الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

روسيا والصين.. تقارب بلا حدود وتحالف البلدين يقوض سياسة واشنطن المالية.. 4 دوافع للتقارب بين موسكو وبكين.. وقلق واسع من الديمقراطيين

التحالف الروسي الصيني
التحالف الروسي الصيني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، تتسارع وتيرة تحالف الدب الروسي مع التنين الصيني، في مواجهة هيمنة «العملاق الأخضر» - الدولار الأمريكي – على الأسوق العالمية، وتسعى موسكو وبكين في تقويض سياسة واشنطن المالية.

تقارب وثيق
ويثير التقارب الوثيق بين الصين وروسيا، قلق القادة الديمقراطيين من أمريكا إلى اليابان، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن تقارب الصين روسيا بات مدفوعًا بما عرف بالغُربة الأمريكية والتي تعمقت بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأصبح التقارب بشكل أوضح ومتزايد بعد الأزمة المالية لعام 2008، وخلصت الدولتان إلى أن الانهيار سيقوض الثقة عالميًا بالنموذج الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة.
وسعت كل من روسيا والصين إلى تعزيز العلاقات بحذر حتى عام 2014، عندما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى فرض عقوبات وانفصال نهائي بين روسيا والغرب.
وبحسب "واشنطن بوست" فإن ذلك أجبر موسكو على البحث عن شركاء جدد لا سيما أسواق جديدة لصادراتها من الطاقة، وكانت الصين مناسبة تمامًا، وأثبتت أنها مشترٍ ضخم وسريع النمو للسلع والأسلحة الروسية، وتشترك الدولتان أيضًا في عداء عميق تجاه التحالفات الأمريكية في ما يعتبرانه مناطق نفوذهما المشروعة.

روسيا والصين

تهديدات مختلفة
وبالنسبة لروسيا، يهددها حلف شمال الأطلسي في أوروبا؛ بالنسبة للصين، فتهددها شبكة معاهدات الدفاع الثنائية لواشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على الرغم من عدم كونها تحالفات رسمية، وقد تم تعزيز الشراكة بين الصين وروسيا من خلال الروابط الشخصية القوية بين بوتين وشي.
الدافع الثاني للتحالف الصيني الروسي، يتجلى في نشأة رئيسي البلدين واشتراكهما في تفاصيل طفولتهما، فكلا الرجلين أظهر تصميما على سحق المعارضة في الداخل واستعادة امبراطورية بلديهما، لقد التقيا أكثر من 30 مرة، وصنعا "الزلابية" معا في بلدة تيانجين والفطائر في "فلاديفوستوك"، بحسب واشنطن بوست.
وفي عام 2019، وصف شي بوتين بأنه "أفضل صديق له"، وفي بيان مشترك في فبراير الماضي، أعربا عن ازدرائهما المشترك للأفكار الغربية للديمقراطية.
أما الثالث في عام 1800، كانت روسيا من بين القوى الأوروبية التي فرضت ما يسمى بالمعاهدات غير المتكافئة على أسرة تشينغ الصينية، بما في ذلك التنازل عن الأراضي التي تقع فيها مدينة فلاديفوستوك الروسية اليوم، وتحسنت العلاقات بشكل كبير لفترة قصيرة بعد أن قاد ماو تسي تونغ الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة في عام 1949، ووجد حليفا طبيعيا في جوزيف ستالين.
لكن "ماو" عارض الإصلاحات السياسية المعروفة باسم نزع الستالينية التي أعقبت وفاة الزعيم السوفيتي عام 1953، وفي عام 1961، انفصل عن موسكو، وفي عام 1969، خاض البلدان حربا حدودية قصيرة على الأراضي المتنازع عليها، وفي عام 1972، فعلت الصين ما لا يمكن تصوره من خلال التحول نحو الولايات المتحدة، وعندما تولى ميخائيل جورباتشوف المسؤولية في الكرملين، بدأت العلاقات في الذوبان مرة أخرى.
رابعا، منذ عام 2014، باعت روسيا الصين بعضا من أكثر أنظمة أسلحتها تقدما، بما في ذلك أنظمة صواريخ إس-400 المضادة للطائرات بقيمة 5 مليارات دولار وطائرات هجومية من طراز سو-35، وفي غضون شهرين من ضم شبه جزيرة القرم، وقعت شركة غازبروم الروسية اتفاقا قالت إنه يستحق نحو 400 مليار دولار لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب يسمى قوة سيبيريا. وقد تم التوصل إلى اتفاق خط أنابيب الثاني منذ. بالإضافة إلى ذلك، قام البلدان بتنسيق مواقفهما بشكل متزايد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يستخدم كلاهما حق النقض "الفيتو".


