رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الصوفية في المسيحية والإسلام.. بدعة أم طريق إلى الله.. الأب متى المسكين: ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻴحي يعتمد على الوسيط يسوع المسيح الذى يمسك بالنفس ويؤمن لها المسير

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعددت آراء الباحثين والمؤرخين حول معنى التصوف، والمفهوم اللغوي له، البعض يرجع أن الصوفية أتت من الصفاء لأن أصحابها يتسمون بصفاء القلب، والبعض يقول إن أصلها لاتيني بمعنى الحكمة، ويعرف الدكتور أبوالوفا الغنيمي أستاذ الفلسفة الإسلامية، الصوفية بوجه عام بأنها فلسفة حياة وسلوك يتخذها الإنسان لتحقيق كماله الأخلاقي، وعرفانه بالحقيقة، وسعادته الروحية.

وهناك من يرى أن الصوفية بدأت في العالم الإسلامي وانتشرت في العصر العباسي وبالتحديد في النصف الثاني من القرن الـ8 الميلادى، وكان أهدافهم التخلي عن الشهوات والعالم الحسي، والتحلي بالكمال الأخلاقي وتطهير النفس وضبطها، والصوفية طريقة عبادة ولغة روحية، ولا تصنف كمذهب ولا تصنف كفرقة كلامية أو بمعني آخر ليس لها عقيدة منفردة أو شريعة منفردة، ولكن ما استند عليه المتصوفون المسلمون هي تعاليم القرآن الكريم الروحية.

البدعة والصوفية

منذ نشأة الصوفية وتوجه إليها انتقادات كثيرة، ويستند مهاجمو الصوفية إلي عدم وجود فكر ثابت أو طريقة ثابتة يُحكم عليها، فهناك الآن في مصر فقط أكثر من 77 طريقة صوفية إسلامية، وعندما سُئلت دار الإفتاء هل هي بدعة؟، رد الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، قائلًا إن الصوفية ليست فعلًا نحكم عليه بالحلال أو الحرام، وإنما الصوفية الحقيقية التي يدعو إليها الإسلام مقيدة بالكتاب والسنة، وكل ما فيها هو تطبيق للكتاب والسنة.

التصوف المسيحى
ظهرت خلال الأعوام الأخيرة عدد من الحركات الدينية تدعو المسيحيين للتصوف، وظهر شكل جديد للصلاة بدمج الموسيقي مع الصلاة وتلاوة الأناشيد، بجانب انفعالات حركية جسدية، وبدأت كثير من الحركات بتنظيم سهرات التي يظهر بها النزعة الصوفية يتخللها الأناشيد المسيحية والإسلامية كشكل من أشكال الوحدة الوطنية لنبذ التعصب وتوطيد المحبة.

واستندوا في دعوتهم أن الصوفية الإسلامية في الأساس هي امتداد للصوفية للمسيحية، وأن الصوفية المسيحية موجودة منذ القرون الأولى المسيحية، وأعلامها مثل: «باسيليوس الكبير، وأغسطينوس» وغيرهم من أقطاب المسيحية الأولى، وعلي هذا الأساس قد صنف أعمدة من الإيمان المسيحي كمتصوفين مثل: «يوحنا المعمدان»، وصنف الآباء الرهبان كأنهم صوفيون أيضًا كونهم نساك يعيشون في الصحراء ويتجردون من الحياة وملذاتها، وكان أبرز راهب لاحقه لقب المتصوف هو الأب «متى المسكين».

وأشار الأب متى المسكين، إلى أن ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺼﻮﻓًﺎ ﻣﺴﻴﺤﻴًﺎ، ﺑﻞ ﺃﻓﺎﺽ ﻓﻲ ﺷﺮحه عن ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ، ﻓﺄﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﻮُّﻑ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻄﻬﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺠﻬﺪ؛ ﻫﻮ ﻣﺠﺮﺩ ﺩَﻓْﻊ ﻣﻦ ﺃﺳﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﺼﻮُّﻑ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻓﻼ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ النفسية وحدها بل يعتمد بالدرجة الأولى على الوسيط وهو يسوع المسيح الذى يمسك بالنفس ويؤمن لها المسير.

