قديمًا، كانت الجرائم الأسرية التى يشهدها المجتمع المصرى ضئيلة، وكانت آنذاك غريبة على مرئى ومسمع المواطنين، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت هذه النوعية من الجرائم مألوفة على آذن الجميع، نجد أن الأم أو الأب يقتلون أطفالهم والعكس أيضًا.
تشير الأرقام إلى زيادة حوادث الجرائم الأسرية، فخلال النصف الأول من شهر يونيو الجارى، شهدت القاهرة الكبرى حوالى 12 جريمة أسرية، وبلغ عدد مرتكبى هذه الجرائم 23 متهمًا، بينهم 3 سيدات، و20 رجلًا التى تلوثت أيديهم بدماء ضحاياهم، وهو ما يعد جرس إنذار لابد من الانتباه إليه وعلاج أسبابه.
قعيد يقتل زوجته بالزاوية الحمراء.. ابن يقتل والده بالمطرية.. ربة منزل تقتل زوجها بالمرج.. وابن يقتل والدته بالمطقم.. أبرز الجرائم الأسرية خلال يونيو
وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٢٠، فإن عدد حالات الانتحار التى تسجل سنويًا، تبلغ نحو ٨٠٠ ألف شخص حول العالم، بواقع انتحار شخص كل ٤٠ ثانية، وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا الرقم يصل أحيانًا إلى مليون شخص سنويًا، الأمر الذى ينذر بوجود مشكلة حقيقية، فمع كل حالة انتحار هناك ما يقارب ٤٠ محاولة فاشلة لم تنته حياة أصحابها، كما أن أكثر من ٧٩٪ من حالات الانتحار فى العالم تقع فى الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل.
قتل زوج قعيد، زوجته البالغة من العمر ٥١ عامًا، بعدة طعنات فى منطقة الرقبة والصدر بمنطقة الزاوية الحمراء، ومن خلال الفحص والتحريات، تبين لرجال المباحث بالقاهرة أن زوجها قتلها بسكين بسبب خلافات مادية بينهما، طلبت على إثرها الطلاق من القاتل.
تلقى قسم شرطة المطرية، بلاغًا من المستشفى بوصول شخص فى العقد الرابع من العمر، بطعنة نافذة وفارق الحياة قبل إسعافه، وانتقل رجال المباحث إلى المستشفى، ومن خلال التحريات الأمنية تبين أن وراء ارتكاب الواقعة نجل الضحية يُدعى «يوسف»، ١٧ سنة، يعانى من مرض نفسى، وأنه سدد طعنة لوالده فى وجود والدة الضحية ونجل عمه.
أقدم زوج يبلغ من العمر ٢٩ عامًا، بمنطقة أبوالنمرس التابعة لمديرية أمن الجيزة، على قتل حماه بـ٣ طعنات نافذة أودت بحياته، بعد أن ذهب القاتل لمنزل القتيل لحل الخلافات الزوجية بينه وبين زوجته، ما أسفر عن مشادة كلامية حادة تدخل والد الزوجة مؤيدًا قرار ابنته برفضها العودة إلى منزل زوجها، مما تطور إلى حدوث مشاجرة أودت بحياة والد الزوجة.
قتلت ربة منزل زوجها المقاول فى منطقة المرج، بعد اكتشافها علاقته بسيدة أخرى عن طريق صورة شاهدتها على هاتفه، تم القبض على المتهمة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
شهدت منطقة البدرشين جريمة مأساوية، قام زوج يبلغ من العمر ٤٤ عامًا بقتل زوجته مدرسة، حيث كتم أنفاسها بالوسادة بعدما واجهته بعلاقته بسيدة أخرى وتوجه إلى عمله، ومن خلال تحريات العقيد هشام بهجت مفتش مباحث فرقة العياط والبدرشين تبين أن مشادة كلامية نشبت بين الضحية وزوجها، بعد اتهامها له بوجود علاقة عاطفية بينه وبين أخرى واتهمته بالخيانة، فما كان منه إلا قتلها بكتم أنفاسها مستخدمًا وسادة ثم توجه إلى مقر عمله ليبدو الأمر طبيعيًا.
نجحت الأجهزة الأمنية بالقاهرة، فى كشف غموض مقتل ربة منزل فى منطقة المقطم، حيث تبين أن وراء الواقعة نجل المجنى عليها بسبب خلافات بينهما، تم القبض على المتهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وأدلى المتهم باعترافات تفصيلية عن جريمته أمام رجال المباحث، موضحًا أنه يقيم مع والدته، وكانت تنزل للعمل نهارًا وتعود للبيت ليلًا، وخلال الأيام الأخيرة سيطر عليه الشك تجاه والدته، وعندما تحدث معها وقعت بينهما مشادة كلامية قام على إثرها باستلال سكين وطعنها به حتى سقطت أرضًا غارقة فى دمائها. أما خلال الشهر الذى سبقه، شهر مايو الماضى، فبلغت عدد الجرائم نحو ٣٦ جريمة من بداية الشهر حتى نهايته، قام بهذه الجرائم ٥٠ متهمًا، بينهم ٤ سيدات، وعدد ٤٦ رجلًا التى تلوثت أيديهم بدماء ضحاياهم، وكانت أبرز الجرائم الأسرية؛ أم تذبح أبنائها الثلاثة وهى الواقعة التى شهدتها قرية ميت تمامة التابعة لمركز منية النصر فى محافظة الدقهلية، كما قتل زوج زوجته بأبوالنمرس، وهى نفس الواقعة التى شهدتها الجيزة حين ألقت قوات الأمن القبض على سائق توك توك لاتهامه بقتل زوجته بسبب خلافات أسرية.
وفى الغربية، توجه فلاح بتحرير بلاغ لمركز قطور بمحافظة الغربية، بتغيب زوجته بعدما تركت المنزل وأخذت معها مصوغاتها الذهبية، وتم تشكيل فريق بحث لكشف غموض وملابسات الواقعة، وتوصلت التحريات إلى وجود شبهه جنائية وراء تغيب الزوجة، وبتكثيف جهود البحث اعترف زوجها بقتلها، حيث قام بخنقها وتكميم فمها وتوثيق يديها من الخلف وقام بدفن الجثة فى حظيرة المواشى. كما شهدت منطقة الصف فى الجيزة حادثة قتل زوج لزوجته وابنته ثم انتحاره، أما محافظة الشرقية فكانت على موعد مع جريمة أسرية حيث قتلت زوجه زوجها.
ألف منتحر حول العالم
تضعنا هذه الجرائم، أمام التساؤل المهم حول أسباب زيادة العنف داخل الأسرة واللجوء إليه كحل أساسى للمشكلات الأسرية المختلفة، دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى، وأكد خبراء الاجتماع ضرورة استعادة القيم والمبادئ والأخلاق التى تربى عليها المجتمع من خلال تكاتف كافة المؤسسات والجهات الإعلامية لتحقيق هذا الهدف، والحد من جرائم العنف التى نشهدها حاليًا.
سامية خضر: أغلب جرائم العنف والقتل ترجع بسبب الإدمان أو المرض النفسى
تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المجتمع يمر حاليًا بأزمة انفلات أخلاقى ودينى، وأصبح هناك خلل كبير فى سلوك الأفراد نتيجة التنشئة والتربية الخاطئة، فضلًا عن أزمة تعاطى المخدرات التى تؤثر على سلوك المتعاطى وتفكيره، مطالبة بضرورة القضاء على أماكن بيع المخدرات ومنع وصولها للشباب، فإن أغلب جرائم العنف والقتل ترجع بسبب الإدمان أو المرض النفسى، موضحة أن القيم التربوية والأخلاقية التى تربى عليها المجتمع غابت بشكل كبيرة، وكانت وسائل الإعلام والدراما شريك أساسى للأسرة فى نشر هذه القيم من خلال البرامج الدينية والاجتماعية وبرامج الأطفال التى تنمى المبادئ والسلوكيات التربوية السليمة.
وتواصل الدكتورة سامية، أن غياب القيم التربوية والأخلاقية ساهمت فى زيادة حوادث العنف والقتل داخل المجتمع فى الوقت الحالى، مشددة على ضرورة استعادة هذه القيم وخاصةً داخل الأسرة بتوفير الرعاية والاهتمام والتربية السليمة التى تساهم فى إخراج طفل سوى نفسيًا واجتماعيًا، مشيرة إلى أن الدراما ووسائل الإعلام لهم دور أساسى فى هذا الصدد، حيث أن الأعمال الدرامية خلال الفترة الماضية تحث على أعمال العنف والقتل بشكل ملحوظ، بما يؤثر على المواطنين سلبًا، فضلًا عن نشر الجرائم التى ترتكب على كافة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى لتؤثر على بعض الأشخاص بما يدفعهم للتقليد، فكانت الأفلام والمسلسلات والبرامج التليفزيونية قديمًا تساهم فى نشر القيم والأخلاق والمبادئ، ولابد من عودتها لإخراج أجيال سوية بما يحافظ على أمن واستقرار المجتمع.
