هى مجرد أحلام لا أدرى إذا كانت ترقى لمستوى التصورات والأفكار المنضبطة، فلست إلا مواطنًا عاديًا يشعر بوطئة الأزمة الاقتصادية وليست لدى خبرة أساتذتى وزملائى المتخصصين فى الصحافة الاقتصادية؛ غير أنها تبقى أحلام قد ينفعنا طرحها ومناقشة عراقيلها المتصورة التى هى بالأساس معوقات نمو اقتصادنا.
بما أن الطاقة باتت المعضلة الرئيسة أمام دول الاتحاد الاوروبى بسبب المشاكل المرتبطة بإمدادات الغاز الطبيعى من روسيا الاتحادية ما أدى إلى ارتفاعات جنونية فى أسعار الغاز؛ أحلم باستراتيجية حكومية تعمل على تشجيع الدول الأوروبية لنقل جانب من صناعاتها المتطورة إلى بلدنا؛ أو على الأقل إنشاء أفرع لمصانعها الكبرى فى أراضى المناطق الصناعية الجديدة المنتشرة بطول وعرض البلاد.
بعد انقطاع الغاز الروسى تمامًا عن بعض الدول الأوروبية؛ وتخفيض إمداداته إلى ألمانيا، أصبح القطاع الصناعى الأوروبى مهددًا بالشلل التام، وفى أحسن الأحوال بات يفتقد ميزة التنافسية السعرية بسبب الارتفاع غير المسبوق فى أسعار الغاز، فحتى لو نجحت أوروبا فى تدبير بعض أو كل احتياجاتها يبقى أنها ستعتمد على مصادر بعيدة جغرافيًا ما يعنى تكاليف شحن باهظة علاوة على أن جميع منتجى الغاز لن يستطيعوا تعويض الغاز الروسى بأى حال.
صحيح أن مصر وقعت مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوربى لزيادة معدلات الصادرات المصرية من الغاز المسال الوارد من حقولنا، أو الوارد من الجانب الإسرائيلى وهناك تقارير تتحدث عن استقبال الغاز القبرصى فى محطات الإسالة المصرية لإعادة تصديره مرة أخرى إلى القارة العجوز، لكن أوروبا تبدو وبسبب عقوباتها اللامنطقية على روسيا الاتحادية وكأنها أصبحت بئرًا لا يشبع من الغاز.
وإلى أن تنتهى هذه الأزمة، هل من الممكن الحديث مع الأوروبيين بأن يهتموا أولًا بتوفير الغاز للمنازل حتى لا يتجمد مواطنيهم فى الشتاء القادم والذى يليه من فصول لا يعلم أحد عددها؛ وبدلًا من البحث عن غاز عالى التكلفة لكل مصانعها، بإمكانها أن تأتى إلى مصر حيث المناطق الصناعية المؤهلة بجميع المرافق لتبنى أفرع لمصانعها التى ستعمل فى ظل إمدادات طاقة مستقرة من الغاز والكهرباء على أن تبيعهم الحكومة الغاز الطبيعى بأسعار تقل بشكل مناسب عن سعره فى السوق العالمى المشتعلة.
قد نخسر بعد اليوروهات أو الدولارات عند تقديم هذه الميزة السعرية لكننا سوف نربح مئات المصانع التى ستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل ناهيك عن منتجاتها التى ستوفر علينا ملايين وربما مليارات الدولارات المستهلكة فى وارداتنا التى ستتحول إلى حصيلة صادراتنا حيث ستستفيد تلك المصانع من موقعنا الجغرافى للتصدير إلى الأسواق الإفريقية والأسيوية بأسعار تنافسية.
لو اتخذنا خطوات عملية فى سبيل هذا الحلم أتصور أن منسوب الحماس للاستثمار فى مصر سيرتفع لدى دولة صناعية بحجم الصين؛ فصحيح أنها شرعت فى تنفيذ بعض الاستثمارات إلا أنها وعندما ترى المصانع الغربية تجتاح المناطق الصناعية المصرية الجديدة ستسارع بخطوات حثيثة لزيادة معدلات وحجم استثماراتها لاسيما فى القطاع الصناعى.
