بيوت وأسر تأكلها نيـران "الأحوال الشخصية" بحسب ما يسمى رجال الكنيسة القبطية قوانين الأحوال الشخصية، أزمة طاحنة وصداع لا ينتهي فى رأس المسيحيين وتحديدًا أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وخاصة بعدما أغلق المنفذ الوحيد للخروج من زيجات فاشلة وحياة دامسة، بعد تعديلات لائحة الأحوال الشخصية المعروفة إعلاميـًا بـ38، والتي جرت عليها تعديلات عام 2008 في عهد البابا الراحل شنودة الثالث، واقتصر الانفصال والتطليق على واقعة الزنا وما فى حكم الزنا؛ بعدما كان هناك عشرة أسباب للتطليق.
تلك القرارت التى فتحت الباب للراغبين الانفصال إما اللجوء لتغيير الملة والمذهب والانتماء لطوائف أخرى ولو بصورة ظاهرية للخلاص من الزواج، ووصلت فى بعضها لترك الدين تمامًا، ولاسيما أن إثبات واقعة الزنا أمر كان غاية الصعوبة وفق المفهوم قانونيًا وما يستلزم من شهود وثبوت.
وصار الحال لسنوات ملف الأحوال الشخصية والمتضررين رجال أو نساء فى جولة ما بين أقطاب تغيير الملة أو المذهب، ووصل الأمر لفرض تسعيرة على قبول انتساب الشخص للطائفة أو المذهب الآخر، ومجال آخر للشهادات المضروبة والمزورة لطوائف أو مذاهب مسيحية أخرى.
ورغم الحديث في مطلع التسعينيات عن صدور قانون موحد للأحوال الشخصية جاءت النتيجة "محلك سر"، وعاد المقترح للنور مرة أخرى خلال السنوات الماضية ودارت الاجتماعات واللقاءات والتوافقات بين عدد من الطوائف المسيحية الرئيسية ووضعوا رؤية واحدة وباب خاص لكل طائفة ومذهب، وتحركت مسودة القانون من دولاب الكنيسة إلي وزارة العدل ومنها للكنيسة مرة أخرى لبحث الملاحظات وتداركها، ومن ثم دخل مجلس النواب وغاب عن العين والسؤال! ، وظل الحال كما هو عليه المتضررون فى أزمة وباب الأمل مقفولا، مما جعل الأمر مطمعا لكل الخارجين عن الطوائف أو المنتفعين للمتاجرة بفكرة شهادات الملة سليمة أو مضروبة "عرض وطلب"، من طوائف ومذاهب فرعية بكنائس معينة أو أخرى تحسب ظاهريًا كنسية وهى في الأساس لا محل لها من الإعراب يقودها مطاريد من كنائس رئيسية، لتزداد الأزمة تعقيدا.
تعديلات جديدة
ونظرًا لتفاقم الأزمة دعا المجمع المقدس للكنيسة القبطية برئاسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية لمناقشة الأمر وتوصل إلى إقرار الكنيسة فى سيمنار عام 2016 المنعقد بدير الأنبا بيشوي، قانون الأحوال الشخصية الموحد بالإجماع بعد أن تم حسم الخلافات بين أعضائه وبحضور 109 أساقف عقب إقرار مادة الهجر بالقانون، والتى تعد توسعا كبيرا فى أسباب بطلان الزواج بعد أن كان السبب الوحيد للطلاق هو لعلة الزنا.. وأصبحت التعديلات الجديدة تتضمن (الزنا الحكمى،الهجر، الأدمان، الإلحاد، الأمراض الخطيرة)، على أن تمنح الكنيسة الطلاق المدنى، واحتفظت فى ذات الوقت لنفسها إقرار الزواج الثانى طبقاً لظروف كل حالة بعد دراستها. وذلك حسب ماجاء بكتاب "الخلاصة القانونية فى الأحوال الشخصية"، والكتاب يتناول ما كتبه القمص فيلوثاؤس عوض رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى بتوصية من البابا كيرلس الخامس البطريرك ال 112، والذى خدم طيلة 52 عاما وتسعة أشهر فى الفترة (1874 - 1927 م.)، وكان هناك عشرة أسباب للتطليق وفسخ الزيجة تبدو متشابهة مع ما ورد في لائحة 38 قبل التعديلات الأخيرة التى طرأت في عهد البابا شنودة.
في ضوء "الضجيج بلا طحين" عبر سنوات طويلة وتزايد الوافدين إلي الكنيسة طالبين التطليق أو التصريح بزواج ثاني، دفع الكنيسة وعلي رأسها البابا تواضروس إلي تشكيل 6 مجالس إقليمية الإكليريكية للأحوال الشخصية منذ عام 2015 ويعاد تشكيل أعضائها كل ثلاث سنوات، وهى: "دائرة الأحوال الشخصية بأمريكا وكندا، ودائرة الأحوال الشخصية بأوروبا، و دائرة الأحوال الشخصية بآسيا وأستراليا، ودائـرة الأحـوال الشخصية بالقاهـرة والجيزة وأفريقيا، ودائرة الأحـوال الشخصية بالإسكندرية والوجه البحري، و دائرة الأحوال الشخصية بالوجه القبلي".
واستهدفت الكنيسة والبطريرك من تلك الخطوة الهامة سرعة النظر فى الملفات المفتوحة وتيسيرًا على المتضررين ، كما أولت اهتماما أن تضم تشكيلات المجالس رجال دين ومتخصصين وأطباء ومحامين وتنعقد شهريا لبحث أزمات الأحوال الشخصية للأقباط ،والطلاق، بالإضافة إلى إعطاء تصاريح للزواج الثاني حسب قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما يجتمع المجلس الإكليريكي للأحوال الشخصية مرة في العام على الأقل، ويختص بدراسة وتقييم أعمال المجالس على مستوى الأقاليم والإيبارشيات، ودراسة الحالات الخاصة بالأحوال الشخصية التى يحيلها البابا إلى هذا المجلس، وتعمل هذه المجالس على تطبيق لائحة 2016، التي أصدرها المجمع المقدس وبها توسع في أسباب التطليق.
كما تجتهد الكنيسة بصورة أو بأخرى فى وأد ظهور الأزمات من خلال تخصيص كورس باسم المشورة لتدريب المقبلين علي الزواج تقبل بعضهما ووأد الصدامات لبناء بيت قويم، ويدرب فيه كهنة واستشاريين نفسيين وغيرهم، أيضا تفرض فكرة الكشف المبكر ليكون الجميع علي دراية بصحة وسلامة المقبلين علي الزواج لتدارك أزمة حالكة تحدث فيما بعد؛ فضلا عن العظات التي يعددها البطريرك عن سر الزيجة وأهمية بناء أسرة سليمة، وأيضا إطلاق عام "أسرتي مقدسة" الذي جاء كتوصية من المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جلسته الأخيرة.