أثار استحداث وزارة للشئون الرقمية في تايوان تساؤلات حول دور الحكومة في ضبط المعلومات المضللة، التي كلفت بها وكالات حكومية مختلفة سابقا، ومهام ومسؤوليات هذه الوزارة، وعلى الرغم من أن مكافحة المعلومات المضللة لا تقع رسميا ضمن حدود واختصاصات هذه الوزارة، إلا أن ثمة تكهنات تشير إلى توليها التعامل مع هذه القضية.
ووفقا لمجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشئون الآسيوية، فقد جرى تكليف أودري تانج، المعروف على نطاق واسع بلقب "الوزير الرقمي"، بتولي هذه الوزارة، إلا أن القرار النهائي بشأن من سيرأس الوزارة الجديدة لم يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام التايوانية.
وترى مجلة "ذا ديبلومات" أن السبب وراء استحداث هذه الوزارة يعود لانتخابات عام 2018 المحلية في تايوان، لافتة إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية دفعت أيضا نحو إنشاء هذه الوزارة.
وأضافت المجلة أنه في أعقاب فوز الحزب التقدمي الديمقراطي (DPP) في تايوان في انتخابات عام 2018؛ ظهرت ادعاءات بحدوث تدخلات أجنبية في العملية الانتخابية، وبخاصة من جانب الصين، وحينها، أوصت إحدى لجان مكافحة المعلومات المضللة حديثة الإنشاء لجنة الانتخابات المركزية بالترويج لمشروعي قانونيين يهدف أحدهما إلى حظر الدعم الأجنبي للحملات الانتخابية، بينما يهدف الآخر إلى السماح باستصدار إنذارات قضائية ضد الإعلانات المضللة؛ وقد قوبل كلا المشروعين بالرفض.
ويقول كاو شي-شيوان، الباحث السياسي المستقل المهتم بالشؤون التايوانية، إن "فكرة إنشاء هيئة رسمية تختص وحدها بالتعامل مع المعلومات المضللة قد تكون خطوة غير مرحب بها، إن لم تكن بمثابة انتحار سياسي"، مضيفا أنه بعد عقود من تطبيق الأحكام العرفية أصبح الشعب التايواني ينفر بفطرته من فكرة الدعاية التي تقودها الحكومة.
وفي سياق حديثه عن قرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي العام الماضي بإنشاء مركز لمكافحة المعلومات المضللة تحت إدارة مجلس الأمن القومي والدفاع، ذكر شيوان، الذي سبق له العمل لدى بإحدى المراكز البحثية التايوانية المهتمة بمكافحة المعلومات المضللة، أن مثل هذه الخطوة لن تكون عملية أو مقبولة بالنسبة لتايوان.
كما أعرب بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني عن مخاوفهم بشأن تجاوزات الحكومة في هذه المسألة؛ ففي إحدى ملتقيات الهاكاثون (حدث يلتقي فيه أشخاص تجمعهم نفس الاهتمامات لتبادل الخبرات أو اقتراح حلول لمشكلة ما) المنعقدة في أبريل الماضي بمدينة "تاينان" التايوانية، أشار أحد المشاركين إلى إحجام الحكومة الحالية برئاسة تساي إينج ون عن سن قانون لمكافحة الأخبار الكاذبة.
وفي مقارنته قرار الرئيس الأوكراني بتعليق عضوية 11 حزبا سياسيا مواليا لروسيا بمناقشات القضاء التايواني حول إحدى آليات حل الأحزاب السياسية التي يثبت تعاونها مع قوى أجنبية، حذر يو تشي-هاو، المدير المشارك في إحدى المنظمات البحثية المدنية المهتمة بمحو الأمية المعلوماتية والتصدي لأنظمة الحكم الاستبدادي، من ردود الفعل العنيفة التي سيثيرها تطبيق هذه الآلية، مؤكدا ضرورة الفصل بين جهود الحكومة وجهود منظمات المجتمع المدني في هذا الصدد.
بينما يرى بيليون لي، المؤسس المشارك في إطلاق منصة "Cofacts"، إحدى مبادرات أنظمة تقصي الحقائق مفتوحة المصدر، أن معضلة المعلومات المضللة ترتبط جزئيا بعامل السن، مضيفا أن "العديد من مواطني تايوان من جيل والداي ممن من ويلات الأحكام العرفية والإرهاب الأبيض لم يعد لديهم أي ثقة في الحكومة"؛ مؤكدا ضرورة اتسام عملية تقصي الحقائق بأقصى درجة ممكنة من الانفتاح واللامركزية حتى تحظى بالقبول لدى الشعب.
ويرى آخرون أن عمليات تقصي الحقائق محكوم عليها بالفشل، حيث تشكك تي.إتش ساتشي، الذي عمل كمستشار لدى حكومة تايبيه المحلية بين عامي 2016-2018، في فاعلية منصة "Cofacts" متسائلا: "كم عدد الأخبار التي يمكن لنظام Cofacts التحقق من صحتها يوميا؟ إنه أقل من 10 أخبار؛ فالأمر أشبه بالبحث عن إبرة – ليس في كومة قش – بل في محيط من الأخبار الكاذبة".
ورغم ذلك، أكد ساتشي أنه قد يكون لعمليات تقصي الحقائق دورها الفعال في حالات الحرب، بينما أشار شيوان (الباحث السياسي المستقل المهتم بالشؤون التايوانية) إلى الفرق الشاسع بين طبيعة عمليات الحرب المعلوماتية والاستراتيجيات المضادة قبل أوقات الحروب وخلالها.
وأضاف شيوان أنه في أوقات الحرب، ينبغي أن تدشن الحكومة التايوانية هيئة مركزية للتصدي لتلك العمليات، بعدما أثبتت أوكرانيا الدور المحوري لمثل هذه القنوات في الحفاظ على الحالة المعنوية العامة من خلال عملها كمرجع معلومات رسمي.
كما سلط شيوان الضوء على تشجيع المدنيين في أوكرانيا على المشاركة في جمع معلومات استخباراتية لصالح الجيش الأوكراني.
لكن المستشار السابق لدى حكومة تايبيه المحلية، تي إتش ساتشي، شكك في إمكانية أن تسمح البيئة المعلوماتية في تايوان بذلك؛ حيث أوضح أن "أوكرانيا ركزت على ثلاث منصات هي: تيليجرام وتويتر وتيك توك"، وجرى استغلال "تويتر"، كمنصة مفضلة لربط صانعي السياسات بالجمهور وتحسين استخدام مقاطع الفيديو القصيرة بـ"تويتر"، بمهارة من قبل إدارة زيلينسكي، لافتا إلى أن المنصات الثلاث ذات معدلات استخدام منخفض في تايوان.