كما توضح الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، أنه هناك حالة من العنف العام فى العالم أجمع، سواء نتيجة الصراعات والحروب الدولية والعنف مع المجتمع والتدنى الأخلاقى وعدم توقع الفعل ورد الفعل، وحالة القلق العام والأزمات الاقتصادية الطاحنة وعدم القبول الاجتماعى، بما يولد حالة من العنف، لافتة إلى أن تأثير الإعلام والدراما والمسلسلات والأفلام والأغانى تدعو للعنف، وتركز على الجانب الحيوانى للإنسان الخاص بالغرائر، ويبعد عن الجانب الرومانسى والإنسانى، ويجعلهم يحاولون تفريغها فى المجتمع.
وتتابع «هالة» أنه هناك حالة من العنف غير المبرر والعدالة لابد أن تكون ناجزة وسريعة، وعدم الخروج من الجرائم من خلال المحامين باستغلال الثغرات القانونية بما يؤجج العنف العام، مشيرة إلى أن الجريمة الأسرية مرتبطة بعدم التربية والمخدرات والأزمات النفسية، ونتوقع المزيد من العنف طالما هناك غياب للمعالجة للأسباب الاجتماعية سواء فى الخطاب الدينى أو القيم والأخلاق والتربية السليمة، بما يؤدى إلى عدم استقرار العلاقات السوية بين الناس، ولابد من الحديث عن تعزيز الجانب الإنسانى والدينى والتسامح، بما يحجم من مشاهد العنف والجرائم التى ترتكب فى حق الآخرين.
استشاريون اجتماعيون: اكتساب الخبرات طريق التصدى للانتحار
«حياتك غالية».. كلمتان لا بد أن يدركهما الكثير من الناس وخاصةً الشباب، فالحياة لا تنتهى مع الصدمات والأزمات المادية أو النفسية أو العائلية وغيرها، قد تكون هذه الأزمات صعبة جدًا ولا يستطيع أن يتحملها الأشخاص، ولكنه من المؤكد أن هذا الأمر سيمر بحل أو آخر بوجود المزيد من الوعى والفهم والصبر وليس بحل الأسرع وهو الانتحار.
قد يواجه الشباب أزمات نفسية معقدة يصعب على الآخرين فهمها، إلا أن محاولات التخلص من هذه الأزمات تبدأ من البحث عن المساعدة بشتى السبل، الأمر الذى يحتاج هذه الفئة المهمة من المجتمع إدراكه، دون النظر إلى الأمور مهما كانت صعبة أو سيئة بأن الحل يكمن فى التخلص من حياتك، التى تعد بمثابة فرصة لتصحيح المسار وحل الأزمات واكتساب الخبرات والصفات التى قد تغيب عن البعض والتقرب من الله، فلن يكون الانتحار حل للأزمات. بعد واقعتى انتحار شابين أحدهما من أعلى برج القاهرة والآخر بسيارته من أعلى كوبرى المنصورة، استشعرت النيابة العامة خطرٍ مُحدقٍ بالشباب لإقدام بعضهم على الانتحار فى هذه السنِّ الصغيرة، يأسًا من ضائقة مادية أو خلافات عائلية، فإنها تناديهم من واقع الأمانة التى تتحملها وتمثيلها المجتمع: «يا أيُّها الشبابُ لا تنخدعوا بمكر الشيطان بكم، وإيَّاكم والاستهانةَ بحياتكم بصورة قليلة العلم، عظيمة الذنب والجُرم عند ربِّكم، إيَّاكم أن تنهوا حياتكم بسبب فشلٍ أصابكم أو ضائقة حتمًا ستمُرّ، فهذا من العبث والاستهانة بحرمة حياتكم التى جعلكم ربَّكم حُرّاسًا عليها وحُماةً لها، وانظروا فيمَن حولَكم ممن ابتُلوا واختُبِروا بألوان المصائب والبلايا، فمنهم مَن رأى اللهُ منهم صبرًا ومغالبةً لأسباب حياتهم، وهذا هو المراد من ابتلائهم، فأنالهم أجرَ الصابرين بغير حساب».
