صدر له كتاب «حياة طبيب» باللغة العربية (الطبعة الثانية) ونشرته الهيئة العامة للكتاب فى عام ٢٠١٣ فى مشروع مكتبة الأسرة وأصدرته باللغة الإنجليزية شركة لفنجستون للطباعة والنشر بإنجلترا وكتب الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى تقديما له قال فيه: هذا كتاب ممتع إلى أقصى غايات الإمتاع.
تم تكريمه فى العديد من المحافل ونذكر فى هذا المجال ما يلى:حصل على وسام النيل، وتم اختياره عضوًا شرفيًا فى الكلية الملكية لأطباء النساء والولادة بإنجلترا ليكون واحدًا من خمسة حظوا بهذا الشرف على مستوى العالم، وعضوًا شرفيًا فى الكلية الملكية للأطباء بإنجلترا وفى الأكاديمية الطبية بنيويورك كما حصل على لقب (باشا) من مصر، ونال جائزة الملك فاروق للعلوم الطبية.
وفى عام ١٩٥٦ قامت الكلية الملكية لأطباء النساء والولادة بإنجلترا بدعوة محفوظ لإلقاء محاضرة (فلتشر شاو) التذكارية وهو شرف لم يمنح إلا لأعضاء الكلية الذين قدموا إسهامات بحثية نوعية فى مجال طب النساء والولادة ونظرًا للإقبال الهائل مع السعة المحدودة للقاعة تم نقل المحاضرة إلى الجمعية الملكية الطبية فى لندن، وقام الرئيس جمال عبد الناصر بإهداء محفوظ وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية فى العلوم.
والجميل فى الحدوتة هو أن إحدى الولادات المتعسرة التى أجراها نجيب باشا محفوظ أسفرت عن ولادة طفل حمل نفس اسم الطبيب وهو أديبنا العالمى الراحل نجيب محفوظ.
ويرحل نجيب باشا فى ١٩٧٤ وما زالت الخرافة قائمة، هى ديه مصر ياعبلة.
آراء حرة
حكايات نجيب باشا المسيحى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق