ياما في الدنيا مآسي.. أكبر كتير من مقاسي، لعل هذا هو ادق وصف ينطبق على الفنانة اللبنانية القديرة نهاد حداد، أو فيروز كما نعرفها، التي تبلغ من العمر الآن نحو 87 عاما، من مواليد 1935، والتي تعد وبجدارة أشهر أساطير الطرب العربي الأصيل.
وفي واقع الحال.. فإن الكتابة عن نجمة عملاقة بحجم الفنانة فيروز لمن الصعوبة بل ربما الاستحالة وذلك بسبب الكنوز التي اتحفت جماهيرها بها من لوحات جمالية فنية محفورة في كل أذن وعقل بل وعين، ولفيض ما كتب عنها والذي من رابع المستحيلات أن يوفيها حقها.
لكن لعل ما دعانا للكتابة عنها الآن تلك اللقطة الإنسانية النادرة التي يتم تداولها للفنانة خالدة الذكر وهي تعتني بابنها، البالغ من العمر نحو 60 عاما، والذي شاءت العناية الإلهية أن يصاب باعاقة صحية وحركية استلزمت تقديم الرعاية الكاملة والخدمة على مدار الساعة.
وبرغم ذلك رفضت "فيروز" ايداع ابنها "هلي" إلى مصحة خاصة رغم ان لديها الأموال الكافية لرعايته في أغلى دور الرعاية.. إلا أن "قلب الأم" يأبى إلا أن يغلب أي صعوبات أو معاناة أو سهر على خدمة فلذة كبدها فتصر على خدمته ورعايته بنفسها لكي لا يفارق عينها للحظة ولا تنام إلا بالقرب منه.
ومن مصادفات الأقدار أن هذا ليس هو الاختبار الوحيد في حياة "زهرة المدائن" فيروز، فخلال الحرب الأهلية اللبنانية، توفيت "ليال" عن عمر يناهز 29 عامًا، بسكتة دماغية عام 1988. فحملت "جارة القمر" آلامها وابتعدت لفترة عن الفن والغناء، ولم تتحدث يوما عن تلك المأساة.
الشاهد من هذه الملحمة الإنسانية: أننا من قمة الظلم بمكان أن ننظر لمن حولنا، وما حولنا أيضًا، نظرات سطحية عابرة.. فربما من تحسبه سعيدًا يحمل هموم الدنيا كلها ولا يجرؤ على البوح بحرف منها، وربما من تحسبه سليمًا معافًا يعاني من أعتى الأمراض ولا يريد أن يقول آه حتى لا يوجع قلب من حوله.. وقبل كل هذا: يا لكل هذه الإنسانية والحنان الذي وضعه الخالق العظيم في قلب الأم أيا ما كانت امرأة فقيرة لا تملك شيء ولا تقوى على شيء.. أو نجمة ساطعة أغلى من الماس والـ "فيروز".