في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار نستكمل مناقشة حقيقة حتشبسوت وحور محب وعلاقتهما بخروج نبى الله موسى.
وقد استعرضنا دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر ومكان إقامة بنى إسرائيل في مصر ومناقشة موقع ولادة نبى الله موسى وتربيته في بلاط أحد ملوك مصر وموقع بئر موسى في مدين حيث قابل الفتاتين وتزوج وعاش لمدة عشر سنوات والتجلى الأول عند شجرة العليقة الملتهبة وجبل موسى كقيمة روحية استثنائية بالوادى المقدس طوى والشروط الواجب توافرها في فرعون موسى في ثمانية حلقات ماضية .
وينوه الدكتور ريحان إلى أغرب ما ذكر عن فرعون موسى بأنها الملكة حتشبسوت حيث يرى غطاس عبد الملك الخشبة أن ميلاد نبى الله موسى عام 1548ق.م.، وكان خروج بنى إسرائيل فى عهد الملكة حتشبسوت عام 1468ق.م. بقيادة نبى الله موسى وكان عمره ثمانون عامًا، وقد ماتت غرقًا عندما لاحقتهم مع الجيش فى أطراف بحيرة المنزلة وأصيبت بالحمة نتيجة ذلك ودفنها تحتمس الثالث سرًا لاغتصابها الحكم منه
ولقد أخرجت حتشبسوت من الماء فى حالة سيئة لذلك أصيبت بالحمى وتكتم أخوها تحتمس الثالث خبرها فلما ماتت دفنها خلسة دون تحنيط أو مراسيم ملكية، ولم يشأ إذاعة خبرها أصلًا وليس فى تاريخ الآثار المصرية والنصوص ما يفيد خبرًا للملكة حتشبسوت بعد الخروج عام 1468ق.م.
وهناك نص ينسب إلى الملكة حتشبسوت يرجع إلى ما بعد طرد الهكسوس فيما بين عام 1486إلى 1469ق.م. ينبئ عن سخطها وضيقها من سلوك المهاجرين الذين كانوا فى أواريس شمال الدلتا منذ عهد الهكسوس، ويذكر بأنها سمحت لأولئك المخربين الذين أغضبوا الآلهة بالخروج وقد ابتلعت الأرض آثار أقدامهم، وهذا النص قيل إنه مدون على واجهة أحد معابدها فى منطقة "اسطبل عنتر" بمصر القديمة وقد أخذ عن ترجمة حديثة لعالم الآثار المصرية جاردنر.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن هذا الرأي يناقض نفسه لعدم منطقيته من انتقاد غطاس عبد الملك الخشبة لما أعلنه الدكتور هانز جيديك عالم المصريات بجامعة جونز هو بكتر بواشنطن من أن خروج بنى إسرائيل كان فى ربيع عام 1477 ق.م. فى عهد الملكة حتشبسوت، معتمدًا على تاريخ حدوث انفجار بركانى بجزيرة تيرا التى تعرف بجزيرة سانتورين 70كم شمال جزيرة كريت تصادف مع خروج بنى إسرائيل عند وصولهم إلى بحيرة المنزلة لكى يسلكوا الطريق الساحلى إلى أرض كنعان، فلما أشرفوا على ربوة تطل على الصحراء جنوب شرق البحيرة بحوالى ستة أميال ونصف نظروا فإذا بجيش فرعون يتعقبهم فوقفوا استعدادًا للدفاع، وكان وصول الجيش بخيله ومركباته فى اللحظة التى وصل فيها المد إلى شاطئ البحر المتوسط عند البحيرة فارتفع منسوب المياه وفاضت على الأراضى المجاورة فأغرقت جنود فرعون ومركباته.
ومما يفنّد هذا الرأي أن اقتران انفجار بركانى فى إحدى جزر اليونان التى تبعد عن بحيرة المنزلة بأكثر من ألف كيلومتر بحدوث موجات مد فى الوقت نفسه قد وصل إلى جيش فرعون ليغرقه أمر غير مقبول ولا يقبله العقل ويبدو كأنه متعمد لمثل هذه المناسبة بالذات لإنكار المعجزة الإلهية ونسبها إلى حركة مد وجزر، كما أنه لا يوجد فى أحداث التاريخ العام ما يثبت حدوث هذا الانفجار البركانى فى ربيع تلك السنة 1477ق.م.
