السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

أحمد فضل شبلول: المتنبي وأبونواس من أعلام الشعر العربي.. وأحب «أولاد حارتنا».. المشهد الثقافى فى تراجع مستمر الآن مقارنة بفترة السبعينيات والثمانينيات.. لم أمارس كتابة العامية إلا فى مناسبات قليلة جدا

الشاعر والروائي أحمد
الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الأديب والشاعر أحمد فضل شبلول إن المشهد الثقافى والمشهد الشعرى على وجه خاص كلاهما فى تراجع مستمر الآن مقارنة بفترة السبعينيات والثمانينيات، وأكد أنه يجب النظر إلى العلاقة الثقافية أو الأدبية بين الأدب والتكنولوجيا، وما تحدثه من تأثير على الثقافة بعامة وعلى ثقافة الأطفال بخاصة

وأضاف فى حواره مع « البوابة نيوز» أنه يتمنى طباعة أعماله الشعرية الكاملة التى أنجزها خلال خمسين عامًا، مشيرًا إلى أنه يكتب الآن رواية جديدة، إلى الحوار..

■ حدثنا عن ذكرياتك وكيف كانت النشأة الثقافية وكيف بدأ اهتمامك بالكتابة والشعر من الطفولة؟

- أحببت القراءة والكتابة منذ الصغر، كنت أقف عند بائعى الكتب والمجلات فى محطة الرمل ومحطة مصر بالإسكندرية، مبهورا بمنظر الكتب وأغلفة المجلات، وأحلم أن يصدر لى كتاب يحمل اسمى مثلما أرى أمامى كتبا لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وأنيس منصور ومصطفى محمود وغيرهم.. وهم الذين كنت أقرأ لهم إلى جانب مجلات الأطفال التى كانت تصدر فى ذلك الوقت مثل سمير وميكى وسندباد، ورغم أننى لم أكن أفهم بعض العبارات فى كتب هؤلاء الكبار فإننى كنت اقرأ لهم حيث كانوا ملء السمع والبصر.

وكان يقف بالقرب من حينا وهو حى محرم بك باعة كتب قديمة يضعون الكتب على عربات خشبية ويبيعون الكتب أو يؤجرونها، فكنت اشترى الكتاب بخمسة قروش، وعندما أعيده استرد أربعة قروش، أى كنت اقرأ الكتاب بقرش واحد، إلى أن بدأت أتعرف على مكتبة البلدية فى شارع منشا، فترددت عليها واستخرجت كارنيها للقراءة الداخلية ثم للاستعارة الخارجية المجانية.

هكذا بدأت قارئا نهما قبل أن أمسك القلم وأكتب. لقد دخلت عالم الكتابة من بوابة القراءة الأدبية الواسعة. وكانت أمى تشجعنى على ذلك خاصة فى العطلات الصيفية، وتعطينى مصروفا أكبر من مصروف بقية أخوتى لأشترى الكتب والمجلات. فبدأت حجرتى الصغيرة التى كانت مخصصة لى ولأخى محمد الأكبر منى تضيق بالكتب، التى بدأتُ أعير بعضها إلى أصدقائى وجيرانى الذين يحبون القراءة. وبدأت أكتب أسماء من أعيرهم كتبى فى كراسة خاصة حتى لا أنسى اسم من أخذ الكتاب الفلانى لأطالبه برده لى. وغالبا لا يرده.

فى هذا الجو نشأت قارئا، ثم بدأت أكتب الشعر معتمدًا على ما أسمعه من أغان عاطفية، وأعرض ما أكتبه على مدرس اللغة العربية فى مدرسة العطارين الإعدادية، فكان يشجعنى، ثم على مدرس اللغة العربية فى مدرسة العباسية الثانوية الذى نصحنى بالتوجه لقصر ثقافة الحرية. وهناك التقيت شعراء الإسكندرية الذين تتلمذت عليهم، خاصة الشاعر محجوب موسى الذى تعلمت على يديه علم العَروض. وبدأ اهتمامى يتجه لقراءة الشعر فى جميع عصوره، وفتنت بشعر نزار قبانى وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل وأحمد عبدالمعطى حجازى ونازك الملائكة، فقد كان شعرهم قريبًا لنفسى أكثر من الشعر الذى كنا ندرسه فى المدرسة.

