الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قوة التشابُك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

• لماذا نشعُر بالحزن عند رؤية حادثٍ اليم لشخص ما، ربما لا نعرفه؟
• لماذا تأخذنا الحمية للدفاع عن بنت الجيران أو زميلة الفصل أو العمل عندما نجد أن هناك من يضايقها؟
• لماذا نستشيط غضبا عندما نعلم أن شخصًا أهان أحد والدينا أو أخوتنا ؟
إنَّ قوة التشابك هي التي تجعل الفرد منا لا يقوى على العيش منفردًا. فترانا بطبيعتنا نميل نحو التشابك المجتمعي، على مستوى البيت والأسرة والبلد..الخ. ورغم أن قوة التشابك قوة غريزية في الكائنات على الأرض إلا أن الفطنة لاستغلال هذه القوة تختلف من صنف لآخر، بل وتختلف من حيث القوة والضعف فيما بين الصنف الواحد وبعضه البعض.
فنحن نرى في التلفاز مجموعة من الجاموس الوحشي وهي تتشابك وتتحد لتقف أمام أسد مفترس وتذيقه مرارة الموت. وهذا المشهد يتكرر مع الكثير والكثير من باقي المخلوقات على الأرض، حيث نرى أن هناك منعة تصنعها قوة تلاحمها وتشابكها مع بعضها البعض، لتجعل الضعيف قويًا، والقوى أكثر عزة ومنعة. النحل يعيش في منظومة قيمية تدعو الى التعاضد والتشابك الاجتماعي الذي يجعلك ترى خليه النحل تسير وفق خوارزمية محددة مصنوعه بدقة تنبئ عن خالق عظيم. كذلك النمل الذي أضحك قوله سيدنا سليمان يملك من قوة التشابك الشي المبهر والذي يجعلنا نتدبر أموره بُغيه أن نستفاد نحن البشر من هذا التشابك الذي يجعل النمل يحمل ما لا يمكن أن يطيق حمله الإنسان إذا ما وضعنا مقص النسبة والتناسب بين حجم ووزن الانسان وحجم ووزن النملة.
كُلنَّا يتذكر قصة الرجُل الحكيم الذي أعطَى لِكلٍ من أبنائه عصاة ليكسرها فكسرها بسهولة. ثم أعطاهم حزمة من العصي ليكسروها ففشلوا في عمل ذلك. ليضعهم أمام تجربة يقررون فيها بأنفسهم، أن قوة التشابك تجعل من الضعيف قويًا.
الأشجار الكثيفة الأوراق، بهذه الوريقات الصغيرة تمدنا بالأكسجين الذي هو سبب الحياة على الأرض. حبات الرمال التي تتراكم وتتلاحم تكون لنا الجبالَ الراسيات، والتي هي سبب استقرار هذه الأرض ومن عليها. ذرات البخار التي تتكاثف لتصبح قطرة ماء، وقطرات الماء التي تتشابك القطرات مع بعضها البعض وتتجمع لتصبح أنهارًا بالماء تجري، ومن الماء جعل الله كل شيء حي. كل هذا يدلل على عظم قوى التشابك التي عرفها الجماد قبل الأحياء فحتى الذرة الصغيرة لا تكُون منفردة وحيدة أبدًا إنما هي تسعى سعيًا حثيثًا للارتباط بذرة أو ذرات أخرى لتشكلنا نحن، وتشكل كُل شيء من حولنا.
إن قصة ثورة البيض في الأرجنتين هي مثال حي لقوة التشابك. وتتلخص القصة في كون أن شركات إنتاج البيض رفعت مرةً سعر البيض دون سابق إنذار أو حوار مجتمعي. فما كان من مواطني الأرجنتين، إلا أنهم قاطعوا شراء البيض. الأمر الذي تسبب في كساده. واستمرت المقاطعة حتى تراجعت شركات الإنتاج عن القرار وإعادة السِعْر إلى قيمته الأولى، لكن جمهور المواطنين لم يقنع بهذا وأصَّر أن يكون هناك اعتذار رسمي من قبل شركات الإنتاج والتعهد بأن لا تكون هناك أيَّة زيادة مستقبليةٍ لأسعار البيض إلا بعد مناقشة هذا الأمر في مجلس النواب والموافقة عليه. رضخت شركات الإنتاج أمام قوى التشابك المجتمعي التي أبداها المواطنون الأرجنتينين في نموذج مشرف لقوة التشابك المجتمعي.
