الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حق «عمرو دوارة» فى التكريم الرسمى!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لقي فوز المخرج والناقد والمؤرخ المسرحي الكبير د. عمرو دوارة مؤخرًا بجائزة التفوق في مجال الآداب ترحيبًا كبيرًا جدًا من عموم المسرحيين والمثقفين بمختلف أجيالهم، وذلك ليس في مصر وحدها وإنما بمختلف الدول العربية أيضًا.

إلا أن النظر لحق «دوارة» فى التكريم بشكل موضوعى أمر يدعو للتأمل والتوقف أمامه مليًا، خاصة وأنه وباعتراف الجميع قد أفنى من عمره خمسة عقود بالعمل المسرحي سواء في إخراجه لأكثر من ستين عرضًا على مستوى مسارح الدولة وجميع تجمعات الهواة، أو في كتابة أكثر من ألف دراسة ومقال نقدي وإصدار ستة وثلاثين كتابا، وكذلك في التوثيق والتأريخ للمسرح، بالإضافة إلى تقديمه خلالها لخدمات جليلة متفردة وفي مقدمتها تأسيسه لأول كيان رسمي يضم جميع هواة المسرح ويمثلهم عالميا وهو الجمعية المصرية لهواة المسرح التي أشهرت عام 1982، ونجحت في تأسيس ثلاثين مهرجانًا من بينها خمسة عشر مهرجانا دوليا للمسرح العربي، وكذلك إعداده لتلك الموسوعة المسرحية المصورة غير المسبوقة عالميًا، وأقصد موسوعة المسرح المصري المصورة التي تشتمل على سبعة آلاف وخمسمائة مسرحية وتقع في سبعة آلاف صفحة «في ثمانية عشر جزءًا».

وبرغم جميع الإنجازات السابقة التي أشاد بها كبار المثقفين والمسرحيين والنقاد وفوزه بتمثيل مصر دوليًا وحصوله على بعض الجوائز الدولية المهمة إلا أنه لم ينل حتى الآن ما يستحقه من تقدير وتكريم.

لقد كنت - وقبل التصويت على جوائز الدولة في دورتها الأخيرة - أستعد لكتابة مقال حول حق رجل المسرح المبدع د.عمرو دوارة في التكريم، وأحاول البحث عن أسباب تجاهل تكريمه بالمهرجانات الرسمية للدولة بالرغم من تكرار تكريمه من قبل بعض الحكام والرؤساء ووزراء الثقافة بعدد كبير من المهرجانات المسرحية العربية!! هل يعقل أنه خلال ثمانية وعشرين دورة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وأيضًا خمسة عشرة دورة للمهرجان القومي للمسرح المصري ألا يكرم ولا يدعى حتى للمشاركة بلجان المشاهدة أو التحكيم؟!

لقد سألت نفسي وبعد فوزه بجائزة التفوق هل أخذ «دوارة» حقه بتلك الجائزة المستحقة عن مجمل أعماله؟ عندما تأملت الموقف من زاوية أشمل واستعرضت قائمة إسهاماته وإنجازاته المتعددة لإثراء مسرحنا المصري والعربي أدركت أنه كان يجب أن ينال جائزة الدولة للتفوق منذ عشرين عامًا على الأقل، لأنها جائزة من المفترض منحها في منتصف طريق الإبداعات العلمية والفنية لتشجيع النابهين على استكمال طريقهم، وأسمى منها جائزة الدولة التقديرية التي تعد تتويجًا لإبداعات الفنان قرب نهاية المشوار، وبالطبع لا يحصد جائزة النيل الكبرى إلا نخبة قليلة جدًا من النوابغ باعتبارها أعظم وأهم الجوائز المصرية.

وإذا مددنا الخط على استقامته سنجد هذا المبدع المسرحي الكبير والمرجع المسرحي التوثيقي الأهم في مصر والعالم لم يسبق تكريمه بما يليق بعطائه في مجالات الإخراج والنقد والتأريخ والتدريس الأكاديمي «بجامعة جنوب الوادي لمدة اثنى عشر عامًا» والإعداد التليفزيوني «لمدة ربع قرن تقريبًا» وذلك بخلاف رعايته المخلصة لهواة المسرح بجميع تجمعاتهم. كنت أتصور ضرورة تكريمه بفعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان القومي للمسرح المصرى بعدما اعتمدت الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة مبادرته الفردية التي أطلقها بضرورة الاحتفال بذكرى مرور مئة وخمسين عامًا على تأسيس المسرح المصري الحديث بفضل الرائد يعقوب صنوع، وهي المبادرة التي أعادت الحق لأصحابه ونالت تأييدًا كبيرًا من جموع المسرحيين، وبالفعل تم تنظيم ثلاث دورات للمهرجان تحت مسميات دورة الآباء، دورة المؤلفين، وهذا العام دورة المخرجين، مع تجاهل تكريمه بالدورات الثلاث!! هل يمكن تبرير ذلك بقصور الوعي بدوره الإيجابي وإسهاماته الكبيرة؛ أم بالغيرة الفنية لدى بعض أعضاء اللجان العليا، ومن الهموم التي تضحك من كثرة العبثية واللا منطقية للأحداث هي أنه على مدار نصف قرن وبرغم تعدد مشاركاته الإيجابية لم يدعى للمشاركة بعضوية لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة!!.

