في سباق مع الزمن تحارب الحكومة المصرية من أجل توطين صناعة السيارات في مصر، ويبدو أن المراحل التنفيذية قد بدأت بالفعل بعدما أطلق الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، استراتيجية تنمية صناعة السيارات، وذلك خلال زيارته مؤخرا للمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأوضح رئيس الوزراء أن الحكومة عقدت لقاءات متعددة مع كبار المصنعين للسيارات الدوليين والمحليين، والتى تم التأكيد خلالها على أهمية توطين صناعة حقيقية للسيارات فى مصر، موضحًا أن حجم استيراد السيارات خلال العام الماضى تجاوز الـ4 مليارات دولار، قائلًا: "صرفنا من مواردنا الدولارية 4 مليارات دولار"، مضيفًا أن التحدي الكبير اليوم، هو أنه خلال 10 سنوات، نتوقع مع النمو الاقتصادي الذي يحدث، أن يتضاعف عدد سيارات فى مصر، وذلك معناه أننا نحتاج على الأقل 8 مليارات دولار سنويًا، لإدخال سيارات للسوق المحلية، وذلك لن يكون مقبولًا.
أهداف استراتيجية لصناعة السيارات في مصر
ولفت "مدبولي" إلى أن الهدف الاستراتيجي للدولة المصرية هو أن يتم تعميق صناعة السيارات داخل مصر، وكذا كل الصناعات المغذية لها، لكي نعتمد على الإنتاج المحلي بقدر الامكان، مع استمرار مصر في التزامها بكافة اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعت عليها، لافتًا إلى أن الدولة قامت بالتنسيق مع كافة الأطراف التي تمثل هذه الصناعة، وكل الشركاء الأجانب، واتحاد الصناعات، من أجل الخروج بالاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة السيارات.
حوافز لتشجيع صناعة السيارات
وتابع: "الدولة المصرية منذ بدأت العمل على هذا الموضوع، أطلقت بصورة مبدئية وسريعة مبادرة إحلال المركبات لتعمل بالغاز الطبيعي، وشارك فيها العديد من الشركات والمصانع التي تعمل بالفعل في مصر، وكان هدف المبادرة تنشيط سوق السيارات محلية الصنع، حيث تم تقديم حوافز، ووضع برنامج تمويل ميسر للمواطنين، من أجل تشجيعهم على هذا الموضوع".
وأضاف مدبولي أن الرؤية الأهم هي أن هذه الاستراتيجية، التي تطلقها الدولة اليوم، ونعلن تفاصيلها، تتضمن عدة خطوات قمنا بها بالفعل، أولها إصدار تعريفة جمركية جديدة بقرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 2022، كما تتضمن تيسير الإفراج الجمركي عن مكونات السيارات، فضلًا عن وضعنا لمشروع قانون سيتضمن كل الحوافز، لتشجيع توطين وتعميق صناعة السيارات في مصر، لافتًا إلى أن هذا القانون نص على أن يكون هناك مجلس أعلى لصناعة السيارات، ووحدة تنفيذية مسؤولة عن هذا البرنامج المهم جدًا.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن التركيز الشديد على الحوافز، يأتي بهدف تشجيع صناعة السيارات في مصر، مؤكدًا أن التركيز الأساسي للدولة يكون على استشراف المستقبل، والبعد البيئي، وبالتالي فالحوافز الأكثر تعطى للسيارات النظيفة، التي تعمل بالكهرباء في الأساس، موضحًا أن هناك حافزا تم إقراره يصل إلى 50 ألف جنيه للمستهلك، الذي يشتري سيارة تعمل بالكهرباء، بهدف تشجيع هذه الصناعة، كما تم التنسيق مع وزارة الكهرباء، وإقرار السعر العادل لعملية شحن السيارات بالكهرباء، ومن المخطط إنشاء 3 آلاف نقطة شحن على مستوى الجمهورية بصورة مبدئية لشحن السيارات التي تعمل بالكهرباء.
وأكد رئيس الوزراء أنه تم التوسع فى إقامة المزيد من محطات الغاز الطبيعي اللازم لتموين السيارات، حيث تم زيادة عددها من 250 محطة إلى 1000 محطة، خلال عام واحد، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، فى هذا الشأن، وهو ما يأتي فى إطار إتمام البنية التحتية الخاصة بهذه الصناعة المهمة.
