صرح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن مجتمع المدينة كان قائما على تعدد الأديان والأعراق والطوائف، ولم يكن سكان المدينة يوما أبناء دين واحد في ذلك الوقت، وإنما تنوعت أديانهم بين مسلمين ويهود ومشركين، ولكن جمعتهم الدولة الإسلامية في بوتقة المواطنة، فالإسلام والمسلمون لا يعترفون أو يقرون بمسألة تطهير الأرض وتوحيد الدين وإكراه الناس على الدخول في دينهم أو الرحيل من أرضهم، وهذه سنة الله في خلقه، وقد أشار القرآن الكريم إلي التنوع الديني فقال: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا) [الحج:40]، ونبه إلي تعدد الأعراق والشعوب فقال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات:13] كذلك أمر بعدم إجبار أحد على اعتناق الإسلام، فقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) {البقرة}:256.
التعايش السلمي الذي يدعو إليه الإسلام يؤدي إلي تبادل الأفكار والمنافع وتقوية العلاقات مع الآخر
وتابع "جمعة" حديثة عبر حسابة الشخصي على فيس بوك، إن التعايش السلمي الذي يدعو إليه الإسلام يؤدي بدوره إلي تبادل المصالح والأفكار والمنافع وتقوية العلاقات مع الآخر، وقد كان الأمر على هذا الحال منذ فجر الإسلام بين المسلمين وغيرهم، حيث جعل الإسلام علاقة المسلمين بغيرهم قائمة على أسس إيمانية مبنية على قيمة السلام، وبعيدة عن صفة العنف والطغيان، وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النموذج في التعامل مع غير المسلمين بالحسنى، فكان يحسن حوارهم، ويؤدي إليهم حقوقهم، ويدعو إلى حسن معاملتهم في الأمور اليومية، في إطار من الرحمة وحفظ كرامة الإنسان.
لا بأس بعيادة أهل الذمة وغير المقاتلين من الكفار
وأوضح الدكتور علي، أن من صور الإحسان في معاملتهم: عيادة مريضهم، إذ لا بأس بعيادة أهل الذمة وغير المقاتلين من الكفار، لأنه -كما قال الإمام الزيلعي- نوع بر في حقهم، وما نهينا عن ذلك، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا مرض بجواره، (نصب الراية) وهو ما رواه البخاري أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطلع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار (البخاري).
من حسن معاملة الآخر إفشاء السلام بينهم
وقال "جمعة"، إنه من حسن معاملة الآخر أيضا: إفشاء السلام بينهم، ففيه من البر في حقهم ما يؤلف قلوبهم، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (البخاري)، قال القرطبي: وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه، وكان أبو أسامة إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك، فقال: أمرنا أن نفشي السلام. (تفسير القرطبي).