حقًا أنه أمر يطرح الكثير من علامات الاستفهام، حول سر تجاهل أحد أبرز رجال المسرحيين الأكاديميين في الفترة الحالية وأهم مرجع توثيقي على الإطلاق، ويكفي أن نذكر أنه حاصل على شهادتين للدكتوراه، الأولى في فلسفة الفنون من أكاديمية الفنون مع بداية الألفية الجديدة، والثانية لمجال هندسة النظم من هندسة القاهرة، والأخيرة هي التي عمل بها حتى ترقى وتولى منصب وكيل أول وزارة النقل واستمر بها حتى بلوغه السن الرسمية للتقاعد عام 2015. إن مسألة تجاهل إسهاماته تلقي تساؤلات حول الشللية وأثرها على الوسط المسرحي.

لقد حصد د.عمرو دوارة خلال مسيرته الفنية عددًا كبيرًا من الألقاب الفنية التي يستحقها عن جدارة ومن بينها: «نقيب هواة المسرح، رجل المسرح الرصين، وأخيرا لقبى حارس ذاكرة المسرح المصري، وجبرتي المسرح العربي»، وسيذكر له التاريخ الفني - برغم أنف بعض الحاقدين - تأسيسه وإدارته لثلاثين مهرجانًا مسرحيًا مبتكرًا لأول مرة بالوطن العربي من خلال الجمعية المصرية لهواة المسرح التي أسسها عام 1982، ومن بينها أول مهرجان لفن المونودراما عام 1984، وللمسرح التجريبي عام 1986، والمسرح الضاحك 1994، والمسرح الاستعراضي 1995، والمسرح الشعبي 1997، والمسرح العالمي 1998، ومسارح الأطفال 1999، وذلك بالإضافة إلى خمس عشرة دورة لمهرجان المسرح العربي، الذي نظم مع الألفية الجديدة عام 2001 وتم من خلال فعالياته استضافة عدد كبير من كبار رواد ورموز المسرح العربي، وأيضًا أهم الفرق المسرحية العربية وفرق الأقاليم والهواة، فكان بحق خير داعم للمسرح المستقل.

وتجدر الإشارة إلى أن د.عمرو دوارة ليس مجرد ناقد أو مؤرخ مسرحي متميز فقط وإنما هو كذلك مخرج كبير قدم الكثير من الأعمال المسرحية على مختلف خشبات أبو الفنون بالبيت الفني للمسرح وبالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية وبفرق الأقاليم وبالهيئة العامة لقصور الثقافة «الثقافة الجماهيرية» وغيرها من فرق الجامعات والمدارس والشركات والمراكز الثقافية الأجنبية، ويكفيه فخرًا أنه الوحيد الذي وفق في تقديم أكبر وأهم مشروع مسرحي عجزت المؤسسات والهيئات الرسمية على انجازه، وأقصد موسوعة المسرح المصري المصورة التي ظل لمدة 25 عامًا يعمل بها هو وفريق عمله عليها لتخرج لنا في ثمانية عشر جزءًا، لتتضمن كل تفاصيل فعاليات المسرح المصري وعروضه الاحترافية التي تم إنتاجها منذ عام 1870 حتى اللحظة الراهنة التي نعيشها، فتتضمن هذه الموسوعة ما يزيد على 7 آلاف عرض مسرحي، وهو بذلك وفق في حفظ تراثنا المسرحي المتناثر وحفظه من الضياع. ألا يؤهله هذا الجهد الذي يتخطى دور الأشخاص إلى دور الدول، إلى أن يقف على منصة التتويج بأرفع وأرقى الأوسمة والنياشين، أعرف أن كل الجوائز لو جاءته من خارج المؤسسة المسرحية لا تكافئ أن يأتي التكريم من التي أفني دوارة عمره من أجلها!!.

وفي الختام فإن هذه الكلمات ليست استجداء للحصول على حق أحد المخلصين الكبار لأبوالفنون، ولكنها رسالة إلى الفنانة القديرة الدكتورة إيناس عبدالدايم التي تدرك قيمة المبدعين ودور الموهوبين حتى لا تغتصب الشللية حقوقهم، وأثق أنها الأحرص على رد الحقوق لأصحابها وهم على قيد الحياة ليضيفوا إلى القوى الناعمة المصرية مزيد من الأعمال الخالدة، فهل سيتحقق ذلك في الدورة المقبلة من المسرح التجريبي، الذي فقد جزءًا من ذاكرته خلال الدورات الأولى ولم يكن أمام المسئولين عن توثيق ما مضى من دورات المهرجان إلا اللجوء إلى «دوارة» والاستعانة بأرشيفه القيم لاستكمال ذاكرة المهرجان المفقتقدة، وبالفعل بادر بتقديم ما لديه من الأعداد النادرة للنشرة والتي كان لا يمتلكها آنذاك سواه لوعيه المبكر بأهمية التوثيق وتمتعه بصفات الدأب والإصرار والاجتهاد.