وقال الأب وليم سيدهم اليسوعى لـ«البوابة نيوز»، إن المسيحية هي أصل التصوف وظهرت مع ظهور الرهبنة في القرون الأولي للمسيحية وذلك قبل الإسلام بسنين عديدة، وظهور التصوف في الإسلام يرجع لتأثير المسيحية، ومن يدرس التاريخ سيجد أعلام مسيحية كثيرة صوفية وغيرها مسيحية أيضًا، مثل: «رابعة العدوية، ابن عربي».

وتابع: «إذا بحثنا في المصادر الأجنبية عن كلمة مستيسيم سنجد الكثير من المؤرخين يتحدثون عن التصوف في المسيحية، وعن الرهبان الذين يتركون العالم ويعيشون حياة الزهد».

وعلي جانب آخر نفي القس مكاريوس فهيم، كاهن بالقاهرة لـ«البوابة نيوز»: «مبدأ التصوف وإن اختلفت المسميات»، وقال: «لا توجد لدينا في المسيحية كلمة التصوف؛ ولأنها كمصطلح ظهرت في وقت متأخر، وما يوجد في المسيحية هو الرهبنة وهو مبدأ التوحد، هو الانحلال من الكل والارتباط بالواحد والذي هو الله، ويتحرر الإنسان من خلالها من قيود العالم، ولنا الشرف أن هذا المبدأ ظهر لدينا هنا في مصر حيث انتقلت الرهبنة من خلالها إلي جميع أنحاء العالم».

وتابع: «أما عن فكرة التصوف بشكل عام فهي منتشرة منذ عصور ما قبل التاريخ فى الهند وفي الصين وعند القدماء المصريين، وهو مبدأ الزهد والتقشف وضبط شهوات الإنسان، ولكن الرهبنة في المسيحية هي إماته وانقطاع عن العالم بشكل كلي فنحن حتي نصلي علي الراهب صلاة الموتي».

جدل مستمر

اندلع خلاف كبير بين مسيحيي الشرق علي هذه الحركات الدينية، ولاقت غضبا كثيرا من الأقباط، واعتبروا هذا خروجا عن الطقس الكنسي الراسخ، وغالبية هذه الفئة كانت من الأقباط الارثوذكسية، موضحين أنه لم يذكر التصوف في الانجيل ولم يذكروه الآباء الأوائل ولم يذكر أبدًا إلا عند ظهور الإسلام في القرن الثامن، وأن فكرة التصوف في الأساس مبنية علي جوهر القرآن فكيف يكون هناك تصوف مع اختلاف الجوهر، ولكن هذا النفى لا ينفي وجود الروحانية وحياة التقشف عند الرهبان أو غيرهم من النساك.

ورفض الكثير من الأقباط ارتباط الصلاة بالانفعالات الجسدية التي قد تصل في بعض الأحيان للرقص، ويرون أن هذه الطريقة ليست الصورة الصحيحة للصلاة والخشوع أمام الله.

وهو ما أكده القس وليم سيدهم: «هذا الشكل من التصوف يُعد حديثا وتطورا في شكل الصوفية وبعيدا عن الجوهر الأساسي للتصوف، وأن الصوفي يتسم بالهدوء لدرجة أنه يصعب علينا أن نخرج منه كلمة».

وقال القس مكاريوس: «للأسف، هناك بعض الحركات الدينية المسيحية، تبالغ في إظهار المشاعر الإنسانية مع الترانيم والتسابيح، ويوجد الألحان والتسابيح المسيحية لكنها في منتهي الوقار والهدوء فأنت تسبح الله وتسبح مع الملائكة وهذا كله يتسم بالضرورة بالهدوء».

وعلي الجانب الآخر قام أحد مؤسسى هذه الحركات المنشد «ماهر فايز» بالرد علي من ينتقد الانفعالات الجسدية أثناء الصلاة، وقال: «لكل من ينظر لأحد يرقص ويتعثر، لا تتعصب، نحن أطفال صغار، والله يحب الأطفال، وأنت شخص كبير وجميل»، مضيفًا: «الحياة بالخارج محزنة ومتعبه واذا لم نرجع صغار لن نحصل علي ملئ الروح ولا غني الروح».