فى صورة نادرة للصفحة الأولي من الجريدة الماسونية المعروفة "التاج المصري" التي كانت تصدر في أربعينيات القرن الماضي، والتى أوردها د/هشام خلف فى مذكراته، تضمنت الصورة الخاصة بالجريدة مقال بقلم "سيد قطب" أحد مؤسسي فكر الإخوان والإرهاب في مصر بعنوان لماذا صرت ماسونيًا ؟! يؤكد خلاله على أن الماسونية هي بلسم للجراح، وهي الرجولة والإنسانية التي تدفع بالإنسان إلى عمل الخير دون وازع إلا وازع من وجدانه وضميره.
وجاء نص المقال كالآتي:
"كثيرا ما تمر على المرء سويعات يحلو له فيها أن يخلو إلى نفسه، إما مسترسلًا في الذكرى أو تائهًا في بيداء الفكر، لا يكاد يبدأ من ناحية ما حتى ينتهي إلى أخرى، وهكذا دواليك يظل متجولًا بفكره بين جنبات الماضي، متطلعًا إلى ميادين المستقبل؛ فإما حسرة وأسى على ما ولى وانقضى، وإما ابتسامة رضى وقنوع بما فات وانصرم.. ويلتقي هذا وذاك مع نظرة إلى المستقبل الغامض فيها أمل ورجاء لكن دون إسراف أو مبالغة.
كان ذلك منذ أيام حين تجاذبتني هذه العوامل وغمرتني لجة تلك الأحاسيس فكان أول سؤال قفز أمام عيني، وتجسم حتى طغى على من دونه.. ذلك السؤال هو {لماذا صرت ماسونيا؟}.. حاولت من هذا السؤال خلاصا بل من هذا الأمر فكاكًا.. إذ لست ابن بجدتها ولست فارس ذلك الميدان.. ولكن ذهبت محاولاتي إدراج الرياح فتوقفت لحظة بل لحظات حتى نسيت نفسي ونسيت أن هناك إجابة معلقة على أن أؤديها..
ثم لم ألبث حتى عجبت من أمر نفسي وسألتها لم هذه الحيرة وهذا التردد؟
فأجابتني السؤال سهل وميسور والجواب من القلب للقلب..
فعرفت عندئذ أني صرت ماسونيًا لأنني أحسست أن الماسونية بلسم لجراح الإنسانية..
طرقت أبواب الماسونية لأغذي الروح الظمأى بالمزيد من الفلسفة والحكمة، ولأقتبس من النور شعلة بل شعلات تضئ لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك.. ثم لكي أكون مجاهدًا مع المجاهدين وعاملًا مع العاملين.
لقد صرت ماسونيًا.. لأنني كنت ماسونيًا.. ولكن في حاجة إلى صقل وتهذيب.. فاخترت هذا الطريق السوي، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل.. فنعمت اليد ونعم البنائين الأحرار.
عرفت أن الماسونية ليست مبدأ أو مذهبا يعتنق، وإنما هي الرجولة والإنسانية التي تدفع بالإنسان إلى عمل الخير دون وازع إلا وازع من وجدانه وضميره، هي روح عالية نبيلة تسمو بالإنسان عن الصغائر وتنزهه عن الترهات والسفاسف ؛ هي المثل الأعلى لكل من ينشد كمالًا أو يبغي رفعة ومجدًا ؛ هي الفضيلة التي تنطوي على أسمى المعاني وأشرف المقاصد وأنبلها ؛ هي مبدأ الكمال ومنتهاه.
ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك واكتسب هذه الصفة في هذا الطريق.. وإنما الماسوني من يعمل ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان.. هو من يفتح قلبه للجميع يتساوى لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يواسي ذلك الذي تجهم له الدهر وعبس، ويمد يده لمن تنكب له الزمان وقسا.. هو من يذرف الدمع على البؤس والبؤساء ويبكي على الأشقياء والشقاء.. هو من يعمل الواجب لأنه واجب.. والخير لدواعي الخير.. دون أن يبغي من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح.. هو من ليس له حق وإنما عليه واجب.
الماسونية هي الوحدة التي تجمع بين مختلف الأديان ولا تعرف للتحزب معنى، ولن تجد لكلمة التعصب مكانا في شرعها، هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقصى الشرق أو أدنى الغرب.. هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع.. الصغير منهم والكبير أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه.. ويجلسوا جنبا إلى جنب.. دون نظر إلى فارق اجتماعي أو مركز أدبي.. ولا غرو في ذلك إذ أن دعائمها وأسسها مشيدة على الحرية والإخاء والمساواة.. فما أعظمها دعائم وما أقواها من أسس وما أبذلها من مبادئ.
وأخيرا لقد اطمأن قلبي بعض الشىء، وهدأت نفسي عن ذي قبل، وارتاح ضميري.. ولكنني مازلت أشعر أني مازلت المقصر المذنب في حق أنبل وأسمى مبدأ إنساني واجتماعي.. ولكن عذري في ذلك واضح ملموس إذ مازلت في مبدأ الطريق وسأترك للأيام والأيام وحدها أن تحقق أمنيتي فأنعم بأداء الواجب كاملا غير منقوص.. ولعلي أكون بهذا قد أرضيت نفسي، فعرفت لماذا صرت ماسونيا.
انتهى المقال ولست ضد الماسونية أو أى فكر لا يحمل السلاح، لكنهاحقيقة سيد قطب الإرهابى الذى كفر المجتمع (كتبها بقلمه).. أهديها إلي هؤلاء الجهلاء المغيبون الذين يسوقونهم باسم الدين الإسلامي.
اهتم الباحثون بأفكار سيد قطب لكنّهم لم يضعوا تحت مجهرهم المرأة في قلبه وما صنعت به وهو يقول: "عاد إلى داره موحش النفس مظلمًا كئيبًا، تجثم على صدره الكآبة، ويغشى نفسه الوجوم، وفي أعماقه سؤال غامض لا يسمح له بالظهور والوضوح: تراه أخطأ طريقه في هذا المشروع كلّه؟ وأنّ هذه الفتاة ليست له، لا هي ولا فتيات القاهرة جميعًا؟ إنّه يتطلب في فتاة أحلامه مفارقات لا تجود بها الحياة، يتطلب الحورية القاهرية المغمضة العينين، يتطلب الفتاة العذراء القلب والجسد، في زيّ قاهريّ، ويتطلب فيها الحساسية المرهفة والشاعرية المتوهجة، ومع هذا كلّه طيبة القلب وصفاء الروح".
تنضح من رواية قطب كراهية ظاهرة للقاهرة، وثقافتها، ونسائها، كان يبحث عن مثيلة أمّه، ابنة الصعيد، يبحث عمّن تمنحه الحبّ الأول والأخير..
ويقول: "تراه أخطأ الطريق، فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة، أم تراه أخطأ الطريق من أوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟ وفي مثل هذه الهواجس التي كان يصاحبها في نفسه، همّ ثقيل وهمود كئيب؛ لقد شعر بالفراغ والجفاف، وانتابه ما ينتاب المؤمن بعد الإلحاد، وما يصيب الصوفي بعد الضلال!
هذا سى السيد قطب من تعبدون أيها الإخوان