صدر حديثا للناقد الأدبي الدكتور أحمد يوسف علي، كتاب جديد بعنوان: "ابن الرومي.. الصوت والصدى في النقد القديم"، عن دار الربي للنشر، وهو قراءة تحليلية نقدية ذات بعد ثقافي وحضاري، يقرأ الإنسان ويتأمله، مثلما يقرأ النصوص ويتأملها بثاقب فكر وعمق بصيرة.
ويعد هذا الكتاب محاولة للتعرف على إجابة سؤالين: ما صوت ابن الرومي؟ وما صداه في النقد العربي القديم؟ والحق أنها تجربة فريدة في قراءة سياق تلقي شعر ابن الرومي بدءا من القرن الثالث الهجري الذي عاش فيه، حتى القرن العشرين الذي شهد اهتماما به لدى مدرسة الديوان.
ويقول المؤلف، إنه لم يشغله شاعر من الشعراء العرب قدر ما شغله ابن الرومي. والسبب أنه - على المستوى الإنساني- جدير بالتعاطف معه، فقد ظلمه كل مَن عاصروه ومَن أتوا بعده وساروا على نهج السابقين، متأثرين بما قالوه عنه، أو ما سجلوه من مواقف، أو ما أصدروه من أحكام، ولم يكلف أحد منهم نفسه مجرد الشك فيما يقرأ أو يسمع أو ينقل إليه، ومع أن الناس كل الناس لا تجتمع على باطل، فيبدو أن حالة ابن الرومي هي الحالة التي اجتمع الناس فيها على الباطل.
عُرف عن ابن الرومي التشاؤم وحدّة الهجاء والتطيُّر، ولم يفكر أحد في سبب إلصاق هذه الصفات به: هل هي صفات صنعها الظرف الاجتماعي والسياسي قبل أن تكون صفات شخصية مردُّها خلل ما في شخصيته؟ وفي المقابل لم تشفع له موهبته المدهشة ولا ثقافته الراقية ولا رؤيته الثاقبة للناس والحياة والأحياء، بل صارت كل هذه الجوانب الإيجابية وَبالا عليه، ونقمة لازمته في حياته وبعد حياته، ضيق عليه الناس في الرزق وأبعدوه عن مكانة هو جدير بها في السلم الاجتماعي، وراح يعاني شظف العيش والحرمان من أبسط احتياجات الإنسان. وكان غيره من شعراء زمانه - مثل البحتري- يرفل في النعيم ويمشي في موكب أشبه بموكب الخليفة وكبار القوم، لأنه أتقن ما لم يقو على إتقانه ابن الرومي وهو ما نسميه في زمننا هذا-من قبيل تحسين القبيح – الذكاء الاجتماعي، وهو في حقيقته النفاق بكل ألوانه السياسية والاجتماعية.