نحتفل اليوم بذكرى مرور 66 عاما على جلاء آخر جندي إنجليزي من منطقة قناة السويس، بعد كفاح استمر 73 عاما و9 أشهر و7 أيام، بعدما أعلنت الحكومة البريطانية في 28 يونيو عام 1882 قرار باحتلال مصر وهاجمت مواقع الجيش المصري بمنطقة التل الكبير بالإسماعيلية.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت منطقة قناة السويس مقرا لأكبر قاعدة عسكرية للاحتلال البريطاني في الشرق الأوسط، وبالتحديد في محافظة الإسماعيلية، حيث كان معسكر الجلاء، مركزا لقيادة القوات البريطانية، والتي بلغ عددها أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني.
حكايات وبطولات دفع ثمنها أبناء منطقة القناة لجلاء المستعمر الإنجليزي عن أراضيها، ويأتي يوم الجلاء ليعيد لذاكرتنا صورا من نضال الشعب المصري وأبطال المقاومة الشعبية وتضحياتهم. وفي ذكرى عيد الجلاء، تستعرض «البوابة» بطولات أبناء المقاومة الشعبية أمام الاحتلال البريطاني.
عبدالرؤوف عدس.. صحفى برتبة فدائى
العقل المدبر للأعمال الفدائية الإسماعيلية.. قائد استطلاع للفدائيين.. وخزن الأسلحة في مقر الجريدة
كان الكاتب الصحفي عبدالرؤوف عدس، أحد أبناء محافظة الإسماعيلية، يشرف على جيش التحرير الوطني، يقول نجله «عبدالوهاب» أنه تم إنشاء أكبر قاعدة عسكرية للجيش الإنجليزي المغتصب على أرض الإسماعيلية داخل معسكر الجلاء، وكانت عائلات الضباط والجنود الإنجليز تقيم في الإسماعيلية، لذلك خرج من كل بيت إسماعلاوي فدائي يحمل السلاح ضد المستعمر المغتصب، والتحم أبناء المدينة مع بعضهم البعض وحملوا أرواحهم على أكتافهم لإجبار المحتل على مغادرة أرضهم.
ومن خلال ذاكرة والده، يؤكد أن البداية كانت بخطف الأسلحة والذخيرة من معسكرات الجيش الإنجليزي بأعمال فدائية متوالية، وإخفاء السلاح داخل مقابر المدينة أو داخل مصنع غويبة لإنتاج الثلج، وأضاف أن والده كان أحد قادة هؤلاء الفدائيين، وأطلقوا عليه الأب الروحي للفدائيين، حيث كان يدعمهم ماديا واجتماعيا وكان يساعدهم بإخفاء الاسلحة داخل مكتبه الصحفي الإسماعيلية، حيث لا يتصور جنود الاحتلال أن مكتب جريدة يمكن أن يتحول إلى مقر قيادة الفدائيين الخفي.
وكان عبدالرؤوف عدس يعمل مراسلا صحفيا لعدة صحف بالإسماعيلية، ثم انتقل محررا عسكريا لجريدة الجمهورية وقام بتغطية حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف، وكان بحكم عمله يتواجد في موقع الحدث ولا يعلم الجيش الإنجليزي أنه وراء الأعمال الفدائية، كان يذهب إلى قسم الشرطة ليتوسط لدى رجال البوليس المصري للإفراج عن الفدائيين الذي يلقى الإنجليز القبض عليهم من منازلهم لاتهامهم بأعمال فدائية.
وأكد أن والده عبدالرؤوف عدس كانت تربطه علاقة وطيدة برجال الشرطة المصرية، وأجاد استخدامها لصالح لفدائيين وتقديم كافة أشكال الدعم لهم من غذاء وملبس طوال تواجدهم بالحجز، لافتا إلى أنه كان العقل المدبر للأعمال الفدائية الإسماعيلية والداعم القوي للفدائيين، وكان يعمل كقائد استطلاع أمام الفدائيين قبل كل عملية، حيث كان بحكم عمله كصحفي يسمح له بالمرور والتواجد في مختلف الأماكن، وكان يعطي إشارة التحرك المتفق عليها مع الفدائيين لينطلقوا إلى تنفيذ العملية.
