أعلنت الفاتيكان، برئاسة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية في العالم، عام ٢٠٢٥ عام اليوبيل الفضي لحجاج الرجاء.
وذكر البابا فرنسيس في بيانه: كان اليوبيل دائمًا حدثًا ذا أهمية روحيّة وكنسيّة واجتماعيّة كبيرة في حياة الكنيسة. منذ أن أسّس بونيفاشيوس الثامن، في عام ١٣٠٠، السنة المقدسة الأولى – على أن يعود اليوبيل مرة كلّ قرن، ثم أصبح بحسب ما ورد في الكتاب المقدس، كلّ خمسين سنة، ثمّ أصبح كلّ خمس وعشرين سنة - عاش شعب الله المقدّس المؤمن هذا الاحتفال واعتبره عطية ونعمة خاصة، تتميّز بمغفرة الخطايا، ولا سّيما بالغفران، الذي يعبّر بصورة كاملة عن رحمة الله. المؤمنون، في نهاية رحلة حج طويلة، غالبًا ما أتوا يستمدون من كنز الكنيسة الروحي، بعبورهم بالباب المقدّس وبتكريم ذخائر الرسولَين بطرس وبولس المحفوظة في كنائس روما. لقد وصل الملايين من الحجاج، على مر القرون، إلى هذه الأماكن المقدسة وقدّموا شهادة حية للإيمان الدائم.
وأضاف البابا فرنسيس ، أدخل اليوبيل الكبير لعام ٢٠٠٠ الكنيسة في الألفية الثالثة من تاريخها، حيث كان القدّيس يوحنا بولس الثاني قد انتظر طويلًا ورغب في ذلك، على أمل أن يتمكّن جميع المسيحيّين، بعد أن يتغلّبوا على الانقسامات التاريخيّة، من أن يحتفلوا معًا بألفي عام لميلاد يسوع المسيح، مخلّص البشريّة. الآن اقتربت تتمة السنوات الخمس والعشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين، ونحن مدعوون إلى أن نقوم بتحضير يسمح للشعب المسيحي أن يعيش السنة المقدّسة بكلّ ما تحمل من إمكانيات رعويّة. ومن هذا المنطلق، كانت مرحلة يوبيل الرحمة الاستثنائي مهمة، لأنّها سمحت لنا بأن نكتشف من جديد كلّ قوّة وحنان محبّة الآب الرحيم، لنكون بدورنا شهودًا لها.
وأشار إلى أن العامَين الأخيرَين، لم يكن هناك بلد لم يهتّز من الجائحة المفاجئة، فبالإضافة إلى رؤيتنا لمأساة الموت في العزلة، وإلى الشكوك وإلى الحياة المهدَّدة في كلّ لحظة، غيّرت الجائحة طريقتنا في الحياة. بكوننا مسيحيّين، تألّمنا معًا مع جميع إخوتنا وأخواتنا من نفس المعاناة والقيود. بقيت كنائسنا مغلقة وكذلك المدارس والمصانع والمكاتب والمتاجر والأماكن المخصّصة لأوقات الفراغ. ورأينا جميعًا الحدود التي وُضِعَت لبعض الحرّيات. والجائحة، بالإضافة إلى الألم، أثارت في نفوسنا أحيانًا الشّك والخوف والضياع، مؤكدًا أن العالم سيكتشف من جديد إيقاعاته في العلاقات الشخصيّة والحياة الاجتماعيّة. وسيكون تحقيق ذلك سهلًا بمقدار ما يكون التضامن بيننا فعّالًا، فلا تُهمَل الشعوب الفقيرة، بل يتم إشراكها في كلّ الاكتشافات العلميّة والأدويّة الضروريّة.
