الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قوة النَظِّير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

النَظِّير هُوَ الشبيه والمساوٍ والمثيل في الأهميَّة أو الرُّتبة أو الدَّرجة.
-هل فكرت يوما:
• لماذا نلجأ لوضع طفل فاقد للشهية مع نظراء له من الأطفال وهم يتناولون طعامهم، كحيلةٍ منَّا لفتح شهيته؟
• لماذا نلجأ لنفس الحيلة عندما يتأخر أحد الأطفال عن نظرائه في المشي على رجليه، نضعه وسط مجموعة من نظرائه يتحركون؟، والعجيب أنه يستجيب ويتعلم المشي بسرعة!
• لماذا نحتفل في كل عام بتكريم أوائل المدارس، وكذلك المتفوقين في جميع مناحي الحياة؟
• لماذا تُقام المهرجانات والمسابقات في المجالات العلمية والدينية والرياضة، والفنون وباقي جميع مناحي الحياة؟
• لماذا  تكون درجة ميل النفس البشرية للمقارنة مع النظير   لها أكبر من المقارنة مع من هو  أصغر أو أكبر منَّا؟
الإجابة عن كل ما سبق سوف تتمحور حول أنَّ النفس البشرية تجد لديها ميلًا فطريا نحو تطوير الذات، والبحث عن الأفضل. وتلعب عملية مقارنة النظير بالنظير دورًا بارزًا في حث النفس على اللحوق بالركب والدخول إلى حلبة المنافسة مع نظرائنا.
أذكر أنني كُنت طفلًا في السادسة من عمري حين كان أخي الأكبر يعلمني السباحة، في نفس الوقت الذي كان فيه بن عمي الأكبر يعلم أخيه الذي في مثل سني السباحة أيضًا. كُنَّا نتمرن أنا وبن عمي بصحبة أخوينا على ذلك يوميًا. وقطعنا شوطًا بدأنا فيه نسبح ولكن في وجود أخوينا الكبار، وفي نطاق ضيق لا يتعدى الخمسة مترات. وكان لزاما علينا أنْ نجتاز سباحة عبور المائع المائي الذي يشق قريتنا"ترعة القرية". وعندما نفعل ذلك، يكون هذا بمثابة صك تخرج مُفادَه إنَّ الواحد منَّا أصبح مؤهلًا للسباحة بمفرده دون رقيب. كان حلم عبورنا الترعة سباحة بمفردنا حلمًا صعب المنال، ولم نكن مؤهلين له رغم كوننا نتطور يوما بعد يوم. لكنه في يوم ما وجدت بن عمي يبحث عني وعندما وجدني تبسم إبتسامة المنتصر وأبلغني أنَّه عبر الترعة سباحة. وأخذ من الجميع صك أنه يستطيع أن يسبح بمفردة. إتهمته بالكذب فأنا أعلم أنه يلزمنا وقت لنصل لهذه الدرجة، لكن بن عمي إستشهد بمن كانوا موجودون لحظة عبوره، والجميع أكد لي صدق الخبر. فما كان مني إلا أنني خلعت ملابسي ونزلت المائع في قرار مفاجيء لكل من حولي، وعبرته سباحة ذهابا وإيابًا كي أحقق نصرًا مظفرًا على بن عمي. فكرت كثيرا عندما كبرت في هذه القوة التي تفجرت فجأة في داخلي، وكيف تخطيت حواجز الرهبة والخوف، وتولدت لدي عزيمة تقهر جميع ما من منه أن يثبط هِمتى آن ذاك، إنَّها قوة النظير.
وفي موقف آخر تملئُه الحنكة في الرأي، وحسن تدبير الأمور، موقف سيدنا خالد بن الوليد في معركة العقربا والمسماة بمعركة حديقة الموت. وهذه المعركة خاضها المسلمون ضد مسيلمة الكذاب وأنصاره من أهل اليمامة. والتي إستغل فيها سيدنا خالد بن الوليد قوة النظير خير إستغلال، حيث أطلق مقولته الخالدة" "إمتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي، ولنعلم من أين نُؤتى" وكانت هذه الكلمة منه مفتاح النصر المبين. 
وكان هذا في عهد خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق في عام 11 هجرية وكان المسلمون عندها عشرة الآف مقاتل يقاتلون جيش مسيلمة والذي عدده أربعين الف مقاتل من قومه بني حنيفة باليمامة. وأشتد القتال بين الفريقين وحمل بنو حنيفة على جيش المسلمين لدرجة أنهم وصلوا الى خيمة القائد خالد بن الوليد نفسه، وكادوا أن يحققوا نصرا على المسلمين لولا صرخة خالد بن الوليد في الجيش "إمتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي، ولنعلم من أين نُؤتى". ومعنى كلمة إمتازوا هنا  هي دعوة للتميز والتي على أثرها جعل الأنصار حزمة واحدة، وجعل المهاجرين حزمة ثانية، والأعراب حزمة ثالثة. كذلك ميَّز أهل بدر، وأهل القرآن " حفظة القرآن". وهكذا نجح القائد العبقري في إثارة قوة النظير في جيش المسلمين. وبالفعل لقد أبلى كل فريق منهم على حدة بلاءً حسنًا، جعلت المعركة تُحسَم لصالح المسلمين. وكان لهذا التمايز الذي أمر به سيدنا خالد بن الوليد الأثر البليغ في حسم هذه المعركة. وهو تطبيق عملي لإستفذاذ وحث قوة النظير في نفوس الجيش، وترجمة عملية لإستخراج هذه القوة من نفوس جنودة، ولقد كانوا هم أيضًا على قدرٍ عالٍ من تحمل المسؤلية والإستجابة إلى نداء قوة النظير التي فجرها القائد في نفوسهم.
وكغيرها من القوى يمكن لقوة النظير "عندما يساءُ إستغلالها"، أنْ تلعب دورًا سلبيًا في حياتنا، بنفس قوة الدور الإيجابي الذي تلعبه عندما نحسن إستخدامها.
فمثلًا يلجأ بعضُ الأباء أو الأمهات لقرع آذان أبنائهم بأقصى عبارات الذم والتوبيخ، لأن أبنهم هذا فشل في كذا، أو لم يحقق كمال النجاح في كذا. ويضعون أبنائهم في مقارنات ظالمة تؤدي إلى تحطيم معنوياتهم،  الأمر الذي يجعلهم يحمِلون في أنفسهم على والديهم، وقد يمتد هذا الشعور السلبي إلى حقد دفين ربما على كل المجتمع من حولهم. وبالجملة فإن قوة النظير، هي سلاح مثل باقي القوى الكامنة في النفس الإنسانية، يمكن أن يكون له دور إيجابي في تحفيز وتوجيه القدرات الإنسانية تجاه التطوير والبناء، إذا ما أحسِن إستخدامه. وبالطبع سيكون له دور سلبي يَفُتُّ في عَضُد الفرد والمجتمع متى يُساءُ إستخدامه أيضًا