وأشار إلى أن القوات المسلحة اختارته قائدا على مجموعات التحرير، التي تم تشكيلها عقب ثورة 23 يوليو تحت إشراف الضباط الأحرار، منهم كمال الدين رفعت وكمال الدين حسين وبعد ذلك تم تعين عبد الرؤوف عدس قائدا للحرس الوطني الإسماعيلية، حيث كان يتولى مهمة تدريب الأفراد في معسكرات الجيش المصري، كما كان على علاقة جيدة بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكذلك الرئيس محمد أنور السادات.
وقال سيذكر التاريخ أن هؤلاء الأبطال من أبناء الإسماعيلية البسطاء بأسلحتهم التقليدية التي حصلوا عليها من داخل معسكرات الإنجليز المحتل، استطاعوا تدمير أكبر مستودع للأسلحة والذخيرة في أبوسلطان، واستمر الحريق 14 ساعة وحاولت القوات البريطانية البحث عن الفدائيين ولم يعثروا على واحد منهم.
وأضاف من أشهر العمليات الفدائية تفجير عربة يد محملة بالبرتقال تجمع حولها جنود الإنجليز، أسفرت عن مقتل 15 وجرح 22 من جنود الاحتلال، أيضا محاولة اغتيال الجنرال إكسهام، قائد قوات الاحتلال في منطقة القناة، والتي نجى منها بأعجوبة وأصيب سائق سيارته وحارسه الخاص.
يذكر أن القوات المسلحة منحت رتبة عسكرية للصحفي عبد الرؤوف عدس تقديرا وتكريما لدوره الوطني
«أبوشارب» شاهد على معركة الشرطة
تفاصيل استشهاد نجل الإمباشى صادق على يد الاحتلال الإنجليزى
قوات الشرطة ترفض أوامر الجنرال أوكسام بالاستسلام
وفؤاد سراج الدين يأمر باستمرار القتال حتى آخر طلقة
جيش الاحتلال البريطانى يؤدى التحية العسكرية للجنود المصريين
يقول أبوالمعاطي أبو شارب، نجل أحمد عبدالرحمن أبوشارب، أحد رجال قسم البستان الذي شهد أحداث معركة الشرطة في 25 يناير 1952، أن شرارة الأعمال الفدائية بمدن القناة بدأت، عندما أعلن مصطفى النحاس، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت فور الاعلان بإلغاء معاهدة عام 1936، وبدأ أول احتكاك بين رجال المقاومة والبوليس فى منطقة التل الكبير بجوار الكبرى المواجهة لجامع الملك بالبر الثاني وثكنات بلوكات الأمن بقسم البستان المحافظة القديمة يوم 17 نوفمبر عام 1951، وأطلقوا عليهم وابلا من النيران وأصيب العديد منهم بإصابات بالغة، فاضطروا بالرد عليهم بالمثل ببنادق التى يستعملها الآن رجال الخفر فى الأرياف من نوع « لى أنفليد» وكانت بها خزنة تسع خمس طلقات ولا تستطيع ضرب النار إلا بطلقات فردية أي طلقة طلقة، بالإضافة إلى الفارق الكبير فى التسليح والتدريب على أساليب التكتيك والقتال، واثبتوا بطولة وشجاعة وصمود ضد هذا الاعتداء تحت قيادة ضباطنا الشباب.
وأكد أن ما حدث أجبر الإنجليز على تعزيز قواتهم، وقاموا بفرض أسلاك شائكة بالجي الإفرنجي حتى ميدان الممر ومنطقة عرايشية مصر والمثلث وشارع الثلاثيني حتى كوبري سالا، وأحكمت قبضتهم على المدينة بالكامل، وانتشر رجال المظلات الإنجليز الذين يطلقون عليهم الشياطين الحمر فى كل شوارع المدينة، لبث الرعب بين المدنيين، وفرض حظر التجول فى شوارع المدينة.
