أثيرت خلال الأيام القليلة الماضية، قضية توسط أطراف لإنهاء الصراع فى إثيوبيا بين الحكومة، برئاسة آبى أحمد، وحركة تحرير شعب تيجراى، اللذين يتحاربان منذ ٢٠ شهرا، بعد قرار رئيس الوزراء الإثيوبى بشن حرب ضد إقليم تيجراى الواقع شمال البلاد، فى مستهل نوفمبر ٢٠٢٠.
وأعلن طرفا الصراع فى إثيوبيا الدخول فى مفاوضات لإنهاء الصراع المسلح بينهما، إلا أن هذه الأنباء ربما تغضب إريتريا التى شاركت فى الحرب ضد تيجراى، خاصة أن أسياسى أفورقى، رئيس اريتريا، رغب فى القضاء الحركة، بالإضافة إلى الحصول على مدينة «بادمى» الحدودية، ويعنى اتفاق السلام بين الحركة وأديس أبابا خروج «أفورقى» من الصراع بخفى حنين.
وكانت صحيفة » لموند» الفرنسية، قد نشرت تقرير بشأن قرب طرفى الصراع فى إثيوبيا من قبول المصالحة بينهما، بعد الوساطة التى قام بها أولوسيجون أوباسانجو، مبعوث الاتحاد الأفريقى لإثيوبيا، خلال الأسابيع التى تلت قبول تيجراى وأديس أبابا، الهدنة بينهما مارس الماضى، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى تيجراى.
وأشارت الصحيفة إلى إنه بعد إقرار الهدنة بين الطرفين، ربما يدخل الطرفان فى مفاوضات للوصول إلى السلام بينهما، ومع تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية على تيجراى منذ مارس، أفادت الأنباء أن حكومة آبى أحمد ومتمردى تيجراى يفكرون الآن فى إجراء مفاوضات، وفقا للعديد من الدبلوماسيين الأفارقة والغربيين، ويمكن أن تبدأ المناقشات فى وقت مبكر من نهاية يونيو الجارى فى تنزانيا، وربما فى مدينة أروشا، المعروفة باستضافتها بالفعل لعملية السلام الرواندية فى عام ١٩٩٣.
ونقلت الصحيفة تصريحات لدبلوماسى فى أديس أبابا، مشيرة إلى إن قادة تيجراى أعطوا انطباعا بالتخلى التدريجى عن مطالباتها فى مدينة «ولقيت»، وهى منطقة متنازع عليها تقع فى غرب تيجراى، كانت ميليشيات الأمهرة، التى سيطرت على هذا الشريط البرى الذى تبلغ مساحته ١٢٠٠٠ كيلومتر مربع على الحدود مع السودان فى نوفمبر ٢٠٢٠، مما تسبب فى نزوح أكثر من ٧٢٠ ألفا من تيجراى، وفقا لتقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» حول التهجير القسرى والعنف، الذى وصفته الولايات المتحدة فى مارس ٢٠٢١ بأنه «تطهير عرقى».
فيما نفى جيتاشوا رضا، المتحدث باسم جبهة تيجراى، فى العاشر من يونيو الجارى، الدخول فى هذه المحادثات أو الموافقة على التنازل عن غرب تيجراى.
بينما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى، أمام برلمان بلاده فى ١٤ يونيو الجارى، عن تشكيل لجنة للتفاوض مع جبهة تيجراى، برئاسة نائب رئيس الوزراء ديميكى ميكونين، وهو الأمر الذى ردت عليه الجبهة بالموافقة على الدخول فى مفاوضات مع أديس أبابا.
وفى اليوم التالى، وجه رئيس إقليم تيجراى، دبرصيون جبر ميكائيل، رسالة هاجم فيها إدارة الاتحاد الأفريقى للأزمة فى إثيوبيا، واتهمه بالانحياز لـ «آبى أحمد»، بالمخالفة لميثاق الاتحاد.
وأعلن «ميكائيل» موافقته على الدخول فى مفاوضات مع الحكومة الإثيوبية، قائلا: نرحب بمشاركة الشركاء الدوليين لدعم هذه المبادرة المتفق عليها، ويظل موقفنا أن عملية السلام تتطلب مشاركة مجموعة من الشركاء الدوليين، تحت قيادة حكومة كينيا، ومن بين هؤلاء الشركاء الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والإمارات، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقى.