ما يقلق الديمقراطيون؟
تقول صحيفة واشنطن بوست: "دفع التعاون المتزايد بين الصين وروسيا بعض صانعي السياسة في الولايات المتحدة إلى الخوف من إجبار البلاد على خوض حروب على جبهتين، على سبيل المثال إذا كانت روسيا ستهدد حليفا أمريكيا في أوروبا لإلهاء الولايات المتحدة خلال مواجهة مع الصين بشأن تايوان.
وجادل السناتور الأمريكي جيم إنهوف العام الماضي بأنه بعد تعديله لتعادل القوة الشرائية، تنفق الدولتان مجتمعتان على الدفاع أكثر من الولايات المتحدة، كما أن هناك قلقا أكبر من أن الجمع بين العضلات الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي يمكن أن يحشدها الاثنان يشجع قادة العالم الآخرين ذوي الميول الاستبدادية، ويقوض الثقة في الديمقراطية كنظام سياسي، ويهدد نسخة النظام الدولي القائم على القواعد التي روجت لها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ نهاية الحرب الباردة.

 

إلقاء اللوم

تجنبت الصين انتقاد الغزو، وألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الصراع، واشترت النفط الروسي الذي تم تجنبه من قبل بعض الدول الأخرى، بتمويل آلة الحرب في موسكو بشكل غير مباشر. لكن شي أبدى ترددا في دعم الحرب بشكل لا لبس فيه أو مساعدة روسيا على تخفيف الأثر المالي للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. مع الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من ثمانية أضعاف حجم روسيا، الصين لديها أكثر بكثير على المحك في الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يهيمن عليها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات المتقدمة.

ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية، تقريرًا في وقت سابق عن نتائج تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينج، حول دعم بكين  لسيادة وأمن روسيا في مكالمة هاتفية، أجرها "جين بينج" مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي أثارت جدلا واسعا في الساحة السياسية الدولية. 
في المقابل أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، تحذيرًا لبكين من أنها قد ينتهي بها الأمر "في الجانب الخطأ من التاريخ".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن المستشار الألماني، أولاف شولتز، قوله: إن حرب روسيا التي تنطوي على "قسوة لا يمكن تصورها" و"عنف لا معنى له" في أوكرانيا يجب أن تنتهي خلال زيارة إلى بلدة إيربين في ضاحية كييف مع زعماء أوروبيين آخرين.
وقال"شولتز" في تغريدة له: إن بلدة إيربين صارت رمزًا لـ "وحشية" الحرب الروسية في أوكرانيا، معلقا: «الدمار الوحشي في هذه المدينة هو نصب تذكاري - يجب أن تنتهي هذه الحرب».
وحذر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أن أي دعم من بكين لحرب روسيا، أو مساعدة موسكو على تفادي العقوبات الغربية، من شأنه أن يضر بالعلاقات.

روسيا والصين

رفض إدانة
ورفضت الصين إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومن ثم فإنها واجهت اتهامات بتوفيرغطاء دبلوماسي لروسيا من خلال الحديث المستمر عن العقوبات الغربية ومبيعات الأسلحة إلى "كييف"، وفقا للجارديان.
واعتبرت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن الرد الأمريكي والتحذير لبكين عقب المكالمة الهاتفية بين بوتين وجين بينج، كان مجرد رد فاتر على تحالف بكين المعلن مع موسكو.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن كانت "تراقب نشاط الصين عن كثب".
وتقول الصحيفة البريطانية: إن الغرب تبنى عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا ردًا على غزوها أوكرانيا، وترى موسكو أن أوروبا والولايات المتحدة تسببا في تباطؤ اقتصادي عالمي، حيث تبحث موسكو أيضًا عن أسواق وموردين جدد لتحل محل الشركات الأجنبية الكبرى التي غادرت روسيا بعد العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية. 
وأشارت الجارديان إلى أن بكين وموسكو كثفتا تعاونهما في السنوات الأخيرة كقوة موازنة لما تعتبرانه هيمنة أمريكية عالمية، فيما اقترب الثنائي من المجالات السياسية والتجارية والعسكرية ضمن «علاقة بلا حدود» بحد وصفها. 
وأعلن البلدان، مؤخرا عن أول جسر بري يربط بين البلدين، ويربط مدينة بلاغوفيشينسك في أقصى شرق روسيا بمدينة هيهي شمال الصين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر لموسكو، حيث بلغ حجم التجارة العام الماضي بين البلدين 147 مليار دولار، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية.