وذكر أن والده روى له تفاصيل استشهاد نجل الإمباشي صادق على يد الاحتلال الإنجليزي، وقال فى شارع سيناء خلف نيابة بندر الإسماعيلية الشهر العقاري حاليا، بينما أخذت القوات الإنجليزية تجوب بالعربات المصفحة والدبابات الإنجليزية شوارع مدينة الإسماعيلية لمراقبة حظر التجول، شاهدت قوات المظلات في شارع وادي حلفا الشاب فايز صادق البالغ من العمر 22 عاما نجل الإمباشى صادق، الذي كان متواجد في الخدمة محاصر بقسم البستان، وأطلق جنود المظلات الإنجليز النار عليه بلا رحمة، وسقط شهيدا مدرجا فى دمائه لفرض حظر التجول فى الشوارع، وأخذت تحلق الطائرات الحربية الإنجليزية على ارتفاعات منخفضة.
وأضاف أدرك الإنجليز فى هذا اليوم التاريخي أن هناك شيئا غريب يسرى فى دماء الشعب المصري ورجاله من البوليس، وبدأوا بترحيل عائلاتهم من مدينة الإسماعيلية خوفا عليهم من بطش الفدائيين، وكان هناك تنظيم منسق بين ضباط البوليس وضباط الجيش الذين أمدوا رجال البوليس ورجال المقاومة بكميات هائلة من الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية، ويرجع الفضل لأبطال الجيش المصري وعلى رأسهم المقدم طيار وجيه أباظة، والنقيب كمال رفعت اللذان ساعدا على اشتعال المقاومة بشراسة، ووضع الخطط لرجال الفدائيين الذين أتوا من كل مكان من شباب مصر وتدريبهم على الأعمال الفدائية، وتوجيه ضربات قاتلة فى معسكرات الإنجليز.
وقال تمضى الأيام سريعة وينطوى عام1951 وتشرق شمس عام 1952 ولا يعرفوا ماذا كان يعد لهم الإنجليز، وفى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير الساعة السادسة صباحا عام 1952 كان نوبتجى فى ذلك اليوم ضابط عظيم بالنيابة عن مأمور القسم الملازم أول عبد الحميد سالم، من بلدة سمنود غربية، ومن معه في الخدمة في هذا اليوم شعروا بتحركات عسكرية غريبة وأرتال من الجنود الإنجليز بالآلاف مدججين بأحدث الأسلحة والدبابات والعربات المصفحة تطوق مبنى قسم البستان، وعلى الفور قام جندي الإشارة بالاتصال بالضباط لإخطارهم بالأمر فى استراحة الضباط وبعضهم كان يقيم فى فندق بالاس بجوار محطة القطار وأخبرهم أحد المخبرين السريين وجنود الحراسة بالمنطقة الذين يقومون بحراستهم ليلا بتحركات وأصوات غير عادية فى شوارع المدينة.
وعلى الفور ارتدى الضباط الشبان ملابسهم العسكرية وتوجهوا فورا لمتابعة الموقف وتوزيع أنفسهم، ليتولى قيادة الجنود النقيب مصطفى رفعت والنقيب عبدالمسيح مرقص، وتوزيع النقيب مصطفى عشوب والملازم أول فؤاد الدالي إلى ثكنات الجنود بمبنى المستوصف مكتب الصحة حاليا، واللواء محمد متولي والنقيب صلاح ذوالفقار والنقيب صلاح دسوقى الذين أتوا من القاهرة لتنظيم المقاومة الشعبية، وقد علموا من النقيب مصطفى رفعت الذى يعطي لهم التعليمات لحظة بلحظة بأن المقدم شريف العبد ضابط الاتصال تم استدعاؤهم لمقابلة الجنرال أكسهام، قائد القوات البريطانية، بمبنى هيئة قناة السويس المجاور للمحافظة، وسلمه إنذارا بإخلاء مبنى المحافظة من الجنود والضباط والأسلحة وترحيلهم إلى محطة قطار الإسماعيلية، وهناك قطار مجهز لهم وترحيلهم الى القاهرة.
