مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية فى الولايات المتحدة، وفى ظل الانقسامات المتزايدة، سياسيًا وشعبيًا، يعود إلى الواجهة طرح انفصال ولايات عن الاتحاد لتصبح ذات سيادة، ومؤخرًا دعا أنصار للحزب الجمهورى فى تكساس إلى إجراء استفتاء بشأن انفصال الولاية عن الولايات المتحدة، فى عام ٢٠٢٣.
وحذر تقرير صحفى نشرته صحيفة «ذا أتلانتيك» من أن الضغط على وحدة الولايات سيستمر خلال هذا العقد، بسبب الانقسام المتزايد بين الديمقراطيين والجمهوريين.
ويرى الحزب الجمهورى فى تكساس أن الرئيس جو بايدن هو الرئيس بالإنابة، لأنه لم يفز بطريقة قانونية، وكما ينص برنامج الحزب، المعتمد حديثًا، على أنه يجب على تكساس التصويت على الانفصال.
واستند كاتب المقال، رونالد براونشتاين، إلى استنتاجات الخبير الاستراتيجى ورئيس المحللين فى معهد التحليل والدراسات الاقتصادية، مايكل بودهورزر، الذى قال: «عندما نفكر فى الولايات المتحدة، فإننا نرتكب خطأ جوهريًا فى اعتبارها أمة واحدة، مزيجًا رخاميًا من الشعب الأحمر والأزرق، ولكن فى الحقيقة لم نكن أبدا أمة واحدة. نحن أشبه بالجمهورية الفيدرالية، التى تتكون من دولتين: زرقاء وحمراء. هذه ليست استعارة، إنها حقيقة جغرافية وتاريخية».
وأوضح «براونشتاين»، أن كل هذا يغذى ما أسميه الاختلاف الكبير بين الدولتين الزرقاء «الديمقراطيون» والحمراء «الجمهوريون». هذا الاختلاف فى حد ذاته يضع ضغطًا لا يصدق على تماسك البلاد.
كما يشير المؤلف، إلى أن «بودهورزر» لا يتنبأ بحرب أهلية جديدة للولايات المتحدة، لكنه يحذر من أنه فى عشرينيات القرن الحالى، من المرجح أن يستمر الضغط على الوحدة الأساسية للبلاد.
وقال «براونشتاين» إن الاختلاف المتزايد والعداء بين الدول الحمراء والزرقاء هى السمة المميزة لأمريكا فى القرن الحادى والعشرين. هذا تغيير مهم عن منتصف القرن العشرين، عندما كان الاتجاه الرئيسى هو التقارب العام.
ويشير المؤلف إلى أنه من وجهة نظر «بودهورزر» فإن الانقسام المتزايد يعنى أنه بعد فترة من ضبابية الاختلافات، سيأتى وقت تطفو فيه الخلافات الجوهرية، التى تعود إلى تأسيس الدولة ذاتها.
وحسب وجهة نظر ليليان ماسون، أستاذة العلوم السياسية فى جامعة جونز هوبكنز، فإنه ومع اتساع الصدع بين قسمى البلاد، هناك مخاطر بحدوث اضطرابات عميقة بالفعل اضطرابات اجتماعية يتجاوز تأثيرها المشاعر والآراء بل قد تمس استقرار البلاد.
وهناك من يتحدث عن كون الولايات المتحدة ليست أمّة، مؤكدين أنه لا تجمعها قصة وطنية أو إجماع وطنى ولا حتى هوية، وبالتالى يرون أن موضوع تفككها هو حتمية تاريخية بمرور الزمن.
ويمكن هنا العودة إلى مقال للمتخصّص بدراسات الأمن القومى، ديفيد ريب، والذى جاء بعنوان «الانفصال القومى باهظ الثمن، لكنّه يستحقّ كل بنس»، ويحثّ فيه أن أمريكا الحمراء «الجمهوريين» على التفكير فى الاستقلال لنفسها، اقتصاديًا وثقافيًا، وما يتطلّبه الأمر للوصول إلى ذلك الهدف، ويتساءل: «ما الذى تَبقّى، ويمكن للأغلبية العظمى من المواطنين الأمريكيين التجمّع حوله؟».
أيضًا، يتبنى بعض الأصوات، التى تتحدث عن التفكك أو الانفصال، منطقًا مُغايرًا يتعلق بأن الانفصال قد يكون حلًا لمنع حدوث حرب أهلية، تأسيسًا على تصاعد منسوب العنف وخطاب الكراهية المجتمعية، على خلفية كثير من القضايا المحلية، التى يدور حولها الانقسام.
وفى تكساس، يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية أضرّت بحق الولاية فى الحكم الذاتى المحلى، نظرًا إلى ما تتمتع به من موارد، ولا سيما فى مجال الطاقة، وهنا، تأتى دعوات الانفصال من خلفية، مُفادها أن تكساس قادرة على أن تكون دولة منفصلة، فيما يتعلق بمواردها تحديدًا.
يذكر أن الدعوات إلى الانفصال ليست جديدة فى تكساس وعدد من الولايات الأخرى، وعلى رأسها كاليفورنيا الديمقراطية، لكن أهمية المطالبة اليوم، هى بالنسبة إلى التوقيت، فى عصر الاستقطاب المتزايد. كما أن المستوى السياسى، وحتى المستويين الأمريكيَّين، العسكرى والأمنى، تأخذ هذه الدعوات بصورة جدية، وخصوصًا أنها يمكن أن تخلق صراعًا مسلحًا بين ميليشيات وعصابات وحركات، فى ظل أزمة موازية تعيشها الولايات المتحدة، من ناحية انتشار السلاح.