ضياء مصطفى
ظهرت الفنانة لوسي في مسرحية الحفيد التي تعرض حاليًا على المسرح القومي ويدها مكسورة، وهو أمر يحسب لها، أنها تتحامل على نفسها رغم أن الكسر حديث، ووظف مخرج العمل ومعده يوسف المنصور- الذي قدم دور «عاطف» خلال العمل- ذلك فى الأحداث بأن يدها مكسورة بالفعل، وهو اهتمام جيد بالتفاصيل، لكن المسرحية تنتقل بين أكثر من زمن، وفي كل الأزمنة تظهر بيد مكسورة دون توظيف، لذا فإن التوظيف الذي كان جيدا في وقت ما من المسرحية، انعكس وأصبح نقطة سلبية في باقي العرض.
من هذا المنطلق يمكن النظر للعرض المأخوذ عن رواية الحفيد للكاتب عبدالحميد جودة السحار، بتداخل بسيط من رواية أم العروسة للكاتب نفسه، وسبق أن قُدمت الروايتان في فيلمين، من إخراج عاطف سالم، والحفيد يعد امتداد لرواية أم العروسة.
فالعرض جيد جدًا في بعض الأوقات مركزًا على هدفه مهتمًا اهتمامًا دقيقًا بالتفاصيل، وفي بعض الأوقات مرتبك ومهمل للتفاصيل ويحشر الرسالة التي يريدها بمشاهد سطحية ومباشرة.
العرض هو مسرحية داخل مسرحية، وهو ما يوضح أن كسر الإيهام في البداية لم يكن حقيقيًا، فعاطف الذي كبر وأصبح مخرجًا يقدم قصة حياة أسرته، والمسرحية لا تركز على زمن زواج البنات كأم العروسة أو قدوم الأحفاد في فيلم الحفيد، بل تعود للوراء قبل ذلك وقت زواج «زينب» التى تجسد شخصيتها «لوسى» و«حسين» الذى يجسده «تامر فرج» وتمتد لوقت إنجاب ابنة «نبيلة»، أي أن «نبيلة» تصبح جدة في المسرحية، و«زينب» هي الجدة الكبرى.
في مشهد كاشف للاهتمام بالتفاصيل في العرض، تجلس «زينب» و«حسين» داخل غرفتيهما، بينما الفرح في الخارج يكون صوت الموسيقى ضعيف لأن الباب مغلق، وحين يفتح الباب يرتفع صوت الموسيقى، كذلك الاهتمام بديكورات تتناسب مع كل زمن من تليفزيون قديم لآخر حديث، لتعليق صورة «حسين» بشريطة سوداء ورفعها وعودتها حسب زمن المشهد، لكن في الوقت نفسه، تجد ممثلين يتحركون في المسرح فيدخلون الغرفة ويخرجون منها دون استخدام الباب، وكذلك ما ذكر عن يد «لوسى» وغيرها، فينقلب الاهتمام بالتفاصيل إلى نقاط سلبية.
ديكورات العرض كثيرة وتتغير باستمرار ونرى العمال وهم يجرون التغييرات، لكن ما لم يمكن فهمه أن يرى المشاهدون «حسين» الذى توفي قبل دقيقة وهم يبكونه في الخارج يقوم من السرير للخروج من خشبة المسرح، نظرا لتغير الزمن.