إلا أن المصالحة أو المفاوضات بين تيجراى وأديس أبابا، تواجه معضلة الغضب الإريترى، الذى تصاعد مؤخرا ضد الطرفين بسبب فشل إريتريا فى تحقيق أهدافها من الاشتراك فى حرب آبى أحمد ضد الشمال الإثيوبى، خاصة أنها تلقى وعدا بالحصول على مدينة «بادمى».
وتوترت العلاقة مؤخرا بين آبى أحمد وأسياسى أفورقى، بعد تقارب الأخير مع ميليشيات الأمهرة، وأشارت «لموند» فى تقريرها إلى إن رئيس الوزراء الإثيوبى لا ينظر بإيجابية لذلك التقارب بين حليفيه فى الحرب ضد تيجراى، وتحرك آبى أحمد لإجهاض هذا التحالف باعتقال أكثر من ٤ آلاف عنصر من ميليشيات الأمهرة للاشتباه فى مشاركتهم فى أنشطة غير مشروعة ونشر الفوضى، ومن بينهم القائد السابق لقوات الأمهرة الخاصة، الجنرال تيفيرا مامو، وكشفت الصحيفة الفرنسية أن سبب القبض عليه هو لقاؤه سرا ببعض المسئولين الإريتريين رفيعى المستوى، وتخشى أديس أبابا من انتفاضة ضده تشنها الأمهرة بقيادة إريتريا.
تجسد غضب آبى أحمد من «أفورقى»، بتجاهل دعوة إريتريا لاجتماع مخابرات دول القرن الأفريقى الذى عقد فى أديس أبابا أبريل الماضى، إلى جانب عدم إرسال آبى أحمد رسالة تهنئة لـ«أفورقى» بمناسبة عيد استقلال إريتريا مايو الماضى.
ويسعى «أفورقى» للحصول على مكاسب اتفاق الجزائر الموقع بين أسمرة وأديس أبابا فى ٢٠٠١ بعد انتهاء الحرب بين البلدين التى استمرت من ١٩٩٨ إلى ٢٠٠٠، والتى تقضى بحصول إريتريا على منطقة بادمى، وتسحب إثيوبيا قواتها منها تنفيذا لقرا المحكمة الدولية.
وبعد عقد الرئيس أسياسى أفورقى اتفاق سلام مع رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، عام ٢٠١٨ اتفق الطرفان على مبادلة بادمى بمدينة رأس دميرة الإريترية المطلة على باب المندب، لتتحول إثيوبيا من دولة حبيسة إلى إنشاء ميناء بحرى، بعدما كان اعتمادها الكلى على جيبوتى فى الاستيراد والتصدير.
وكان السفير دينا مفتى، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، أوضح فى مؤتمر صحفى عقده يونيو من العام الماضى ٢٠٢١ أن :"لديهم اهتماما كبيرًا ببناء مركز عسكرى بالبحر الأحمر والتحكم فى بيئته». وعلى مدار ٢٠ شهرا، وجهت عددا من الدول والمنظمات الدولية نداءات لرئيس الوزراء الإثيوبى بضرورة وقف الصراع مع تيجراى، إلا أنه الرفض كان الجواب الأول والأخير لأديس أبابا، وكان قبول الدخول فى مفاوضات مع تيجراى التى صنفها البرلمان الإثيوبى كجماعة إرهابية، وقال عنها آبى أحمد أنها عشب وسرطان يجب باجتثاثه، آثار استغراب البعض.
وأشارت «لموند» إلى معاناة الاقتصاد الإثيوبى بسبب نقص العملة الأجنبية مما يضغط على الحكومة ويضعف قدرتها على الاستمرار فى الحرب، إلى جانب رغبتها فى تقديم تعهدات حسن النية للمجتمع الدولى، ويؤكد أحد الدبلوماسيين أن بدء عملية سلام يجعل من الممكن تلبية التوقعات الغربية التى تكررت لعدة أشهر من قبل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.
خصص البنك الدولى ٣٠٠ مليون دولار لإثيوبيا، وفى نهاية شهر يونيو، سيكون اجتماع مجلس الشئون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى لمناقشة التعاون والمساعدة المالية التى يعتزم تقديمها لدولة القرن الأفريقى.