وفى وقت تال بدأت اهتم بالشعر القديم بغرض التأسيس والتمكن، فكنت أجمع بين قراءة الشعر المعاصر وقراءة الشعر القديم.

■ كيف بدأت مرحلة التكوين لديك فى كتابة الشعر؟

- عندما اتجهت لقصر ثقافة الحرية فى الإسكندرية وجدت مجتمعا أدبيا راقيا، وندوة أسبوعية للشعر الفصيح، هى ندوة الأحد، وأخرى للزجل وشعر العامية وكانت يوم الأربعاء من كل أسبوع. ولكن اهتمامى كان منصبا على ندوة الأحد التى جعلتنى أكثر تمكنا فى الشعر الفصيح، ولكن فى وقت لاحق بدأت الاهتمام أيضا بالزجل وشعر العامية، خاصة عندما كان عبدالرحمن الأبنودى يأتى إلينا فى الإسكندرية، وفؤاد قاعود وغيرهما، لكننى لم أمارس كتابة العامية إلا فى مناسبات قليلة جدا، مثلما كتبت الأغانى فى مناسبات أخرى قليلة، لكن التركيز الأكبر كان على الشعر الفصيح بلونيه العمودى والتفعيلى، ولكن وجدت نفسى ترتاح أكثر للشعر التفعيلى فتماديت فى كتابته، ونشره فى بعض المجلات المصرية والعربية، عندما كنت طالبا فى كلية التجارة جامعة الإسكندرية، ثم أصدرت أول ديوان لى عام ١٩٨٠ بعنوان «مسافر إلى الله» يحتوى على بعض القصائد الصوفية التى كان يجمعها خيط مشترك، وتمت مناقشته فى أكثر من ندوة، وأهديت نسخة منه للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور فى مكتبه بهيئة الكتاب، فقرأه ونصحنى بقراءة شعراء التصوف من أمثال فريد الدين العطار وجلال الدين الرومى والحلاج وابن الفارض وغيرهم.

■ من أبرز الشعراء الذين أثروا فكريا عليك؟ وما أبرز القصائد التى شكلت وعيك فى مرحلة التكوين؟

- كما ذكرت من قبل أنا بدأت بقراءة الشعر المعاصر قبل أن أقرأ قصائد الشعر القديم، على عكس ما كنا ندرسه فى المدارس الإعدادية والثانوية، وهذا التدرج فى القراءة أعتبره تدرجا طبيعيا لى. فقد كان الشعر القديم وألفاظه غير مفهومه ولم نكن نتعامل معها بارتياح ولم نكن نحس بها، وكنا نتفاعل مع قصائد الشعر المعاصر أكثر، ولكن كان لا بد من العودة إلى القديم لنعرف مسيرة الشعر العربى، وأهم أعلامه وشعرائه، فكان مجنون ليلى ثم كانت الوقفة الأكبر عند المتنبى ثم أبوفراس الحمدانى، وكلاهما وجهان متضادان، ثم كانت وقفة أخرى عند أبى نواس وعمر بن أبى ربيعة، ومررت على معظم شعراء العصور العربية، قبل أن أشارك فى تحرير بعض المعاجم الأدبية والموسوعات الثقافية.

ولا توجد قصائد معينة شكلت وعيى فى مرحلة التكوين، فقد كنت مثل الفراشة اتنقل بين الزهور والحدائق والبساتين الشعرية اقرأ لهذا وأحفظ لذاك ثم أنسى، ولكن جذبتنى بقوة قصيدة الحُمى للمتنبى تلك القصيدة الإنسانية التى عشت معها ومع مفرداتها طويلا، لدرجة عندما قرأت قصائد أخرى عن الحمّى بعد ذلك لشعراء من أمثال على أحمد باكثير وغازى القصيبى كتبت دراسات أوازن فيها بين حمى المتنبى وحمى باكثير وحمى القصيبى.

■ من أبرز الشعراء الذين تحرص على متابعة أعمالهم على الساحة الآن؟

- أخذتنى الرواية فى السنوات الأخيرة، وأصدرت ست روايات حتى الآن هى: رئيس التحرير، وثلاثية العشق «الماء العاشق، واللون العاشق، والحجر العاشق» والليلة الأخيرة فى حياة محمود سعيد، والليلة الأخيرة فى حياة نجيب محفوظ، وأكتب رواية جديدة الآن، لا أريد أن أفصح عن أجوائها، لأنها شكلت مفاجأة بالنسبة لى وأنا أكتبها.

