يواجه المسيحيون في العراق حرب إبادة علي يد تنظيم داعش الإرهابي، وتتعرض العائلات المسيحية لانتهاكات واسعة، الأمر الذي اضطر معه العديد من هذه العائلات إلى الهجرة للخارج، ومسلسل اضطهاد مسيحيي العراق مستمر منذ الغزو الأمريكي وحتي ظهور وسيطرة التنظيم الإرهابي، حيث يتقلّص عدد المسيحيين في العراق، فيما يحلم الباقون منهم بالمغادرة.
وبالرغم من غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين في العراق، بسبب عدم إجراء تعداد سكاني منذ سنوات، إلا أن محاولات النزوح والهجرة خارج العراق في تزايد بسبب الممارسات الإرهابية لتنظيم داعش.
اضطهاد مستمر
وفي هذا السياق يقول وليم وردة، رئيس منظمة حمورابي التي تتولى الدفاع عن الأقليات في العراق، إن هناك حاليًا 300 إلى 400 ألف مسيحى فى العراق في مقابل مليون ونصف المليون قبل الغزو الأمريكي عام 2003 الذي انتهى بالإطاحة بنظام صدام حسين، وعادت الآن الانتهاكات واضطهاد المسيحيين في العراق من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وذلك في المنطقة التى خضعت لسيطرته في العراق وسوريا وليبيا، وبلغ اضطهاد الأقليات المسيحية ذروته عقب سيطرة تنظيم «داعش» على أجزاء من شمال العراق في شهر يونيو من عام 2014، وتضع التقديرات عدد الضحايا المسيحيين من قبل التنظيم الإرهابي بحوالي ألف شخص.
ووفقًا للدبلوماسي الأمريكي ألبرتو فرنانديز، فإن غالبية الضحايا في الصراع المحتدم فى سوريا والعراق كانوا من المسلمين إلا أن المسيحيين تحملوا عبئًا ثقيلًا نتيجة أعدادهم الصغيرة، وفي 3 فبراير من عام 2016، اعترف الاتحاد الأوروبي باضطهاد المسيحيين من قبل تنظمات العراق الإسلامية والشام باعتبارها إبادة جماعية.
كما أعلنت الولايات المتحدة فى 15 مارس عام 2016، أن هذه الفظائع بحق السكان المسيحيين كانت إبادة جماعية، وكان عنف واضطهاد داعش موجها بصورة أساسية تجاه الأقليات الدينية من الشيعة والسريان، الكلدان، الآشوريين والأرمن المسيحيين والإيزيدية والدروز والمندائيين، ووصل الأمر إلى تفريغ الموصل من المسيحيين منذ 2014 ولا يزال معظمهم رغم انسحاب داعش لم يعودوا للمدينة.
أصل المسيحيين العراقيين
شكلت المسيحية في العراق ثاني أكبر الديانات فيها من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام، تليهما ديانات أخرى مثل الصابئية والشبكية واليزيدية والكاكائية والبهائية والشيخية والزرادشتية، وتعد المسيحية ديانة مُعترَف بها حسب الدستور العراقي؛ حيث إنه يعترف بأربع عشرة طائفة مسيحية في العراق مسموح التعبد بها، ويتوزع أبناؤها على عدة طوائف ويتحدث نسبة منهم اللغة العربية، وغالبيتهم من العرب الأقحاح، فى حين أن نسبةً منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية.
ويُعتبر مسيحيو العراق من أقدم المجتمعات المسيحية المستمرة في العالم، والغالبية العظمى منهم من الآشوريين الأصليين الناطقين باللغات الآرامية الشرقية، وهناك أيضًا مجموعة صغيرة من الأرمن والتركمان والأكراد والعرب المسيحيين، ويعيش المسيحيون في المقام الأول في بغداد والموصل والبصرة وأربيل ودهوك وزاخو وكركوك وفي البلدات والمناطق الآشورية مثل سهل نينوى في الشمال.
احتفظت المسيحية في العراق وعلى خلاف سائر الدول العربية بطابعها الأصلي، فظلت مسيحية سريانية ولم تتعرب بنسب كبيرة كما حصل في بلاد الشام ومصر، وإن كان معظم أتباع هذه الكنائس يجيدون العربية حاليًا كلغة تخاطب يومي سيما في المدن الكبرى، وأكبر كنيسة فى العراق هي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ومقرها ببغداد تليها كنيسة المشرق الآشورية التي نقل مركزها من الموصل إلى شيكاغو بعد مجزرة سميل عام 1933، بالإضافة إلى تواجد للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية، وهناك أقليات أخرى تتبع من الروم الملكيين والأرمن والبروتستانت في العراق، ويعيش أغلب مسيحيى العراق خارج البلاد ولا توجد أرقام دقيقة عن نسبة المسيحيين العرب غير أنه باستثناء المسيحيون المنتمين للكنائس السريانية والأرمنية فإنه لا يتبقى سوى عدة آلاف ممن قد يصنفون كمسيحيين عرب، حيث اتخذت الأنظمة الحاكمة في العراق سياسة تعريب بلغت ذروتها في السبعينيات من القرن العشرين عندما تم تصنيف جميع المسيحيين على أنهم عرب.
الوضع السياسى
بالنسبة للوضع السياسي، فلدى المسيحيين قانون أحوال شخصية خاص بهم، وتعتبر السريانية لغة رسمية في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية في شمال العراق ويوجد عدد من الأحزاب السياسية المسيحية، ويمثل المسيحيون العراقيون في البرلمان العراقي كل من الحركة الديمقراطية الآشورية بثلاثة مقاعد والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بمقعدين.
نهضة علمية
تاريخيًا أدى مسيحيو العراق خاصًة السريان من يعاقبة ونساطرة دورًا مهمًّا في الترجمة والعلوم والطب خلال فترة الدولة العباسية، لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية، واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس مدن الرها ونصيبين وجنديسابور وأنطاكية والإسكندرية المسيحية والتي خرجت فلاسفة وأطباء وعلماء ومشرعين ومؤرخين وفلكيين وحوت مستشفى، ومختبرًا، دارًا للترجمة، ومكتبة ومرصدًا.
هجرات متتالية
تعود هجرة مسيحيى العراق إلى بداية القرن العشرين بسبب مجزرة سميل في شمال العراق التي دعت عشرات الآلاف للنزوح لسوريا، وبعد استقرار خلال منتصف القرن العشرين عادت ظاهرة الهجرة متأثرة بعوامل اقتصادية واجتماعية خصوصًا بعد حصار العراق وحرب الخليج الثانية، إلا أن وتيرتها تسارعت بشكل كبير في أعقاب غزو العراق عام 2003 وما رافقه من انتشار لمنظمات متطرفة شيعية وسنية، وبحسب تقارير انخفض عدد الطوائف المسيحية في العراق إلى النصف في السنوات الأخيرة بسبب الهجرة، حيث قُدِر عددهم بحوالي مليون نسمة في عام 2013 لكن انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة، حيث تم استهداف الكنائس والمجتمعات المسيحية والتي شملت أعمال اختطاف وتعذيب وتفجيرات وقتل في جميع أنحاء البلاد منذ سقوط صدام حسين في عام 2003.