سأكون متواضعًا فى حلمى ولن أبالغ وأحلم بأن تصبح مصر مصنع العالم، لكن سأكتفى بأن أرى كل متر فى أراضى مناطقنا الصناعية قد استثمر لنسمع ضجيج المصانع من شرق بورسعيد والعلمين الجديدة إلى سوهاج الجديدة.
لكن ثمة ما يعكر صفو هذا الحلم، فليست لدينا الأيد العاملة الماهرة التى توفر احتياجات كل تلك الاستثمارات إن وجدت، فرغم كل هذا الاهتمام الحكومى بالمعاهد التطبيقية والتكنولوجية الحديثة ورغم اهتمامها بافتتاح مدارس فنية صناعية متطورة وحديثة لا أعتقد أن أعداد من يتخرجون فى تلك المعاهد والمدارس كافية وهناك مئات الآلاف من خريجى مدارس الدبلومات الفنية الصناعية والتجارية غير المؤهلين ومثلهم ممن فشلوا أصلًا فى التعليم.
لذا أحلم أن تشمل الاستراتيجية المقترحة تفعيل الحكومة لمراكز التدريب والتأهيل المهنى التابع لها -طبعًا بعد تطويرها وتحديث برامجها- وهى تكاد تغطى محافظات الجمهورية كافة وبمنهج علمى يتم تصميم دورات تدريبية متخصصة على حرف ومهن معينة بحيث يتخرج المتقدم بعد ستة أشهر أو عام على الأكثر وقد حصل على دورة مكثفة تؤهله للعمل، ويكفى الحكومة الحصول على مقابل رمزى لأنها ستكسب من وراء هذا العامل الماهر ميزة عند دعوتها المستثمرين فى القطاع الصناعى بمختلف مستوياته الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، كما أنها ستكسب من وراءه عملة صعبة إذا نجحت فى تصديره إلى الخارج رغم حاجتنا الماسة لكل يد ماهرة.
لنتعبر أنفسنا فى حالة حرب -وهى كذلك فعلًأ- ونمضى بتصميم برنامج عاجل تماما كما كانت الكليات الحربية تخرج طلابها بعد سنوات دراسية مكثفة فى حالة الحرب.
العائق الثانى الذى ينغص على حلمى، هذه البيروقراطية الكسولة والمهملة والفاسدة وهى أم المشكلات التى يتوافق جميع رجال الصناعة على ضرورة حلها فورًأ وبصورة جذرية.
إذا كان الجهاز الإدارى يعانى من عبء هذه الملايين الأربعة أو الخمسة من الموظفين التنفيذيين؛ فلماذا لا تقوم الحكومة مع عدد من الخبراء والشركات المتخصصة وبعض الجهات المعنية مثل اتحاد الصناعات وجمعيات رجال الأعمال بانتقاء العناصر الشابة والتى تملك الحد الأدنى من الكفاءة، والتى ليس فى ملفها ما يشين من المخالفات المالية والإدارية فى كل وزارة أو جهاز أو هيئة ليخضعوا جميعًا لبرامج تطوير وتحديث كل فى مجال عمله يصبح هذا الموظف المؤهل والمدرب هو المعنى بالتعامل مع المستثمرين المصريين والأجانب على حد سواء.
العائق الثالث يرتبط بالثانى على نحو ما، ويتمثل فى سيل الضرائب والرسوم والغرامات المتلاحقة؛ فيما يخص الضرائب والرسوم على الحكومة أن تراجع سياساتها غير المستقرة بمعنى أن تقوم بتثبيت الضرائب والرسوم نوعًا وكمًا لمدى زمنى طويل ومعلوم يعرفه المستثمر مسبقًا، أما الغرامات وغيرها من المشاكل الروتينية غير المبررة فأعتقد أن برامج إعادة تأهيل وتطوير الموظف الحكومى وطبعًا من تشديد آليات الرقابة وأدوات المحاسبة كفيلة بحل هذا النوع من المشكلات المرتبطة أساسًا بمستوى وطريقة تفكير الموظف ودرجة نزاهته.
هذه مجرد أحلام وأفكار سطرتها أملًا وطمعًا ليس فى تحقيقها وإنما فى تحقيق ما هو أفضل منها فى مجال الاستثمار الصناعى خاصة لضمان استقرار اقتصاد هذا البلد ومن ثم ضمان أمنه واستتبابه سياسيًا.
آراء حرة
أحلام مواطن مأزوم..!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق