«حياتك غالية»، جملة لا بد أن يدركها الكثير من الناس وخاصةً الشباب، فالحياة لا تنتهي مع الصدمات والأزمات المادية أو النفسية أو العائلية وغيرها، قد تكون هذه الأزمات صعبة جدًا ولا يستطيع أن يتحملها الأشخاص، ولكنه من المؤكد أن هذا الأمر سيمر بحل أو آخر بوجود المزيد من الوعي والفهم والصبر وليس بحل الأسرع وهو الانتحار.
قد يواجه الشباب أزمات نفسية معقدة يصعب على الآخرين فهمها، إلا أن محاولات التخلص من هذه الأزمات تبدأ من البحث عن المساعدة بشتى السبل، الأمر الذي يحتاج هذه الفئة المهمة من المجتمع إدراكه، دون النظر إلى الأمور مهما كانت صعبة أو سيئة بأن الحل يكمن في التخلص من حياتك، التي تعد بمثابة فرصة لتصحيح المسار وحل الأزمات واكتساب الخبرات والصفات التي قد تغيب عن البعض والتقرب من الله، فلن يكون الانتحار حل للأزمات.
«النيابة» توجه النصح والإرشاد للشباب
بعد واقعتي انتحار شابين أحدهما من أعلى برج القاهرة والآخر بسيارته من أعلى كوبري المنصورة، استشعرت النيابة العامة خطرٍ مُحدقٍ بالشباب لإقدام بعضهم على الانتحار في هذه السنِّ الصغيرة، يأسًا من ضائقة مادية أو خلافات عائلية، فإنها تناديهم من واقع الأمانة التي تتحملها وتمثيلها المجتمع: يا أيُّها الشبابُ لا تنخدعوا بمكر الشيطان بكم، وإيَّاكم والاستهانةَ بحياتكم أو استرخاصها بصورة قليلة العلم، عظيمة الذنب والجُرم عند ربِّكم، إيَّاكم أن تنهوا حياتكم بسبب فشلٍ أصابكم أو ضائقة حتمًا ستمُرّ، فهذا من العبث والاستهانة بحرمة حياتكم التي جعلكم ربَّكم حُرّاسًا عليها وحُماةً لها، وانظروا فيمَن حولَكم ممن ابتُلوا واختُبِروا بألوان المصائب والبلايا، فمنهم مَن رأى اللهُ منهم صبرًا ومغالبةً لأسباب حياتهم، وهذا هو المراد من ابتلائهم، فأنالهم أجرَ الصابرين بغير حساب.
وتابعت: «واعلموا أن ربكم محيطٌ بما قدره لكم في علمه القديم، فلعل في فشلكم نجاحًا، ولعل في بلائكم فضلًا عظيمًا وفلاحًا، فتعلموا حينَها عظيمَ حكمةِ ربِّكم، وواسعَ رحمتِه وفضلِه عليكم، فإنَّ بعد العسر يسرًا، إنَّ بعد العسر يسرًا، وتهيب النيابة العامة بالكافة إلى نشر روح الأمل تلك بشتى الوسائل في نفوس شبابنا، اجعلوها نداءً دائمًا لهم بأن الفشلَ أولُ طريقِ النجاح».
تحقيقات النيابة في واقعتي انتحار شابين ببرج القاهرة والمنصورة
وقالت النيابة العامة، بتحقيقاتها في واقعة وفاة شخص من أعلى برج القاهرة، إن يوم الواقعة توجه الشاب لمبنى برج القاهرة ودلفه منفردًا وصعد لقمته ورافقه أحد أفراد الأمن حينها، ولما طلب منه الأخيرُ المغادرةَ لانتهاءِ وقت الزيارة توجه صوب السور وقفز من أعلى البرج ولم يلحقْ به فردُ الأمن حينها، وكشفت التحقيقات مرور المتوفى بضائقة مالية بسبب أعبائه الشخصية التي تسببت في ضغوط نفسية أصابته، ودوام الخلافات بينه وبين شقيقيه القائمين على مساعدته ماديًا بسبب ذلك، وتبين إرسال المتوفى رسالةً نصية قبل الواقعة يطلبُ فيها من آخر زيادةً في مصروفه الشهري، ورسالة أخرى لشخص آخر وقت تواجده بالبرج يخبره فيها بأنها آخر لحظات حياته.
أما عن واقعة وفاة شاب إثر سقوطه حال قيادته سيارة من أعلى كوبري الجامعة بمركز طلخا، وقد تزامن ذلك مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام من أخبار متداولة بمواقع التواصل الاجتماعي حول الواقعة، منها عبارات منسوبة للمتوفى تضمنت رغبته في التخلص من حياته، فتولت النيابة العامة التحقيقات، وخلصت النيابة العامة مرور المتوفى بضائقة نفسية على إثر خلافات عائلية هي سبب انتحاره.
800 ألف شخص منتحر حول العالم
وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٢٠، فإن عدد حالات الانتحار التي تسجل سنويًا، تبلغ نحو ٨٠٠ ألف شخص حول العالم، بواقع انتحار شخص كل ٤٠ ثانية، وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا الرقم يصل أحيانًا إلى مليون شخص سنويًا، الأمر الذي ينذر بوجود مشكلة حقيقية، فمع كل حالة انتحار هناك ما يقارب ٤٠ محاولة فاشلة لم تنته حياة أصحابها، كما أن أكثر من ٧٩٪ من حالات الانتحار في العالم تقع في الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل.
الذكور أكثر إقبالًا
تتفاوت نسب الانتحار بين البلدان والأقاليم، وبين الذكور والإناث، حيث إن عدد الذكور الذين يلقون حتفهم بسبب الانتحار يزيد بأكثر من مرتين عن عدد الإناث ١٢.٦ من كل ١٠٠ ألف ذكر، مقارنة بـ٥.٤ من كل ١٠٠ ألف أنثى.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تعد معدلات الانتحار بين الرجال أعلى عموما في البلدان ذات الدخل المرتفع ١٦.٥ من كل ١٠٠ ألف، أما بالنسبة للإناث تسجل أعلى معدلات الانتحار في بلدان الشريحة الأدنى من الدخل المتوسط ٧.١ من كل ١٠٠ ألف.
الدعم النفسي
وبدوره، يقول الدكتور على عبد الراضي، استشاري العلاج والتأهيل النفسي، إن المنتحر قبل الانتحار يفقد الأمل في المستقبل ويبدأ في الحديث باستمرار عن إنهاء حياته، وقد يقوم بأمور مؤذية غير محسوبة قبل إقدامه على التخلص من حياته، مشيرًا إلى أن ما يحتاجه المقدم على الانتحار هو الدعم بأفكار جديدة عكس الأفكار السلبية والانتحارية التي تسيطر على تفكيره خلال هذه الفترة.
ويواصل «عبد الراضي»، في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن الدعم النفسي ضروري جدًا للأشخاص المقدمين على الانتحار، ودعمهم بالأفكار الإيجابية الجديدة، والتأكيد على أهمية حياة كل شخص، والتصدي للأزمات وإكسابه مهارة حل المشكلات والتعامل مع هذه الأزمات بالشكل السليم المطلوب، واكتساب علاقات ذات معنى سواء مع النفس أو الأصدقاء أو بينه وبين الله عز وجل، ومعرفة دافع الحياة وأهمية البقاء.
كما توضح الدكتورة رحاب العوضي، أستاذ علم النفس السلوكي، أن الانتحار يرجع إلى الجزء المتعلق بالتربية والأسرة والمجتمع المحيط والتأثر بالدراما، وهناك جزء آخر وهو المرض العقلي مثل الاكتئاب ثنائي القطبين، وإن كان نسبته قليلة، مضيفة أن السبب النفسي أو الأسري المتأثر بالمجتمع والظروف المحيطة يدفع البعض للانتحار كما هو يحدث، وخاصةً من الفئات ما بين 15 إلى 29 عامًا.
وتستكمل «رحاب»، فى تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن مرحلة المراهقة تجعل الشباب والفتيات مرهفين المشاعر لم يخضوا التجارب الحياتية كثيرًا، لم يصطدم بالحياة وأزماتها، مؤكدة أن الآباء والأمهات عليهم دور كبير في الدعم النفسي للأطفال وإخراجهم من دائرة المقارنة بالآخرين والتوقعات المرتفعة، فإن المشكلات الأسرية عامل أساسي للانتحار، والتربية غير السوية من الأصل، فيجب على الوالدين والمدرسين بالتعليم تهيئة الإنسان، وخاصةً المراهقين وإدراك أن الدنيا مكسب وخسارة ونجاح وفشل وسعي ووصول.