وتم إخطار اللواء أحمد رائف، قائد بلوكات الأمن، وأخطر به وكيل المحافظة على بك حلمي، ورفض على بك حلمي الإنذار، وعلى الفور قام بالاتصال بوزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا، الساعة السادسة صباحا و15 دقيقة كما هو مدون فى دفاتر الإشارة بالقسم.
وجاءت لهم إشارة بالدفاع والصمود بكل قوة حتى أخر طلقة، وأرسلت إشارة من خلال ضابط الاتصال شريف العبد الى الإنجليز برد وزير الداخلية، وانتهت مدة الإنذار، وشهدت مدينة الإسماعيلية أعظم ملحمة تاريخية فى نضالها ضد الاحتلال الإنجليزي، التى شهدت أحداثا أقل ما توصف بأنها كانت ترقص على أنغام البارود من البركان الثائر من رجال البوليس والفدائيين لتحرير تراب الوطن من الإنجليز.
أثبت المصريون العزيمة والشجاعة والكفاح بإيمانهم القوى بالله ووطنهم، وبأسلحة نظامية أثبتوا أنهم أمام قوات محتلة يدافعون عن الشرف والكرامة بشجاعة متواصلة برغم الدمار والحرائق والخراب فى كل مكان، التى أحاطتهم من كل جانب وعشرات من الشهداء والجرحى ولم تتحرك فى قلب الجنرال أكسهام الرحمة أو الشفقة بالسماح لعربات الإسعاف لنقلهم الى المستشفى أو تقديم المساعدات الطبية، ضاربا بعرض الحائط جميع القوانين الإنسانية والأعراف الدولية باحترامها وأخذت مدفعية الميدان والدبابات والعربات المصفحة تقتحم وتدمر أسوار قسم البستان وتمطرهم بوابل من الرصاص والقنابل على مبنى قسم البستان وثكنات بلوكات الأمن بلا هوادة.
تلطخت دماء الشهداء والجرحى فى طرقات وجدران قسم البستان فى كل مكان وتوقف القتال، فجاءه ليجدد الجنرال أكسهام تهديداته لهم إذا لم يستجيبوا لندائه بالتسليم سيدمر المبنى بمن فيه، وسمع «أكسهام» صوت النقيب مصطفى رفعت يزلزل أرجاء قسم البستان، وهو يرد عليه بكل شجاعة وحماسة الأبطال « لن تستسلموا منا إلا جثثنا هامدة »
وجن جنون «أكسهام» لهذا الرد من النقيب مصطفى رفعت وهو يحمل السلاح بين جنوده الأبطال خلف السواتر الرملية وأيديهم على الزناد بأسلحتهم التى كانت تستغرق وقت أثناء التعمير والضرب.
وفى الساعة العاشرة صباحا، جاء جندي الإشارة يستدعى النقيب مصطفى رفعت ليبلغه بأن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين على التليفون يريد التحدث معه، ولحظات عاد النقيب مصطفى بينهم ليبلغهم رسالة الوزير لرفع روحهم المعنوية وتقديره لشجاعتهم وأن يستمروا فى القتال حتى آخر طلقة.
واندلعت طلقات المدفعية وزمجرت الدبابات وانهمرت القنابل فى كل مكان وانهارت جدران المبنى أنقاض وتبعثرت الأشلاء ورويت الأرض بالدماء رغم هذا الجحيم ظل أبطال الشرطة يقاومون ببنادقهم العتيقة ضد المدافع والدبابات حتى نفذت ذخيرتهم، وسقط فى ساحة الشرف 56 شهيدا ومائة جريح منهم 80 جريحا بإصابة خطيرة و20 بإصابة خفيفة.
