بعد انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان العراقي نتيجة للانسداد السياسي وتعطل تشكيل حكومة أغلبية وطنية وفق رغبة التيار الصدري، تفكك التحالف السياسي "إنقاذ وطن" الذي ضم نحو 155 نائبا برلمانيا، وباتت مكوناته غير الصدرية هدفا لخصمهم "الإطار التنسيقي" الذي أعلن عن تشاورات مع بقية الأحزب من أجل الذهاب إلى حكومته التوافقية التي يرغبها منذ بداية الأزمة.
والتزم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بموقفه الانسحابي وأصر عليه، خاصة وأن العراق شهد حالة من الجمود بعد تعثر تحالفه السياسي «إنقاذ وطن» الذي يجمع بين ائتلاف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني، في تشكيل الحكومة بعد الرفض المستمر للأسماء المقترحة من قبل «الإطار التنسيقي»، وهو تحالف شيعي منافس يضم اسم رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي.
ولم يجد مقتدى الصدر، بدا من دعوة نواب كتلته من الخروج من اللعبة السياسية، ففي 12 يونيو الجاري وجه الصدر بيانا لنوابه قال فيه: « على رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري، أن يقدم استقالات الأخوات والإخوة في الكتلة إلى رئيس مجلس النواب».
وفي نفس الوقت أعفى النواب الحلفاء، ووجه لهم الشكر لما أبدوه من وطنية وثبات، ووصف البيان الخطوة بأنها تضحية من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول، وأشار « الصدر» إلى أن الكتلة كانت ضحت سابقا من أجل تحرير العراق وسيادته وأمنه ووحدته واستقراره،. وسرعان ما استجاب نواب الكتلة الصدرية فقدموا استقالاتهم لرئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، الذي وافق عليها.
حكومة أغلبية أم توافقية
وتشير التقارير إلى أن الخلافات بين تحالف «إنقاذ وطن» وتحالف «الإطار التنسيقي» معقدة ولا تتوقف عند اعتراض الأخير على الأسماء التي يقدمها التيار الصدري، بل إن الخلافات تصل للحديث عن طبيعة العلاقة مع إيران، والسؤال عن حقيقة السيادة الوطنية، في إشارة إلى أن التحالف الشيعي المنافس الذي يضم مجموعة من الفصائل التي تدين بالولاء لإيران.
وفي إطار البحث عن تشكيل حكومة أغلبية، وفق رغبة «الصدر» في محاولة منه للابتعاد عن المحاصصة والطائفية التي تنطوي على فساد، ومحاولة أيضا للخروج من نظام تشكيل الوزارة السائد منذ سنوات طويلة، هدد بالانسحاب من العملية السياسية وعدم الدخول مع «المالكي» في حكومة توافقية، والتي تسعى إليها فصائل وتحالف «الإطار التنسيقي».
ورغم رفض تحالف «الإطار التنسيقي لحكومة الأغلبية وإصرارهم على حكومة توافقية، فإن الخوف من انسحاب «الصدر» حقيقيا، لأنه يمثل ضغطا شعبيا، إلى جانب أن عودة التيار الصدري للمعارضة يعني زمن الحكومة الجديدة قصيرا للغاية، لذا دفع «الإطار» طويلا نحو حكومة توافقية تجمعهم بالتيار الصدري لكن ذلك كان دون فائدة.
وطوال الأشهر الثمانية الماضية، وقف «الإطار التنسيقي» ضد مشروع التيار الصدري الذي يهدف تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بالتعاون مع ائتلاف سني يضم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ومع الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود برزاني، أمام قوى «"الإطار"» المنافسة التي تجمع الأجنحة السياسية لعدد من الفصائل الشيعية المسلحة، وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وتحالف الفتح مع رئيسه هادي العامري.
إزاحة الفاسدين
مساء الأربعاء الماضي، اجتمع زعيم التيار الصدري مع أعضاء الكتلة الصدرية المستقيلين من البرلمان، وتحدث إليهم، مؤكدا، أنه قرر الانسحاب من العملية السياسية حتى لا أشترك مع الفاسدين. وفي تصريحات مثيرة، أوضح أنه لن يشترك في الانتخابات المقبلة، طالما اشترك فيها الفاسدون، وأنه سوف يشارك في اللحظة التي تتم فيها إزاحة الفساد والمفسدين.