اتفاقيات جديدة لدعم صناعة السيارات
كما شهد رئيس الوزراء اليوم الثلاثاء، مراسم توقيع مذكرة تفاهم بشأن قيام إحدى الشركات العالمية بإجراء الدراسات اللازمة لإقامة المجمع الصناعي للسيارات المشترك في المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، وذلك عقب إطلاق الاستراتيجية القومية لتنمية صناعة السيارات من شرق بورسعيد اليوم.
وترتكز الاتفاقية على التحفيز المضاعف لصناعة السيارات والصناعات المغذية من حيث التحول الصناعي لأحد أكبر الصناعات عالميًا، فضلًا عن كونها محركًا قويًا لخلق فرص عمل بالسوق المحلية، بجانب استقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية في هذه الصناعة مما ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي، والمساهمة بشكل مباشر في الناتج المحلي، من خلال تلبية احتياجات ومتطلبات الأسواق الإقليمية وخاصة تلبية احتياجات العديد من العلامات التجارية العالمية في صناعة السيارات لتغطية احتياجات السوق المحلية والتصدير للأسواق المحيطة.
وتنص الاتفاقية على اشتراك الأطراف الثلاثة المتمثلة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والصندوق السيادي (القطاع الحكومي) وشرق بورسعيد للتنمية (قطاع خاص) في تكوين تحالف مصري يتعاون مع شركة PAC في وضع رؤية واضحة وخطة محددة بدراسات جدوى تفصيلية لتعزيز الشراكة بين الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص في توطين هذه الصناعة ومن ثم وضع برنامج صناعي قادر على المنافسة دوليًا، بما يسهم في دفع مصر كمركز إقليمي للسيارات والاستفادة القصوى من تعزيز القيمة المضافة لهذه الصناعة، بالإضافة إلى توفير الوظائف المنتجة التي تتطلب مهارات عالية، من خلال دراسة جميع جوانب إنشاء مجمع صناعة السيارات المشترك في شرق بورسعيد" EPAZ".
وتستهدف المذكرة قيام الشركة العالمية للاستشارات بالعمل على دراسة تحليل وتخطيط بيئة السوق العالمية، وإجراء مسح لبيئة السوق لصناعة السيارات العالمية وكذا للقطاعات الصناعية المُغذية، وتحليل أسواق العرض والطلب لعقود التصنيع واتجاهات الإنتاج، واقتراح المخطط المبدئي للمجمع الصناعي، وذلك بعد المتغيرات العالمية التي شهدها العالم عقب جائحة وتداعيات فيروس كورونا الذي أثر بدوره على العديد من الصناعات وسلاسل الإمداد.
ويؤكد خبراء صناعة السيارات المصرية أن مصر تشهد طفرة غير مسبوقة في الاهتمام بصناعة السيارات والصناعات التكميلية لها، مؤكدين أن صناعة السيارات تعد قاطرة التنمية في العديد من دول العالم كما تعد قاطرة تنمية للشعوب أيضا.
وفي هذا الشأن، قال المهندس جمال عسكر، خبير صناعة السيارات، إن مصر تشهد طفرة غير مسبوقة في الاهتمام بصناعة السيارات، والتي تعد قاطرة التنمية للشعوب في العديد من دول العالم، مشددا على أن إنشاء المجلس الأعلى لصناعة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي السيارات تعد بداية قوية من أجل وضع هذه الصناعة الكبيرة على الطريق الصحيح.
وعبر خبير صناعة السيارات عن أمله في أن يكون المستشارين المساعدين لرئيس الوزراء على قدر كبير من الخبرة والدراية بصناعة السيارات، وأن يعملوا على يجب دراسة جميع مصانع السيارات في العالم بهدف وضع السياسات اللازمة لجعل مصر رائدة في صناعة السيارات.
وأكد "عسكر في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أن النقطة الأبرز أيضا هو اهتمام مصر بإنتاج السيارات النظيفة "صديقة البيئة" والتي تعمل بالكهرباء والغاز الهيدروجين الأخضر، فمصر قادرة على النهوض بصناعة السيارات وتوطينها وذلك يتطلب قرار من صانع القرار وقوة بشرية قادرة على دعم هذه الصناعة.