وقدرت خسائر الإنجليز 13 قتيلا و15 جريحا ولم يعلنوا الأرقام الصحيحة لخسائرهم وتوقف القتال وخرج جميع من تبقى منهم علي قيد الحياة وخرج المصابون بعد نفاد الذخيرة فى طابور من داخل إنقاد مبنى قسم البستان رافعين رؤوسهم من الشجاعة والشهامة فى خطوة عسكرية منتظمة.
واصطف المئات من الجنود الإنجليز وعلى رأسهم الجنرال أكسهام لتأدية التحية العسكرية لهم بطريقة مشرفة لهم باستعراض عسكري وعزف البروجي لهم سلام سلاح، بعدها قال للقادة من الضباط الشباب المصريين« لقد قاتل رجال البوليس المصري بشرف واستسلموا بشرف ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا »،بعد ذلك تم أسر من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وتم نقلهم بعربات نقل الجنود الإنجليزية إلى معتقل الأسر بمنطقة نائية فى صحراء الإسماعيلية داخل الخيام، وأفرج عنهم جميعا فى شهر فبراير، وتم استخراج كرنيهات جديدة لهم بدلا من التى فقدت أثناء المعركة وموقع عليها حكمدار قسم البستان الإسماعيلية على حلمي، ولا زال بعض الأبناء والأحفاد يحتفظون ببعض الصور للذكرى، أما التاريخ فلا ينسى الأبطال والشهداء الذين روت دماؤهم ردهات قسم البستان وشوارع مدينة الإسماعيلية وتركوا بصماتهم للتاريخ من أوسع أبوابه.
عندما هتف العمال« تحيا مصر.. يسقط الاستعمار»
40 ألف عامل تركوا العمل فى المعسكرات الإنجليزية بعد إلغاء المعاهدة
تحذير بإعدام كل تاجر خائن يتعامل مع الإنجليز
يؤكد المؤرخ أحمد فيصل أن الأحداث تصاعدت الإسماعيلية عقب يوم 16 أكتوبر 1951 وحريق النادي الإنجليزي، وكانت البداية مع العمال حيث أضرب العمال المصريون في المعسكرات البريطانية عن العمل وانسحبوا جميعا استجابة لنداء عدم التعاون مع المحتلين بعد إلغاء المعاهدة وترك 40 ألف عامل العمل في المعسكرات البريطانية، وتدخلت الحكومة الوفدية في ذلك الوقت ووفرت عمل لهؤلاء العمال عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية، التي كان يرأسها عبدالفتاح حسن، وامتنع عمال السكة الحديد عن التعامل مع القوات البريطانية، فتوقفت حركتها وكذلك عمال الشحن والتفريغ، مما أربك العمل في الجيش البريطاني.
وإذا كان العمال المصريون قد تركوا أعمالهم في المعسكرات بعد إلغاء المعاهدة بدافع من شعورهم الوطني، فإن علاقتهم مع الإنجليز في تلك المعسكرات قبل المعاهدة كانت دائمًا في صراع وحرب خفية، ولذلك قررت قيادة الجيش البريطاني بفايد وقبل إلغاء المعاهدة فصل ٢٤ عاملا بدعوى أنهم يحرضون بقية العمال على المطالبة برفع أجورهم، وبعد صدور قرار الفصل جيء بالعمال المفصولين وأوقفوهم صفا واحدًا، ثم دعي عمال المعسكر ليشهدوا الطريقة التي يطرد بما هؤلاء العمال! ووقف أحد الإنجليز يقول في الميكرفون: إن القيادة البريطانية التي أكرمت هؤلاء اللثام يؤسفها أن تسلمهم إلى أحضان الجوع... وهي على ثقة من إن طردهم سوف يكون عبرة لغيرهم.