وأصبحت أتابع الأعمال الروائية أكثر من الأعمال الشعرية، ولكن من الأسماء الشعرية التى أتابعها الآن الشعراء أحمد سويلم، فوزى خضر، حسن طلب، حسن شهاب الدين، جابر بسيونى، ومحمود عبدالصمد زكريا وغيرهم فى مصر. وأدونيس، محمد على شمس الدين، المنصف الوهايبى، المنصف المزغنى، عبدالكريم الخالقى، فاطمة بوهراكة، فاطمة بن محمود، ونزار بريك هنيدى وغيرهم على المستوى العربى.

■ ما أهم الأشعار أو الكتب التى تنصح الجمهور بقراءتها ولماذا؟

- لا توجد نصيحة فى هذا المجال، وكل قارئ يعرف جيدا ما تميل إليه نفسه، وما الذى يفضله عن غيره حسب اهتماماته وتخصصه سواء العلمى أو الأدبى، لأننى لو قلت مثلًا «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، لاعترض البعض، ولو قلت «قواعد العشق الأربعون» لإليف شافاق لوجدت رأيًا مخالفًا.

ولكن فى جميع الأحوال هناك أعمال مؤسِسة لا بد أن تُقرأ مثل «ألف ليلة وليلة» لأنها توسع الخيال والمدارك، وديوان المتنبى وديوان أبى نواس وديوان أحمد شوقى للوقوف على جمال اللغة العربية وقوتها وكيف تعمل من خلال النص الشعرى، وهناك المثنوى لجلال الدين الرومى، والفتوحات المكية لمحيى الدين بن عربى، وأعمال صلاح عبدالصبور وأمل دنقل وبدر شاكر السياب، وبصفة عامة فإن الأعمال كثيرة جدا جدا، ونحن نعيش عصر الانفجار المعرفى فى جميع المجالات، كما أننى أدعو إلى قراءة موسوعة الدكتور ثروت عكاشة «العين تسمع والأذن ترى» وموسوعة مصر القديمة وغيرها.

■ ما أبرز النصائح التى تقدمها لجمهور الشعر الآن؟

- أن يستمع إلى الشعر جيدا، وأن يقرأ الشعر أكثر، خاصة بعدما أصبح جمهور الشعر، مثل جمهور الفن التشكيلى، أى جمهور له طبيعة وذائقة خاصة.

■ ما رأيك فى المشهد الثقافى حاليًا والمشهد الشعرى على وجه خاص؟

- كلاهما فى تراجع مستمر، رغم كثرة المنتديات والندوات والمسابقات والمهرجانات والفعاليات، مقارنة بما كنا عليها فى سنوات السبعينيات والثمانينيات. كنا ننتظر اليوم الأول فى الشهر لنقتنى مجلات مثل إبداع والعربى والهلال وغيرها، اليوم نذهب عند بائعى الصحف والمجلات عدة مرات نسأل عن الأعداد الجديدة فلم نجدها إلا مصادفة ولا تصل إلى كل البائعين.

■ ما الأمنية الشعرية التى تتمنى أن تتحقق؟

- أتمنى طباعة الأعمال الشعرية الكاملة لى، والتى تحتوى على خمسة عشر ديوانا شعريا، سبق لها الصدور على مدى خمسين عاما، من دور نشر مختلفة، والديوانان الأخيران «الخروج إلى البحر» و«دفتر العقل» لم يصدرا بعد.

■ هل اختلف أدب الأطفال بين الماضى والحاضر؟

- أعتقد أن الكتَّاب العرب قادرون على مخاطبة أطفالهم بشكل واع، إذا غيروا من أساليب خطاباتهم العتيقة، واستطاعوا فهم احتياجات الأطفال وقدراتهم العقلية والذهنية والوجدانية، فأطفال منتصف القرن العشرين بالتأكيد غير أطفال بداية القرن الواحد والعشرين، الحياة نفسها تغيرت، وما كان يصلح للأمس قد لا يصلح اليوم.