وتابع: "التجارب الدولية كثيرة وأقربها تجربة المغرب التي سبقت جميع دول المنطقة وقامت بتوطين صناعة السيارات وأصبحت خامس أكبر مصدر للسيارات إلى دول الاتحاد الأوروبي والتي أثرت خزينة المغرب مما دفع الدولة المالكة لخطوط الإنتاج وهي فرنسا لاستيراد السيارات من المغرب بفضل عنصري الجودة والسلامة التي نجحت المغرب في تقديمها لصناع السيارات.
ولفت خبير صناعة السيارات إلى أن قرار تصنيع السيارات محلية تأخر كثيرا بسبب عدم وجود صانع قرار يهتم بهذه الصناعة، وكذلك يجب أن تكون المنظومة مدعومة بخبراء في صناعة السيارات، لأن مصر تستورد سيارات بمبلغ 4 مليارات، فمصر تستورد 150 ألف عربية في السنة.
وأكمل: "مصر مهتمة أيضا بتوطين كل الصناعات التكميلية للسيارات موجودة في مصر، والأهم هنا الشرائح الذكية المشغلة للسيارات لذلك يجب أن تمتلك مصر مصانع لصناعة الشرائح الإلكترونية "أشباه الموصلات" وهو ما يحتاج لاستثمارات ضخمة، إلا أن توطين التكنولوجيات الدقيقة المتعلقة بصناعة السيارات يجب أن يكون الهدف الأسمى من صناعة سيارات محلية، لذلك يجب أن نعمل على تشجيع الاستثمار في صناعة السيارات من خلال توفير إعفاءات جمركية وأراضي وتخفيضات لجذب أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية والعربية، كذلك يجب العمل على استقطاب متخصصين في بحوث وتطوير صناعة السيارات، وذلك لأن مصر تمتلك خبرات كبيرة من خلال الكوادر التي تتخرج من الكليات والمعاهد في مصر ولكن تنقصهم التأهيل والتدريب على التكنولوجيا الخاصة بالصناعة".
من جهته يقول الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن توقيع الاتفاقيات الخاصة بتوطين صناعة السيارات يعد أمر منطقي في ظل ما أعلنته الدولة المصرية من حوافر خلال الفترة الماضية ومن المتوقع أن تزيد هذه الاستثمارات في الفترة المقبلة نظرا لما بذلته مصر من جهود كبيرة في هذا المجال.
وأضاف "جاب الله" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أن مصر تخطط لنشر 3000 نقطة شحن كهربائي، وكذلك زيادة محطات الغاز من 250 إلى 1000 محطة خلال عام واحد، ومن المنتظر أن يكون هناك استثمارات ضخمة لسد الحاجة الكبيرة المتوقعة في الطلب على السيارات العاملة بالكهرباء أو بالغاز الطبيعي".
وتابع: "مصر حريصة على أن يكون لها دور ريادي من هذه السوق الكبيرة نتيجة للتحول نحو السيارات النظيفة، وهناك العديد من الحوافز التي قدمتها مصر لمصنعي السيارات مثل تيسيرات التعريفة الجمركية المتعلقة بصناعة السيارات بالإضافة إلى الحوافز الموجودة بالفعل والموجودة في قانون الاستثمار المصري وتمكنهم من الدخول بقوة في السوق المصرية والعربية والإفريقية".
ولفت جاب الله إلى أن استراتيجية صناعة السيارات المصرية يتم إعدادها منذ فترة طويلة، وهو أمر جيد من قبل الحكومة المصرية، وبخاصة في ظل التعاون بين الحكومة ورجال الأعمال بهدف تعميق صناعة السيارات، ونعيش مرحلة فارقة في صناعة السيارات بسبب السيارات النظيفة والصديقة للبيئة والبنية التحتية التي تمتلكها مصر كبيرة في هذا المجال، كما أن المواطن حصل على حوافز للمواطن الذي سيتحول إلى السيارات الصديقة للبيئة بهدف تشجيع الصناعة".