التحالف يقوض سياسة واشنطن المالية
في سياق وثيق الصلة، نشر موقع مجلة "ذا ناشينول انترست" الأمريكي، مقالًا عن تقويض روسيا والصين لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية المالية، طرح فيه مسألة حرص واشنطن على تصدرها النظام الدولي كقوة مالية لا يستهان بها، مبينا أن اتجاه إدارة "جو بايدن" نحو الربط بين القوة المالية والجيوسياسية، يتطلب بناء قوة عسكرية، بالإضافة إلى استخدام تقنيات مبتكرة، تحافظ على قوة عاملة منتجة وتتمتع بقاعدة اقتصادية قوية.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن الولايات المتحدة تركز على سد الفجوة بين القدرات العسكرية الصينية والأميركية، ومؤخرا أعرب عدد من الجنرالات ومستشاري البيت البيض في تصريحات أخيرة أوضحت أن واشنطن لم تعد تتمتع بتفوق جيوسياسي لا مثيل له في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن اعتبار سيطرة الدولار الأمريكي حقيقة ثابتة لا تتزحزح، وأن التحالف الصيني الروسي يشكل تهديدًا ملموسًا لهيمنة واشنطن المالية.
وفي عام 2021، استقال رئيس البرمجيات في البنتاجون نيكولا تشايلان من منصبه، معبرًا عن إحباطه من وزارة الدفاع، التي لم تكن تفعل ما يكفي لمواكبة التطورات الصينية في البرمجيات والذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية.

 

تراجع التفوق البحري الأمريكي
وعلى الصعيد ذاته، حذر الأدميرال بالبحرية الأمريكية جون أكويلينو أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قبل عدة أشهر من أن التفوق البحري للولايات المتحدة يتراجع في مواجهة التطور الصيني السريع.
ومؤخرا، سلط وزير الخارجية أنتوني بلينكين الضوء على كيفية قيام بكين ببناء "القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية" بشكل تدريجي لتحل محل النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن، مع تعرض الولايات المتحدة لنكسات عسكرية وتكنولوجية، بحسب "ذا ناشينول انترست"، لا يزال الاقتصاد العالمي يعتمد على كبرى المؤسسات الاقتصادية التي تديرها واشنطن، ولا يزال "العملاق الأخضر" – الدولار الأمريكي- يحافظ على مكانته مدفوعًا بالحاجة الاستهلاكية والاستثمارية لدول العالم التي تواجه آثار جائحة كورونا.
وحتى الآن، تستمر دول العالم في دفع مديوناتها وثمن ورداتها بالدولار الأمريكي الأمر الذي يعزز بشكل واضح مكانته السوقية.

روسيا والصين

نظام مالي مستقل
ويحاول التحالف الصيني الروسي جذب الدول الأخرى إلى بديل يهدف إلى بناء نظام مالي مستقل تمامًا عن سيطرة واشنطن، وتقويض هيمنتها المالية.
وبعد تحالف الدول الغربية لمعاقبة روسيا، كان أحد ردود فلاديمير بوتين الأولى هو إجبار الدول الأوروبية التي تعتمد على واردات الطاقة الروسية على الدفع بالروبل أو الذهب، وبدافع الضرورة المطلقة، قبلت العديد من شركات الطاقة طلبه، مع أن ذلك يترتب عليه عدة عواقب، لأن مستوى سعر الروبل مرتبط تاريخيا بأسعارالطاقة "النادرة" اليوم في الأسواق العالمية، ما أدى إلى ارتفاع  قيمة الروبل بشكل أثار دهشة العديد من المحللين الغربيين.
وتسعى موسكو وبكين إلى دمج أنظمتهما المالية، وأكدت الأولى للثانية أنها مستعدة لاستخدام اليوان في احتياطياتها الأجنبية، مشيرة إلى أن ذلك يعد مدفوعا بالتحويلات الغربية بالروبل مقابل الطاقة الروسية، والتي من المؤكد أنها ستستمر طالما أن دول أوروبا لا تستطيع خفض اعتمادها على روسيا وإلا ستتعرض لانتكاسات غير محمودة العواقب.
وتبقى الصين بحسب الموقع الأمريكي، هي أكبر سبب للقلق الأمريكي، لأنّها اتجهت بشكل فعال إلى تطوير اليوان الرقمي، ما يحد من الرقابة المالية الأمريكية، ويفيد التوسع غير المقيد لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لأن واشنطن لن تكون قادرة على تتبع المعاملات التي تتم بين بكين والدول النامية، ومن أجل تمويل مشاريع البنية التحتية في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، ستطلب الصين من الدول الأجنبية  سداد المدفوعات من خلال العملة الالكترونية التي لا يمكن تعقبها.