ولم يجد هؤلاء العمال ما يردون به إلا هتفوا جميعًا «تحيا مصر..تسقط بريطانيا.. يسقط الاستعمار» وقامت إدارة الجيش البريطاني أيضا بفصل ٨٠ عاملا مصريًا من معسكر الطيران في فايد، وجاء هذا الفصل لأنهم اعتقدوا إن هؤلاء العمال وهم من الطهاة يضعون لهم السم في الطعام مصر، وأسندوا ذلك إلى طهاة آخرين بريطانيين وقد قامت السلطات البريطانية بالقبض على اليوزباشي حسن طلعت رئيس القسم المخصوص لأن له نشاطا في تحريض العمال، وتم إبعاد الملازم حامد عفيفي رئيس نقطة فايد واليوزباشي عبد الخالق بركات رئيس نقطة جنيفة، والكونستايل إبراهيم الدسوقي رئيس نقطة أبوسلطان، كما ألقي القبض على عدد من رؤساء العمال الذين كانوا يشرفون على حركة انسحاب العمال ومنهم: دسوقي القرشي وإبراهيم مبارك ومحمد عبد العال ومحمد الليثي ومحمد كامل ومحمد خطاب عليش وتوفيق بركات.
وأضاف أن الجماعة التي كونها أحمد فهمي عبدالقادر مع المرحوم محمود عبد الرحيم سليمان قامت بإصدار مشور بقائمتين « قائمة الشرف» وتتضمن أسماء التجار الوطنيين الذين لا يعاملون مع قوات الاحتلال وقائمة «الخيانة» وتضمن المتعاونين معهم، وتم توزيع المنشورات في جميع أنحاء المدينة. كما تم توزيع منشورات الجماعات أخرى يوم ۲۲ أكتوبر ١٩٥١ على جميع متعهدي الجيش المصري والتجار المتعاونين مع الجيش البريطاني، تتضمن التهديد بالإعدام إذا استمروا في التعامل معهم، وقد رد تجار الفاكهة والخضر على هذه المنشورات بمنشور يؤكدون فيه أهم قطعوا علاقاتهم التجارية بالقوات البريطانية تلبية لنداء الوطن، ويطالبون جميع التجار أن يحذوا حذوهم، وأنهم إذا استمروا في التعاون مع القوات البريطانية فسيقومون بالإعلان عن أسماؤهم ضمن قائمة سوداء.
امتناع المتعهدين والموردين عن التعامل مع القوات البريطانية: وفى ٢٧ أكتوبر وتلبيه لنداء مقاطعة القوات البريطانية والتعامل معها امتنع أصحاب المخابز عن التعامل مع الأمر البريطانية، وقام القائد البريطاني بتقديم شكوى إلى إبراهيم زكي الخولي، محافظ الإسماعيلية، وكذلك امتنع المتعهدون والموردون عن توريد ما تعاقدوا عليه من قبل، وينقضون عقودهم معهم وبلغوها، وكان لهذا العمل صدى بعيد الأثر في الداخل والخارج، واضطر الإنجليز إلى حلب احتياجاتهم من الخارج مما كيدهم خسائر فادحة.
وبدأت فرق كتائب التحرير الإسماعيلية مقاومتها ضد القوات البريطانية بمختلف الطرق، وبدأت في منع السيارات التي تمد القوات البريطانية بالمواد التموينية والخضر والفاكهة، بالوقوف على معظم الطرق التي تؤدي إلى المعسكرات البريطانية وخاصة الطريق المعاهدة الذي يصل بين الزقازيق والإسماعيلية، حيث كانت كتائب التحرير تقوم بتوقيف جميع السيارات التي تجتاز هذا الطريق. وتمنعها من التقدم والسير نحو المعسكرات البريطانية، وتم مصادرة عدد من السيارات المحملة بالمواد التموينية والخضر والفاكهة.
ومع نهاية شهر أكتوبر 1951 أصدرت وزارة الداخلية بيانا رسميًا عن الحوادث التي ارتكبتها القوات البريطانية من يوم 16 أكتوبر وحتى 30 أكتوبر 1951، وتضمن البيان مقتل جنديين وخمسة مدنيين منهم أم صابر الشهيدة الأولى من نساء مصر في القنال واستشهدت بالتل الكبير في يوم ٢٨ أكتوبر ١٩٥١، وبلغ عدد المصابين 84 مصابًا.