رصدت دراسة تاريخية للدكتورة إيمان صلاح عطاطة المتخصصة فى التاريخ الإسلامى مظاهر الاحتفالات الرسمية والشعبية بعيدي الفطر والأضحى في مصر المملوكية
وتشير الدكتورة إيمان صلاح عطاطة إلى أن سلاطين المماليك بمصر احتفلوا بعيدي الفطر والأضحى المبارك رسميًا من خلال بعض الطقوس والممارسات التي كان لها ترتيب وتنظيم معين يبدأ بأداء صلاة العيد حيث كان السلطان المملوكي يخرج في أول يوم في موكب ضخم لأداء صلاة العيد فينزل إلى الميدان ويكون نزوله وصعوده من باب خاص من دهليز البلاط السلطاني الذي لا يخرج منه إلا في هذه المناسبات غالبًا، واختلف مكان صلاة العيد فكان سلاطين المماليك البحرية قد اختاروا ميدان العيد لأداء صلاة العيد فى موقع متسع يتوفر فيه عنصر الفرجة وإظهار هيئة السلطان المملوكي في موكب العيد وذلك على عكس سلاطين المماليك البرجية الذين اختاروا جامع القلعة لأداء صلاة العيد، وفي الميدان يحضر خطيب المسجد فيخطب ويصلي صلاة العيد وبعد الإنتهاء من سماع الخطبة وصلاة العيد يركب السلطان المملوكي ليعود إلى الإيوان الكبير بالقلعة ويكون ذلك بموكب ضخم فيحيط بالسلطان كبار رجال الدولة والقضاة والأمراء الخاصكية وأمامه الأمراء الطبردارية والمشاعلية ويشق شوارع القاهرة وسط تجمع عوام القاهرة.
ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن السلطان المملوكي يعود إلى بلاطه بعد الصلاة ليتقبل التهاني ويُمد سماطًا عظيمًا ويُسمى سماط العيد ويحتوي على كل أنواع الأطعمة الفاخرة والمشروبات، ويكون هذا السماط مكلفًا حيث أنه بلغ في بعض الأحيان أكثر من خمسين ألف دينار، وقد كان للسماط السلطاني ترتيبه ونظامه فيكون مكان السلطان على رأس السماط في حين يجلس الأمراء على يمينه ويساره على قدر مراتبهم في القرب من السلطان المملوكي.
ويتم توزيع الخلع والهدايا لكبار الدولة في آخر مرحلة من مراحل الإحتفال الرسمي بالعيد، حيث يقوم ناظر الدولة المملوكية بإعداد الخلع مسبقًا وقد تختلف الخلع باختلاف مراتب الأمراء وموظفي الدولة.
ومن الطقوس التي قام بها بعض السلاطين المماليك بمناسبة عيدي الفطر والأضحى قيامهم بالإفراج عن بعض المساجين إكرامًا لهذه المناسبة الدينية،وتوزيع الهبات حيث قامت خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الناصر محمد بن قلاوون بتوزيع الهبات والكعك على الطواشية الذين كانوا يقومون على خدمة مدرستها المعروفة باسمها
أما عن الطقوس الرسمية لعيد الأضحى فقد حرص السلاطين المماليك بعد أداء الصلاة التوجه لذبح الأضاحي وتوزيع اللحوم على الخواص والعوام ، كما حرص بعض الأمراء المماليك على توزيع الهدايا على المقربين منه كالأمير قوصون الساقي الذي أنعم على المقربين منه بألف رأس من الغنم وثلاثمائة رأس من البقر في عيد الأضحى سنة 742هـ/1341م .
أما أهل مصر المملوكية من الشعب فكان لهم بعض العادات في عيد الفطر والأضحى والتي لا زالت موجودة ومتبعة في المجتمع المصري حتى يومنا هذا، منها السهر حتى الساعات الأولى من الصباح في إعداد الملابس الجديدة والبعض الآخر يحتفل بهذه المناسبة بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ويتوجه الرجال مع طلوع النهار لأداء صلاة العيد في تجمع كبير وهم يهللون ويكبرون حتى يصلوا إلى المسجد.
كما اعتادت بعض نساء الشعب المصري الخروج إلى القرافة صباح أول أيام عيدي الفطر والأضحى، ويستمع بعضهن إلى الوعاظ والمحدثين من القصاصين والقراء وكان البعض رجالاً ونساءً يقصد شواطئ النيل ويستأجر القوارب للنزهة والاحتفال، ومن العادات التي ألفها أهل مصر تناول السمك المملح المشقوق في أول أيام عيد الفطر، وتتبادل الأسر المصرية التهنئة بالعيد ويتبادلون الكعك والحلوى مع جيرانهم من مسلمين ومسيحيين.
وفي عيد الأضحى كان البعض يجهز الأضاحي منذ ليلة العيد، وجرت عادة بعضهم على عدم ذبح الأضاحي في العيد بالرغم من قدرتهم، وكانوا يكتفون بشراء اللحوم من الجزارين في الأسواق
وترى الباحثة أنه في مثل هذه المناسبات كان المجتمع المصري يرفه عن نفسه وتعتبر هذه المناسبات والتفاعل فيها مظهر من مظاهر الاندماج الاجتماعي بين فئات المجتمع المصري.