وبالتالي فلا علاقة للملكة حتشبسوت بمسار نبى الله موسى وخروج بنى إسرائيل من مصر وقد حكمت حتشبسوت 22 عامًا وحكم تحتمس الثالث 32 عامًا وبفرض ولادة موسى فى عهد حتشبسوت فإن عند بلوغه 61 عامًا حيث فر من مصر فإن ذلك يكون بعد حكم تحتمس الثالث بكل تأكيد فكل ما اعتمدوا عليه من أدلة ليس له أساس تاريخي أو منطقي.
ويتابع الدكتور ريحان أن الباحثين فسّروا ما ورد فى القرآن الكريم وفى التوراة عن قصة ميلاد نبى الله موسى بأن الملك الذى ولد موسى فى عهده كان عقيمًا، وبالتالي فقد تم استبعاد رمسيس الثانى الذى له العديد من الأبناء، }وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{ سورة القصص 9، وقال الحافظ بن كثير زوجة فرعونموسى هى آسية بنت مزاحم وفسّر "أو نتخذه ولدًا" أى أرادت أن تتخذه ولدًا وتتبناه لعدم وجود ولد منه
وبناءً عليه أشار بعض الباحثين إلى أن تاريخ وآثار الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة يتضمن وجود ملوك أربعة لم ينجبوا ذكرانًا وهم الملوك الأربعة الأواخر فى نهاية الأسرة الثامنة عشرة وهم سمنخ كارع- توت عنخ آمون- آى- حور محب وحكموا فى الفترة من 1338 إلى 1307 ق.م. وقد حكم سمنخ كارع عامان وحكم توت عنخ آمون بضع سنوات وحكم آى ما يقرب من 4 سنوات وحكم حور محب 25 سنة
ولفت الدكتور ريحان إلى أن قصر مدة سمنخ كارع- توت عنخ آمون- نفت عنهم صفة فرعون موسى طبقًا لهذا الرأى وترجيح أن يكون حور محب فرعون الاضطهاد حيث طالت مدة اضطهاده لبنى إسرائيل ولم يبدأ الاضطهاد إلا فى عهد هذا الملك الذى اشتهر بسن قوانين جديدة صارمة وخاصة فى باب العقوبات كما أنه لم ينجب أبدًا وانتهت به الأسرة الثامنة عشرة لعدم وجود وريث شرعى.
وعلى هذا فقد تربى موسى فى القصر الملكى فى منف خاصة أن هذا الملك شيد مقبرة ضخمة له فى منف عندما كان قائدًا للجيش ويبدو أنه أقام فى القصر الملكى فى منف بعد توليه العرش ومارس التنكيل ببنى إسرائيل، حتى أتى بعده رمسيس الأول وكان مولده فى شرق الدلتا وسط بنى إسرائيل وكان يعلم مدى خطرهم على دولته فاستكمل الانتقام منهم ولم يمهله القدر وكانت مدة حكمه عامين، وتولى بعده سيتى الأول الذى حكم 15 عام ويبدو أن موسى قد ولد فى آواخر حكم حور محب وتربى فى القصر الملكى حتى بلغ أشده ثم هرب إلى مدين وعاش هناك حتى بلغ الثمانين، ومن المعروف أن موسى توفى عن عمر يناهز 120 عام حيث أمضى 40 سنة مع بنى إسرائيل فى سيناء ثم توفى، وبحساب مدة حكم رمسيس الأول وسيتى الأول ورمسيس الثانى تكون 80 عام تقريبًا وعلى هذا يكون الخروج فى عهد رمسيس الثانى
ويرى الدكتور ريحان أن فكرة وجود فرعونين، فرعون للاضطهاد وفرعون للخروج مرفوضة تمامًا حيث تشير آيات القرآن الكريم إلى شخصية واحدة ولد في عهده نبى الله موسى وتربى في بلاطه وبعث إليه لهدايته وطلب خروج بنى إسرائيل وخرج في عهده بالطبع وقد حدد القرآن الكريم صفات لهذا الفرعون، وقد ذكّر هذا الفرعون نبى اللهموسى بتربيته في قصره وفضله عليه حين جاء لهدايته وطلب خروج بنى إسرائيل بعد عودته من مدين }قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{ الشعراء 18 – 19
وبالتالي أي نظرية تقوم على وجود فرعونين، فرعون للاضطهاد وآخر للخروج مرفوضة لتناقضها مع آيات القرآن الكريم.