وتابعت: «واعلموا أن ربكم محيطٌ بما قدره لكم فى علمه القديم، فلعل فى فشلكم نجاحًا، ولعل فى بلائكم فضلًا عظيمًا وفلاحًا، فتعلموا حينَها عظيمَ حكمةِ ربِّكم، وواسعَ رحمتِه وفضلِه عليكم، فإنَّ بعد العسر يسرًا، إنَّ بعد العسر يسرًا، وتهيب النيابة العامة بالكافة إلى نشر روح الأمل تلك بشتى الوسائل فى نفوس شبابنا، اجعلوها نداءً دائمًا لهم بأن الفشلَ أولُ طريقِ النجاح.
وقالت النيابة العامة، بتحقيقاتها فى واقعة وفاة شخص من أعلى برج القاهرة، إن يوم الواقعة توجه الشاب لمبنى برج القاهرة ودلفه منفردًا وصعد لقمته ورافقه أحد أفراد الأمن حينها، ولما طلب منه الأخيرُ المغادرةَ لانتهاءِ وقت الزيارة توجه صوب السور وقفز من أعلى البرج ولم يلحقْ به فردُ الأمن حينها، وكشفت التحقيقات مرور المتوفى بضائقة مالية بسبب أعبائه الشخصية التى تسببت فى ضغوط نفسية أصابته، ودوام الخلافات بينه وبين شقيقيه القائمين على مساعدته ماديًا بسبب ذلك، وتبين إرسال المتوفى رسالةً نصية قبل الواقعة يطلبُ فيها من آخر زيادةً فى مصروفه الشهرى، ورسالة أخرى لشخص آخر وقت تواجده بالبرج يخبره فيها بأنها آخر لحظات حياته.
أما عن واقعة وفاة شاب إثر سقوطه حال قيادته سيارة من أعلى كوبرى الجامعة بمركز طلخا، وقد تزامن ذلك مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام من أخبار متداولة بمواقع التواصل الاجتماعى حول الواقعة، منها عبارات منسوبة للمتوفى تضمنت رغبته فى التخلص من حياته، فتولت النيابة العامة التحقيقات، وخلصت النيابة العامة مرور المتوفى بضائقة نفسية على إثر خلافات عائلية هى سبب انتحاره.
الدعم النفسى
وبدوره، يقول الدكتور على عبدالراضى، استشارى العلاج والتأهيل النفسى، إن المنتحر قبل الانتحار يفقد الأمل فى المستقبل ويبدأ فى الحديث باستمرار عن إنهاء حياته، وقد يقوم بأمور مؤذية غير محسوبة قبل إقدامه على التخلص من حياته، مشيرًا إلى أن ما يحتاجه المقدم على الانتحار هو الدعم بأفكار جديدة عكس الأفكار السلبية والانتحارية التى تسيطر على تفكيره خلال هذه الفترة.
ويواصل «عبدالراضي» أن الدعم النفسى ضرورى جدًا للأشخاص المقدمين على الانتحار، ودعمهم بالأفكار الإيجابية الجديدة، والتأكيد على أهمية حياة كل شخص، والتصدى للأزمات وإكسابه مهارة حل المشكلات والتعامل مع هذه الأزمات بالشكل السليم المطلوب، واكتساب علاقات ذات معنى سواء مع النفس أو الأصدقاء أو بينه وبين الله عز وجل، ومعرفة دافع الحياة وأهمية البقاء.
الطلاق والطفل
كما توضح الدكتورة رحاب العوضى، أستاذ علم النفس السلوكى، أن الانتحار يرجع إلى الجزء المتعلق بالتربية والأسرة والمجتمع المحيط والتأثر بالدراما، وهناك جزء آخر وهو المرض العقلى مثل الاكتئاب ثنائى القطبين، وإن كان نسبته قليلة، مضيفة أن السبب النفسى أو الأسرى المتأثر بالمجتمع والظروف المحيطة يدفع البعض للانتحار كما هو يحدث، وخاصةً من الفئات ما بين ١٥ إلى ٢٩ عامًا.
وتستكمل «رحاب» أن مرحلة المراهقة تجعل الشباب والفتيات مرهفين المشاعر لم يخضوا التجارب الحياتية كثيرًا، لم يصطدم بالحياة وأزماتها، مؤكدة أن الآباء والأمهات عليهم دور كبير فى الدعم النفسى للأطفال وإخراجهم من دائرة المقارنة بالآخرين والتوقعات المرتفعة، فإن المشكلات الأسرية عامل أساسى للانتحار، والتربية غير السوية من الأصل، فيجب على الوالدين والمدرسين بالتعليم تهيئة الإنسان، وخاصةً المراهقين وإدراك أن الدنيا مكسب وخسارة ونجاح وفشل وسعى ووصول.