أصدر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بيانًا حول الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية العام المالي ٢٢-٢٠٢٣؛ إذ ذكر أن مناقشات ربط الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية للعام المالي ٢٢-٢٠٢٣ في البرلمان المصري خلال العشر الأيام الماضية تأتي في ظل الترتيبات الجارية من مؤسسات الدولة لإجراء حوار وطني موسع لمناقشة الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي دعت إليها مؤسسة الرئاسة.
وأوضح الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أنه يسعى للمشاركة الفعالة في هذا الحوار حتى قبل بدء جلساته الفعلية من خلال التفاعل مع الملفات اليومية التي تطرح في الدوائر السياسية المختلفة ومنها البرلمان المصري بغرفتيه.
ويرى الحزب - على خلاف أحزاب ومؤسسات عديدة- بأن الإصلاح السياسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاح الاقتصادي الذي يضعه الكثيرون على رأس المحاور التي يجب أن تعطى الأولوية في الحوار، ويري الحزب أن مجرد الدعوة إلى الحوار سوف تعطي الدولة رسالة إلى الخارج بنيتها القيام باتخاذ خطوات جادة للإصلاح السياسي، وتعزيز دعائم الديمقراطية والحكم الرشيد، مما يعمل على تعزيز مناخ الاستثمار، وإعطاء ثقة للمؤسسات الدولية والمستثمرين بوجود بيئة أمنة ومستقرة سياسيا واجتماعيا في الدولة.
وقد شارك نواب الحزب في مجلسي الشيوخ، والنواب في مناقشات جدية لخطة التنمية الاقتصادية، والموازنة العامة للدولة في جلسات المجلسين، وقدم الحزب تقريرين على الوثيقتين يوضحان الملاحظات الهامة التي يجب أن تأخذها الحكومة في الاعتبار، والتي ترتب على عدم الأخذ بها رفض الحزب لكل من خطة التنمية الاقتصادية والموازنة العامة نظرا لجوهرية تلك الملاحظات.
وحرص الحزب على الدراسة الدقيقة لمجلدات الخطة والموازنة، وعمل بجهد على تدقيق أرقامها وتفصيلاتها حتى يستطيع الحكم على الخطة والموازنة بموضوعية، والتقرير عليها بالقبول أو الرفض، ومن أجل أن يكون الحزب مشارك حقيقي في تحسين الأداء الحكومي، فقد اقترح العديد من التعديلات المحددة على الخطة والموازنة وأهمها:
• تعديل الموازنة لتأخذ في الاعتبار المتغيرات الأخيرة التي طرأت على معدلات التضخم، وفوائد الديون، وأسعار البترول، بحيث نصل إلى تحديد قيمة العجز الأولي والكلي الحقيقي، وبالتالي تحديد الإجراءات المالية التي تحتاج أن تقوم بها الحكومة من إعادة ترتيب الأولويات، وترشيد البنود غير الضرورية من الإنفاق الحكومي، وفي المقابل زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية استجابة لزيادة معدلات التضخم، والتي قد تصل في نهاية عام ٢٠٢٢ لمستوى يقترب من ١٨٪ حسب توقعات مؤسسات مالية عالمية. وينطبق ذلك على أسعار البترول التي بنيت على مستوى متوسط ٨٠ دولار للبرميل، في حين أن المتوسط المتوقع معظم السنة المالية محل الخطة حوالي ١٠٠ دولار للبرميل.