وحتى يمكن التأثير على الطفل ينبغى أن نخاطبه من خلال الأشياء التى نعرف أنه يحبها، ويحب أن يتعامل معها، ليس فقط الأجهزة الإلكترونية والكمبيوتر وما إلى ذلك، ولكن أيضا الأساطير والسحر والخرافات، وهو ما التقطته بذكاء شديد المؤلفة الإنجليزية جى كى رولينج، فكتبت سلسلة روايتها «هارى بوتر»، ووجدنا أن الأطفال الذين كنا نعتقد أنهم لا يتعاملون إلا مع الأجهزة الإلكترونية، يقفون بالطوابير لحجز وشراء أى جزء جديد يظهر من «هارى بوتر»، وهى ظاهرة تستحق الدراسة على كل حال. فهى سلسلة ضد أدب التكنولوجيا، وتعيد إلى الأذهان أمجاد روايات السحر والسحرة والخرافة وألف ليلة وليلة، وما إلى ذلك، وكأن الطفل وهو يعيش عصر الكمبيوتر والإنترنت، فى حاجة أيضا إلى عالم الخوارق التى تعتمد على قوى غيبية أو سحرية، لذا كانت استجابته سريعة لهارى بوتر، والرجل العنكبوت «سبيدر مان»، ولعله لو قرأ ليالى «ألف ليلة وليلة»، و«كليلة ودمنة» لوجد فيها الكثير مما يحبه.

ولعلنا يجب الآن أن ننظر إلى العلاقة الثقافية أو الأدبية بين الأدب والتكنولوجيا، وما تحدثه من تأثير على الثقافة بعامة وعلى ثقافة الأطفال بخاصة.

■ ما أقرب ديوان شعرى لك إلى قلبك؟ وما قصيدتك المفضلة من بنات أفكارك؟

- أقرب دواوينى الشعرية لى هو الديوان الأول، وكأنه يمثل الطفل البكر فى العائلة، وهو ديوان «مسافر إلى الله»، الذى صدر عام ١٩٨٠، أما القصيدة التى أحبها فهي قصيدة «ميرامار» التى كتبتها مستلهما أول مقطع فى رواية «ميرامار» لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ، ويقول فيه على لسان عامر وجدى: «الإسكندرية أخيرا .. الإسكندرية قطر الندى، ونفثة السحابة البيضاء، ومهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع».

أما أنا فأقول:

إسكندريَّةُ ..

قطرُ الندى

ونفثةُ السحابةِ البيضاء

ومَهبطُ الشعاع

تعومُ فى ضياها

وتشرئبُ للسواحلِ التى فى خاطري

إسكندريَّةُ .. فى صباها

لؤلؤةٌ فى عُرْوَةِ البحار

وسَهْرةٌ فى "بنسيونِ ميرامار"

إسكندريَّةُ التى فى القلبِ ..

لا تنامُ فى الشتاءِ والربيعْ

لا تعرفُ الضبابَ والصقيعْ

هى ابنةُ الشموسِ .. وابنتى ..

حفيدتى .. صديقتي

تُبادلُ الغرامَ بالغرامْ

وتعزفُ الألحانَ والكلامْ

على شواطئِ الزمان

تمدَّدى على رمالِ صدرِنا

فصيفُكِ الجميلُ .. سَتْرُنا

تفتَّحى تحت الجفونِ والعيون

وانْزَلِقِى كلاعبِ الباليهِ فى الخيال

لا تقفى مثلَ التماثيلِ على الكورنيشِ

ووزِّعى سحرَ الجمالِ والدلال

على عبادِكِ المرابطينَ فى المنار

إسكندريَّةُ العناقُ والقيثار

تلألئى كما النجومِ فى جبينِ التاج

واغْترفِى من حُبِّيَ الوهَّاج

فها هى البلادُ تنحنى ..

لمجدِكِ الجديدِ والقديم

لا تتأوْرَبى ..

أو .. تتأمْرَكى ..

لا تَتَعَوْلَمى ..

بَلْ .. تَسَكَنْدري

فى مِشْيَةِ العصارى ..

تَسَمْهَرِى ..

تَعَمْلَقى .. عبرَ القرونِ القادمة

تنفَّسى صبحًا من الخيولِ فى السحاب

99
99
100
100