على النقيض هناك نماذج مخزية تستغل قوى التشابُك المجتمعي استغلالا سيء، ففي المجتمعات القروية، والمجتمعات القبلية، والمجتمعات التي يسود فيها الجهل. تتفشى قوى التشابك السلبي المدمر للمجتمع،  فنرى المناصرة والمساندة وكذلك الإدلاء بالصوت الانتخابي يكون على العصبية القبيلة والقرابة وتبادل المنفعة الضيق الأفق المحدود النفع. الأمر الذي من شأنه أن يفرز نواب برلمانين وقادة نقابات هزيلين، يتمحور جُل اهتمامهم على منفعتهم الشخصية المباشرة أو الغير مباشرة المتمثلة في عشيرتهم الأقربين، دون النظر  إذا ما كان الشخص المُنتَخَبُ يصلح للدور المرشح له من عدمه وفي الغالب يكون لا يصلح. إنما تفرزه قوة التشابك المجتمعي الفاسدة حتي يكون من بيت فلان وعائله فلان ولا يكون من بيت كذا وعائلة كذا. هنا يتشابك المجتمع بشكل خاطئ ليفرز أُنَاس ليسوا ذو كفاءة. مشهد آخر تتجلى فيه قوة التشابك المجتمعي السلبي في صورةٍ فجةٍ أيضًا ومع الأسف فإنها تكون موجودة أيضًا في المجتمعات القبلية والقروية والمجتمعات التي تعج بالجاهلين أو أشباه المتعلمين والمثقفين، الا وهي مشكلة الثأر. والتي تسببت في سلاسل من جرائم القتل التي يتَمت ورمَلت الكثير من الأطفال والنساء. وأصبحت هذه العائلة تتشَابك وتتجمع لكي تكيد لتلك العائلة وهكذا. وبهذا تضيع قدرات المجتمع فيما لا طائل منه غير الخزي والخسارة والبعد عن الدين.
وليس الأمر كله سوء، فهناك أيضا وفي نفس المجتمعات القبلية والقروية توجد أيضًا نماذج للتشابك الإيجابي يتجلى في التكافل الاجتماعي الذي يتم بطريقة عفوية. وكذلك يتمثل في الحفاظ على الموروث الجيد من العادات والتقاليد التي تربط أواصر المجتمع بعضه ببعض. ففي صعيد مصر صور إيجابية لقوى التشابك المجتمعي ظهرت جليا إبَّان ثورة يناير 2011م حيث كان شباب المسلمين يجتمعون  حول الكنائس لحراستها وحمايتها من أي خطر خارجي بقصد إيقاع الفتنة الطائفية بين أبناء القرية الواحدة. كذلك تظهر قوى التشابك بصورة إيجابية في حالة الغُربة والبعد عن الوطن حيث ترى المغتربين من نفس الجنسية أو الدين أو اللغة يلتفون حول  بعضهم البعض، وتراهم يعتبرون أنفسهم كيان واحد إذا اشتكى منهم أحد تداعى له باقي أبناء جلدته له داعمون. فنراهم يلتحمون مع بعضهم البعض ناسجون سياجًا من الحب يحافظون به  على عاداتهم وأخلاقهم في نموذج مشرف لقوة التشابك الإيجابي.
وبالجملة فإن قوة التشابك المجتمعي هي قوة موجودة يمكننا استغلالها للبناء أو الهدم، فالمجتمعات المتحضرة تتشابك لتزدهر متجهةً نحو النماء والازدهار. والمجتمعات المتخلفة تتشابك لتهدم بعضها البعض متجهه نحو التخلف.
يقف الدين بالمرصاد مصححًا لقوى التشابك حتى تكون إيجابية، تدعم نمو المجتمع وتطويره من ناحية. ومقاومًا لقوى التشابك السلبي يفتتها وينبذها. ففي الحديث الشريف عن سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم "يحثنا على التشابك الإيجابي وينفرُنا التشابك السلبي. 
عن أنس  رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره)، رواه البخاري.