وفي الوقت نفسه، طالب «الصدر» من نواب كتلته أن يستمروا في تطوير أنفسهم وأن يكونوا على أهبة الاستعداد رجالا ونساء للاستمرار مع الشعب والعودة مرة أخرى، محذرا من الانصراف بعيدا.
هذا الخطاب القصير الذى وصفه بـ«الوداع» مع نواب كتلته أثار العديد من الأسئلة في الشارع العراقي، حيث غرد بعض النشطاء متسائلين عن دلالة كلمة «الصدر» «كونوا على أهبة الاستعداد»، فهل هذا يعني أنه يستعد للانتخابات العادية التي تجري كل أربع سنوات، أم أنه يلوح بكلمة «إزاحة الفاسدين» تمهيدا لما يمكن أن يحدث من حل للبرلمان، بينما واصل البعض مطالبة الصدر بإعادة النظر في قراره لأنه السياسي ملكا للشعب، ووصفوه بأن إرثه المجتمعي والوطني يمنعانه من الانسحاب وترك مشروع إصلاح النظام ومحاربة الفساد والاستجابة لمطالب الشعبية التي نادى بها المواطنون في الشارع لفترات طويلة.
المعارضة ومراقبة الحكومة
وهكذا تخلو الساحة أمام قوى «الإطار التنسيقي»، كما أن إحلال عدد جديد من النواب مكان المجموعة المستقيلة خاصة أنها من تيارات وأحزاب أخرى، ما يجعل من إعادة تكوين تحالفات جديدة لظهور الحكومة المرتقبة، في وقت يشهد قلقا في الشارع العراقي بعد انسحاب أعضاء الكتلة الصدرية.
في رسالة مرئية بثها النائب الصدري المستقيل غسان السعيدي، الخميس الماضي، قال، إن الكتلة الصدرية خرجت من رحم الشعب وعادت إليه، وأن تحررهم من البرلمان العراقي بعدما استقالوا لن يمنعهم من مواصلة خدمة الشعب.
وأضاف «السعيدي» تركنا الساحة لكم، وقد أصبح عدد أعضاء مجلس النواب للثلث المعطل 124 عضوا فأرونا كيف تشكلون الحكومة، وتنقلون الشعب العراقي من الويلات والمآسي وإيجاد الحلول الحقيقية لهم.
وأكد النائب الصدري المستقيل، أن تياره سيكون لهم بالمرصاد، مشيرا إلى دور التيار في فضح الفساد وقال قاومناكم في البرلمان بفتح جميع ملفات الفساد وسوف نكون مراقبين لكم.
وتابع، أن كل من يعتقد أن الكراسي والمناصب تهم أبناء التيار الصدري فهو واهم، لأن غاية الفخر في الدنيا والآخرة خدمة الناس وتطبيق المنهج الذي اختطه «الصدر» بأن نجعل هذا البلد آمننا، وأن نوفر الخدمات للناس بغض النظر عن انتمائهم الفكري والعقائدي والسياسي.
ولفت «السعيدي» إلى أن الكتلة الصدرية خلال الأشهر الماضية فعلت ما تستطيع فعله، قدر المستطاع، رغم كل المعوقات، لكننا نعد الشعب العراقي أننا لن نترك هذه الجماهير، ونحن خدم لهم في البرلمان وخدم لهم في الشارع أيضا.
وقبل استقالته بأيام وجه غسان السعيدي رسالة إلى كافة النواب يطالبهم فيها بضرورة الوقوف إلى جانب عدد من القرارات التي تصب في صالح المواطنين، قائلا: نهيب بالسيدات والسادة النواب إلى ضرورة تغليب المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة والتي تدفع للاهتمام بأوضاع البلد وما يعانيه والتصويت لصالح هذا القانون. وهو ما يشير إلى تعنت البعض في الوقوف إلى جانب القوانين المطروحة من قبلهم.
يشار إلى أن القانون العراقي يسمح لدخول العضو الحاصل على أعلى أصوات في الانتخابات التشريعية في دائرة العضو الذي استقال وبات مقعده شاغرا، مما يسمح لعدد آخر من المستقلين أو القريبين من تحالف "الإطار التنسيقي" للدخول إلى البرلمان وتشكيل قوة أكبر وجديدة تذهب لتشكيل حكومتها المرتقبة.