• أيضا قدم الحزب العديد من الملاحظات على مستهدفات خطة التنمية الاقتصادية، ومن أهمها ما يتعلق بمستهدف خلق وظائف جديدة بمعدل ٩٠٠ ألف وظيفة عام الخطة، وهذا شيء إيجابي، ولكنه لا يتماشى مع الأثر المالي للسياسات النقدية للبنك المركزي المصري، التي تعمل على مواجهة التضخم، والحفاظ على احتياطي العملات الأجنبية بإتباع سياسات تشديد نقدية من خلال رفع أسعار الفائدة، وامتصاص جزء هائل من العرض النقدي أو السيولة، وقد جمعت شهادات بنكي مصر والأهلي بعائد ١٨٪ حوالي ٧٥٠ مليار جنيه من العرض النقدي منفردة، فضلا على ما ستمتصه الشهادات الأخرى التي ستصدرها باقي البنوك العاملة في مصر، والتي من المتوقع أن يزداد معدل الفائدة المرتبط بها تدريجيا ليقترب من ال١٨٪ . ومع التشديدات المستمرة في الاستيراد، وخاصة للمواد الأولوية، ومستلزمات الإنتاج، فأن كل هذه الأمور سيترتب عليه حدوث انكماش في الاقتصاد، ودخول في حالة ركود متوسط الأمد، قد يِخرج العديد من قطاعات الاقتصاد خارج السوق، وبالتالي حدوث تسريح متوقع للعمالة، وبالتالي توقع زيادة معدل البطالة عكس ما أشرت الخطة في مستهدفات التوظيف. وقد عبر الحزب من خلال نوابه على ضرورة مراجعة كفاءة السياسات النقدية للبنك المركزي المصري، ومدي اتساقها مع خطط المجموعة الاقتصادية للحكومة، ومع تفهمنا الشديد لاستقلالية البنك المركزي المصري، واقتصره دوره على السيطرة على الأسعار، إلا أن الوضع الاقتصادي المأزومة يتوجب أن يحدث تنسيق على أعلى مستوى بين البنك المركزي المصري، والحكومة، لذا طالب الحزب عند مناقشة قانون التخطيط العام بضم محافظ البنك المركزي المصري إلي المجلس الأعلى للتخطيط ، وهو ما أخُذ به في صياغة القانون النهائي الصادر من مجلس النواب منذ عدة أشهر.
• قدم الحزب أيضا عدة تعديلات على التوزيع القطاعي لخطة التنمية الاقتصادية، بتخفيف مخصصات قطاع النقل والتخزين التي تستهدف حجم استثمارات ٣٠٦ مليار جنيه مصري وبنسبة ٢١.٧٪ من إجمالي الخطة، وهو أعلى قطاع من حيث الاستثمارات الكلية المستهدفة وللعديد من الأعوام، وبالرغم من أهمية هذا القطاع في تمهيد البنية التحتية التي أهملت لعقود طويلة قبل ٢٠١١، إلا أن استمرار هذا القطاع بالاستئثار بالحجم الأكبر من الاستثمارات الحكومية كل عام، يحتاج لوقفة وإعادة ترتيب الأولويات، فقد ندعم ونوافق على تطوير الطرق الداخلية بين المحافظات الإقليمية، وتطوير السكك الحديدية التي تخدم ملايين من المصريين متوسطي ومحدودي الدخل، ولكن ضمن الخطة استثمارات كبيرة في مشروعات الطرق القومية، ومنها طرق تخدم قطاعات قليلة من السكان، وليس لها أولوية في عام الأزمة الاقتصادية، كذلك هناك مشروعات مثال المونوريل، والقطار الكهربائي الذي لا تمثل حاجة قصوى في ظل أن جزء كبير منها ممول من قروض محلية وأجنبية، وبالتالي محاولة ابطاء تلك المشروعات لن يترتب عليها الانتقاص من حاجات ملحة للأغلبية الكبيرة من المواطنين، كما أن أبطأها أو تأجيلها سوف يخفف حجم الديون التي ستراكم من حجم الدين العام الذي بلغ مستويات كبيرة غير مسبوقة وأصبح في حدود خطرة من وجهة نظر الحزب ومعظم الخبراء الاقتصاديين.
• في مقابل تخصيص ٣٠٦ مليار جنيه مصري لقطاع النقل وبنسبة ٢١.٧٪ من الخطة، تم استهداف استثمارات في قطاعات الاقتصاد الحقيقي (الزراعة، الصناعة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات) تبلغ مجتمعة ٢٤٩.٨ مليار جنيه مصري وبنسبة ١٧.٧٨٪، وهذا لا يتسق مع خطة الإصلاح الهيكلي التي أهم أولوياتها التركيز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي الذي يحقق التنمية المستدامة الحقيقة.
• أيضا طالب الحزب بإلغاء استثمارات الأنشطة العقارية في الخطة ضمن بند الاستثمارات الحكومية وبقيمة ٩٠ مليار جنيه مصري، والمخصص لإنشاء وحدات إسكان اجتماعي جديدة، وبالرغم من أهمية هذا البند، إلا أنه في عام الأزمة يمكن تأجيل بعض الأولويات الأقل أهمية عن الأخرى مثل الاستثمارات السكنية، في ظل استهلاك هذا البند الكثير من موارد الدولة في الأعوام السابقة، وعدم وجود فرص عمل في المناطق الجديدة التي بنيت فيها تلك المدن، والوحدات سابقا. ويري الحزب إعادة توجيه هذا المبلغ، أو جزء منه لقطاعات الاقتصاد الحقيقي، أو الصحة والتعليم، أو الأنشطة الخدمية الأخرى مثل الصرف الصحي والمياه في مناطق الدلتا والصعيد.
• في بنود التعليم والصحة، لا زالت ملاحظة الحزب المتكررة بعدم التزام الحكومة بالنسب الدستورية البالغة ٦٪ & ٣٪ من الناتج القومي الإجمالي على التوالي، وعدم استطاعة وزارة المالية أن تعطي بيان دقيق بتفاصيل حساب تلك البنود، وكيفية وصولها للنسب الدستورية، ولا يوجد طريقة للوصول لتلك النسب إلا بتحميلها ببنود مثل خدمة الدين وبنود لا تمت للتعليم والصحة بعلاقة مباشرة. ويرى الحزب أن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا ببناء الإنسان المصري، وكل التجارب الاقتصادية الناجحة السابقة للاقتصاديات الناشئة في الماضي مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لم يكن ليكتب لها النجاح إلا بتركيز الأولويات في البداية على بناء الإنسان من خلال الإنفاق على بنود التعليم والصحة، وتلاها التنمية الاقتصادية المستدامة.
• بخصوص مخصصات الدعم، فقد تقدم الحزب بملاحظات عديدة بعدم وجود زيادة حقيقة في مخصصات الدعم السلعي والنقدي (تكافل وكرامة)، وعدم استجابة زيادة مخصصاتها في الموازنة للارتفاع معدل التضخم وزيادة الأسعار الكبير هذا العام، مما يشير إلى أن القيمة الحقيقة لبنود الدعم قد انخفضت عن العام الماضي بقيمة تمثل على الأقل قيمة التضخم البالغ حتى هذا الشهر ١٤.٥٪ على أساس سنوي.
• ويتبقى الملاحظة الهامة للحزب المتعلقة بارتفاع حجم الدين العام إلى مستوى غير مسبوق بلغ حسب البيانات الحكومية نفسها ٨٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بالرغم من الارتفاعات الكبيرة المحققة كل سنة لرقم الناتج المحلي الإجمالي والذي يتوقع أن يصل إلى ٩.٢ تريليون جنيه مصري في العام المالي القادم بعد قيام الحكومة بمراجعات متتالية في طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي، وإجراء تعديلات على طريقة الحساب نتج عنها تعديل رقم العام الحالي بقيمة ٨١٥ مليار جنيه تقريبا تم إضافتها إلي قيمة الناتج. وقد نتج عن ارتفاع قيمة الدين العام وصول قيمة فوائد الدين المتوقعة في موازنة العام القادم مبلغ ٦٩٠ مليار جنيه وبوزن نسبي ٣٣.٣٪ من إجمالي مصروفات الموازنة، مقابل ٥٧٩ مليار جنيه العام المالي الحالي وبوزن نسبي ٣١.٥٪ من إجمالي المصروفات. كذلك تبلغ قيمة مدفوعات أصل الدين المتوقعة هذا العام٩٦٥ مليار جنيه مقابل ٥٩٣ مليار جنيه العام المالي الحالي. وبذلك تصل إجمالي خدمة الدين المتمثلة في أصل الدين والفوائد في العام القادم حوالي ١٦٥٥ مليار جنيه، وهو رقم يعبر بشكل جلي عن حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الدولة والتحديات التي تواجهه الحكومة في ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض هذا العام، وعدم وجود سوق لأدوات دين جديدة في ظل اتجاه المستثمرين في أدوات الدين إلى الملاذات الآمنة، وعدم قدرة وزارة المالية على إعادة تدوير الدين كما جرت العادة في السنوات القادمة، وقد حذر الحزب من ذلك مرارا وتكرارا في السنوات السابقة.
• ومع ارتفاع تكلفة الاقتراض التي أشرنا إليه يتوقع زيادة قيمة العجز الكلي ليزيد عن القيمة المتوقعة البالغة ٥٥٨ مليار جنيه وبنسبة ٦.١٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، مما يتوجب معه كما أشرنا إلي ضرورة تعديل الموازنة وخطة التنمية الاقتصادية بإعادة ترتيب الأولويات والسعي إلى تخفيض بنود الإنفاق غير الضرورية، ومحاولة السيطرة على الدين العام، وتوجيه الإنفاق إلى البنود الضرورية التي تحقق التنمية المستدامة وبناء الإنسان المصري.