وشدد البابا فرنسيس ، على أن نحافظ على شعلة الرّجاء التي تسلمناها مشتعلة، وأن نفعل كلّ ما يلزم حتّى يستعيد الجميع القوّة واليقين لينظروا إلى المستقبل بروحٍ منفتحة، وقلبٍ واثقٍ وعقلٍ بعيد النّظر. يمكن لليوبيل القادم أن يساعد كثيرًا لإعادة خلق مناخٍ من الرّجاء والثّقة، علامةً على ولادةٍ جديدة نشعرُ كلّنا بالحاجة إليها. لهذا اخترت شعار ”حُجَّاج الرّجاء“. كلّ هذا سيكون ممكنًا إن استطعنا أن نستعيد الشّعور بالأخوّة العالميّة، وإن لم نغمض أعيننا أمام مأساة الفقر المتفشّي الذي يمنع الملايين من الرّجال، والنّساء، والشّباب والأطفال من أن يعيشوا بطريقة تليق بالإنسان. أفكّر بشكلٍ خاصّ في اللاجئين العديدين الذين أُجبروا أن يتركوا أرضهم. لنصغ إلى أصوات الفقراء في هذا الوقت المخصّص للتّحضير لليوبيل، الذي يُعيد لكلّ واحدٍ إمكانية الوصول إلى غلال الأرض، بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس: "ولْيَكُنْ سَبتُ الأَرضِ طَعامًا لَكَ ولِخادِمِكَ وخادِمَتِكَ وأَجيرِكَ وضَيفِكَ المُقيمينَ معَكَ، وتَكونُ جَميعُ غَلاَّتِها طَعامًا لِبَهائِمِكَ ولِلوُحوشِ الَّتي في أَرضِكَ" (الأحبار 25، 6-7).
وتابع ا: أُوكل إليك، أيّها الأخ العزيز، المسؤوليّة في أن تَجِد الأشكال المناسبة، حتّى تتمكّن من التحضير للسّنة المقدّسة والاحتفال بِها بإيمانٍ عميق، ورجاءٍ حيّ ومحبّةٍ فاعلة. إنّ المجمع الذي يعزّز البشارة الجديدة يعرف أن يعمل من وقت النّعمة هذا، مرحلة مهمّة لرعويّة الكنائس الخاصّة، اللاتينيّة والشرقيّة، والتي دُعيت في السّنوات الأخيرة إلى أن تكثّف التزامها السّينودي. من هذا المنظور، سيكون حَجّنا نحو اليوبيل قادرًا أن يقوّي ويعبّر عن المسيرة المشتركة التي دُعيت الكنيسة لتقوم بها، حتّى تكون، دائمًا أكثر ودائمًا أفضل، علامة وأداة للوَحدة في الانسجام مع التنوّع. سيكون من المهمّ أن نساعد في إعادة اكتشاف متطلبات الدّعوة الجامعة إلى المشاركة المسؤولة، بتقدير المواهب والخِدمات التي لا يتوقّف الرّوح القدس أبدًا عن إعطائها لبناء الكنيسة الواحدة. إنّ الوثائق المجمعيّة الأربع بصفة ”دستور“ الصادرة عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، وما صَدَرَ عن السُّلطة التعليميّة في العقود الماضيّة، ستستمر في توجيه وإرشاد شعب الله المقدّس، حتّى يتقدّم في رسالته ويحمل إلى الجميع بُشرى الإنجيل السّارة.
واستطرد: بحسب التّقليد، إنّ وثيقة إعلان سنة اليوبيل، التي سَتَصدُر في الوقت المناسب، ستحتوي على المعلومات اللازمة للاحتفال بيوبيل سنة 2025. في وقت التحضيرات هذا، يُسعدني من الآن أن أفكّر أنّه سيكون من الممكن تخصيص السّنة التي تسبق حدث اليوبيل، سنة 2024، لتكون ”سيمفونيّة“ صلاة كبيرة. أوّلاً، من أجل استرجاع الرّغبة في أن نبقى في حضرة الرّبّ يسوع، ونصغي إليه ونسجد له. ثمّ الصّلاة، حتى نشكر الله على عطاياه الكثيرة لمحبّته لنا ونسبّح عمله في الخليقة، التي تُلزم الجميع بالاحترام والعمل الملموس والمسؤول من أجل الحفاظ عليها. إنّها صلاةٌ مِثل صوتِ ”قَلبٍ واحِدٍ ونَفْسٍ واحِدة“ (راجع أعمال الرّسل 4، 32)، والتي يُعَبَّرُ عنها بتضامن وبالمشاركة في الخبز اليوميّ. إنّها صلاةٌ تسمح لكلّ رجلٍ وامرأةٍ في هذا العالم أن يلجأوا إلى الله الأوحد، ليعبّروا له عمَّا هو كامن في سرِّ قلوبهم. صلاةٌ هي الطّريق الرّئيسي نحو القدّاسة، تقودنا إلى أن نعيش حياة التأمّل، حتّى في وسط العمل.
أطلب من سيّدتنا مريم العذراء أن ترافق الكنيسة في مسيرة التّحضير لحدث نعمة اليوبيل، ومع شكري أُرسل من قلبي بركتي الرسوليّة إليك وإلى معاونيك.