المسرحية تحمل اسم الحفيد، لكنها في الواقع تتمحور حول الجدة، صحيح أن المسرحية تبدأ بمشهد سبوع ابن ابنة «نبيلة»، أى الجيل الرابع في العائلة، وهو أيضًا مشهد ختام الفصل الأول، ثم مشهد ختام الفصل الثاني والمسرحية، التي تمتد لثلاث ساعات، لكن محور العمل كله «زينب»، ولذا فالمسرحية قدمتها منذ أن كانت ابنة 18 عامًا -لم يكن موفقًا أن تقدم لوسي دور «زنيب» فى سن صغيرة- وصولًا إلى أن تكون الجدة الكبرى، قدم العمل أزمة الإنجاب بين «نبيلة» و«شفيق» كما في الفيلم، وأعادها مرة أخرى بين ابنة «نبيلة» وزوجها، مقدمًا مبررات عصرية كارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية، لكن كل ذلك لم يكن هدف العمل، فهدفه تتبع قصة «زينب» من الابنة المتحررة من تقاليد أسرتها التي ترغب في الزواج من مطرب شعبى وهو ابن الشغالة الخاصة بهم وصولًا إلى الأم التي تمارس كل أنواع الضغط والوصاية على أبنائها وتحطيم أحلامهم، إلى أن يموت «حسين»، وتحدث المواجهات لتكتشف الأم أنها كانت مخطئة وأن «حسين» ساعدها بسلبيته أحيانًا.
اسم المسرحية غير المناسب لهدف أو رسالة المسرحية منعكسًا على الأحداث، فالجمهور يشاهد مشاهد كثيرة من رواية أو فيلم «الحفيد» لكن كثيرًا منها ليس في صلب الموضوع نفسه.
الأمر الآخر أن المسرحية غرقت في نصفها الأول فى الكوميديا بشكل يصل إلى إضحاك من أجل الإضحاك فقط، مستخدمًا كوميديا الموقف والألشات والمفارقات والإيفيهات الإيحائية والسف على الشخصيات العامة أحيانًا، في المقابل غرق العمل في الجزء الثاني في الميلودراما بشكل أكبر مما يحتمله الأمر.
لكن هذا لا ينفى أن الكثير من الكوميديا، وكثيرًا من المشاهد الجادة كانت مؤثرة بالفعل، ونجح الممثلون سواء لوسى وتامر فرج وعابد عنانى وبعض أعضاء فرقة المسرح القومى فى تقديمها بشكل جيد.
التحولات في شخصية «زينب» لم تكن منطقية لحد كبير، لم يغب المنطق تمامًا لكنه لم يكن حاضرًا بقوة، فجاءت بعض المواجهات في نهاية العمل وكأنها محشورة لإدانة «زينب»، فموقف «زينب» من أخت «حسين» أى عمة الأولاد غير منطقى أحيانًا، كذلك موقف «زينب» من التمثيل والإخراج والغناء والوقوف ضد رغبات أبنائها، والتحقير من الفن، ثم كسر هذا التحقير لاحقًا بأن الزمن غير الزمن، لم يكن منطقيًا، خاصة أنها تريد الزواج من مطرب كباريهات بعد وفاة زوجها بسبب قصة الحب بينهما، وعلاقة الصداقة التي نشأت بين «حسين» وحبيب زوجته السابق التى تُذكر دائمًا ولا يراها المشاهد كذلك غير منطقية.
في المقابل كانت الموسيقى والإضاءة واستخداماتها جيدة في أغلب الأوقات، في حين كان يشتت المشاهد بسبب كثرة الممثلين على المسرح، وكانت يجرى حوار طويل بين اثنين ممثلين فقط، ويوجد 10 آخرون لا يفعلون أي شىء إلا الحديث سرًا، في تجمعات على الخشبة، أو يجرى أكثر من حدث في الوقت نفسه على الخشبة.
في الوقت نفسه يجب الإشادة بالتداخل الجيد بين الأزمنة على مستوى الكتابة والتنقل بينها، وكذلك إخراج وكتابة مشاهد كانت تكمل بعضها البعض بين أكثر من طرف، لعرض مشكلة واحدة بأكثر من معالجة، وتوظيف الأغاني معها، لكن رغبة صناع العمل في مناقشة كل شيء تقريبًا يخص الأسرة، وهو أمر شبه مستحيل، كان يحتاج لتصاعد درامى في أزمنة متتالية دون تداخلات بينها.
رغم ما شهده العرض من بعض الارتباك والكوميديا الصارخة والميلودراما المقحمة أحيانًا، فإن مسرحية الحفيد بها جهد كبير مبذول من مخرج العمل يوسف المنصور وكذلك أبطاله وكل صناعه في الديكور والإضاءة والموسيقى والملابس.