كثفت الصين اهتمامها فى الآونة الأخيرة، بمنطقة القرن الأفريقى، بعدما عقدت مؤتمر يجمع دول شرق القارة السمراء فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نهاية يونيو المنصرم، فى الوقت الذى تنشغل فيه القوى الكبرى فى العالم بالصراع الدائر فوق الأرض الأوكرانية منذ فبراير الماضي.
وفى هذا الإطار سلطت صحيفة «فورين بوليسى» الأمريكية، الضوء على الاهتمام الصينى بالوساطة لحل النزاع فى القرن الأفريقى، موضحة أن مؤتمر السلام والحكم الرشيد والتنمية بين الصين والقرن الأفريقى، والذى عقد فى أديس أبابا، يشير إلى تحول بطيء فى سياسة بكين، ولكنه مهم ويتناقض مع سياستها التاريخية المعلنة بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، فى ظل فقدان الولايات المتحدة نفوذها فى مناطق معينة، لتبدأ الصين لعب دور كان من الممكن تجنبه لحماية مشاريعها الاقتصادية.
وقالت «فورين بوليسى» إنه يمكن اعتبار إثيوبيا رائدة فى مبادرة الحزم والطريق، حيث بلغت الاستثمارات الصينية فى إثيوبيا حوالى ١٦ مليار دولار بين عامى ٢٠٠٠ و٢٠٢٠، وتدشن حاليا حوالى ٤٠٠ مشروع، وتحتكر أيضا النفط فى السودان وجنوب السودان، وتقع القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة فى القارة فى جيبوتى، والتى تعمل منذ عام ٢٠١٧.
وقال شيويه بينج، المبعوث الصينى الأول للقرن الأفريقى، لمسئولى الدول الذين حضروا المؤتمر، إنه رغم أن احتمال الانتشار العسكرى الصينى غير مرجح فى القرن الأفريقى، ستحاول الصين جلب القادة إلى طاولة المفاوضات.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه لا تواجه المنطقة أزمة أمنية فحسب، بل تواجه أيضًا نقصا فى الغذاء بسبب واحدة من أسوأ حالات الجفاف منذ أربعة عقود، وحذر برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة مؤخرًا من أن ١٥ مليون سودانى، نحو ثلث السكان، يواجهون حاليا انعداما حادا فى الأمن الغذائى، وفى جنوب السودان، نزح حوالى ٢ مليون شخص داخليا ويعيش ٢.٣ مليون شخص كلاجئين، لكن مع تحويل الدول للميزانيات لمساعدة أوكرانيا، وقال برنامج الأغذية العالمى إنه علق المساعدة لحوالى ١.٧ مليون شخص فى جنوب السودان بسبب التخفيضات الكبيرة فى التمويل من المانحين العالميين.
وتابعت الصحيفة أن التوترات الأخيرة بين أديس أبابا والخرطوم، زادت من التوتر فى القارة، بعدما أعدم الجيش الإثيوبى ٧ جنود سودانيين ومدنى، واستدعت الخرطوم سفيرها لدى إثيوبيا، وعودة القتال بسبب مثلث الفشقة الحدودى، بالإضافة إلى التوترات بشأن بناء إثيوبيا لسد النهضة الإثيوبى على نهر النيل.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن نفوذ واشنطن بالقرن الأفريقى يتلاشى بعد مغادرة اثنين من مبعوثى القرن الأفريقى بعد فترات قصيرة للغاية، وترك ديفيد ساترفيلد منصبه فى أبريل بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه، وغادر جيفرى فيلتمان، أول مبعوث للإدارة الأمريكية فى القرن الأفريقى، يناير الماضى بعد أقل من عام، بدورها، فإن إثيوبيا، التى واجهت عقوبات قاسية من الولايات المتحدة بسبب الصراع فى تيجراى، لم تعد ترى واشنطن كوسيط محايد.
وأشار المبعوث الصينى فى خطابه إلى قضايا العرق والدين والحدود المعقدة والمتشابكة فى المنطقة، وأشار إلى أنه يمكن أن يكون من الصعب التعامل معها، حيث يعود العديد منها إلى الحقبة الاستعمارية.
ولفتت «فورين بوليسى» إلى أن الصين قدمت ١.٢ مليار دولار لتمويل بناء سد النهضة، علاوة على ذلك، تميل الصين إلى دعم الحوار السياسى دون فرض نتائج وتفضل الدبلوماسية الناعمة على العقوبات، الأمر الذى يخدم مصالح إثيوبيا، ومع ذلك فإن طموحات الصين فى أن تكون صديقة لجميع الأطراف يمكن أن تنهار فى النهاية، وليس من الواضح ما إذا كانت بكين ستحقق نجاحا أكبر عندما يتعلق الأمر بالصراعات الداخلية فى إثيوبيا.
وكانت الصين عينت مبعوثا خاصا لها إلى القرن الأفريقى هو شيويه بينج، ونظم أول مؤتمر يجمع دول القرن وانعقد يومى ٢٠ و٢١ يونيو الماضى، فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة مسئولين من إثيوبيا، وجيبوتى، وكينيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، وأوغندا، بينما غابت إريتريا.
وتموج منطقة القرن بصراعات مسلحة أبرزها الحرب فى إثيوبيا وإرهاب حركة الشباب فى الصومال، ونذر حرب جديدة بين تيجراى وإريتريا، بالإضافة إلى أزمة السد الذى تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق ويهدد دولتى المصب مصر والسودان بالعطش.
وحينما سئل المبعوث الصينى الخاص، شيويه بينج، عن سبب غياب إريتريا عن المؤتمر، كانت الإجابة أن «أسمرة» أعلنت وجود مشكلات فنية تمنع حضورهم المؤتمر، ولكن يبدو أن الخلافات الأخيرة بين رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، والرئيس الإريترى أسياسى أفورقى، حالت دون تلبية الأخيرة الدعوة الصينية لحضور المؤتمر فى أديس أبابا، التى عانى فيها مواطنو إريتريا من ملاحقة الأمن الإثيوبى لهم خلال الأشهر القليلة الماضية.