كل مساء في السابعة مساء. أجدني على موعد عاشق ومعشوق. فنجان قهوة غير محدد تفاصيل الهوية. قد يكون ذات مرة مضبوطًا وآخر سكره زيادة وثالث "ع الريحة".
أنا لا أعرف قواعد لعلاقة عاشق ومعشوق. ولا أجد أن القواعد تناسب العشق إطلاقًا. أسترخي تحت خيوط الشمس الأخيرة المودعة لليوم عابرة شباك غرفتي. أحب أن أجد إلى جواري بعض الألوان المثيرة للحركة والدفء. إذ يغريني الغروب بأن الألوان تنتهي وأن الظلام يأتي بقمر وحيد لا يرى إلا اللون الأسود. علينا جميعًا أن نركض حتى ينتهي الليل خلف ألوان قزح شمس الشروق. في أثناء الركض قد نصادف بعض الأغنيات تساعدنا على اجتياز الليل في سعادة. في السابعة أجدني في ضيافة عبد الحليم حافظ في حفلة استثنائية كل ليلة. كل ليلة أجد جديدًا أشعر به وكأنني شخص يحضر هذا النوع من الحفلات للمرة الأولى. يحضر لها أبهى ما يحتاجه للحضور وينتظر بلهفة أن تبدأ. ويشعر بنشوة حين تنتهي الحفلة لأنه حضرها كاملة وأحسن الحضور. إنك الآن تصنع المتعة. يمكن لذاتك الآن أن تشعر بأن هناك من يدللها. أنت كائن حي مدلل يستمتع مجانًا. لا شيء يستحق أبدًا أن يقتحم عليك تلك المتعة في سلسلة من العلاقات الخاصة البسيطة جدًا بينك وبين عناصر حفلتك الفاخرة في بساطة. الشمس.. القهوة.. الموسيقى.. عبد الحليم حافظ.. الشباك الضبوط الزاوية في إطلالته على الخارج بعناية.. العناصر الملونة حولك.. جسدك المسترخي في استعداد لتلقي المتعة.. يمكنك أن تخترع المتعة حسب قياسك القياس. لماذا لا تصنع إذن؟!
إذا قمت بالبحث في حياة البشر عن كيفيات للاستمتاع بحياتهم، سيدهشك أن أبسط متع الحياة كانت أكثرها إسعادًا لمعظم البشر باعترافاتهم حول تجاربهم الشخصية. وهو ما يتفق مع التجربة البوذية للسعادة التي ترى أن سعادة الإنسانية أن يستغني عن الحاجة لكل شيء. فهو راضٍ بما يحياه، يؤمن بأن الحياة كاملة ومتوازنة وعليه أن يتحد معها ويتأملها، بل إنه ليس من الوارد أن يخطر في تفكيره مجرد الحلم بأشياء أكثر من تلك التي تحدث من الأساس من تلقاء نفسها. إنها حياة تسير بهدوء وتلقائية لذا لن يحدث فيها ما يزعجك أو ما يسعدك بناء على رغبتك، إذ أن ك في الأساس لا تملك رغبات. وهذا يعاكس ما بدأت به مقالي من صناعة المتعة. لا أظن أن هذا النمط من الحياة يمكن أن يتحقق بشكل كامل. إذ أن الإنسان بطبعه يحيا أي يمارس الحياة. لا أظن أنني كإنسان أرضى بأن أخسر أي جزء من حياتي، وأكفي بمراقبة ما يتاح لي فقط.
إن هذه الحياة جميلة خالقها جميل. ليس عليك أن تكتفي بانتظار الجمال. اعمل على إيجاده. ذكرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يملكون أسباب المتعة مثل الأثرياء يشعرون بسعادة لدى ممارستها أقل من هؤلاء الذين لا يملكون أسبابها ويمارسون متعًا أقل تكلفة. إذ أن هناك مبدأ يرى أن ارتفاع التكلفة التي تقدمها لشيء ما سواء كان مالًا أو ووقتًا أو جهدًا بدنيًا ينال من المتعة التي تحصل عليها، إذ تراها مكافأة على تكلفة. يرى الإنسان في المتع البسيطة "كشرب كوب شاي مضبوط" متعًا مجانية. لذا يستمتع بها أكثر بكل منطقية لديه. لذا تراه يحب هذه المتع أكثر. يعمد إلى إضافة طقوس لها خاصة به حتى يرفع تكلفتها لديه، والرعض يهجرها بعد رفع تكلفتها إلى حد كبير.
يستطيع الإنسان أن يوجد متعته وسعادته إذا ما أراد أن يكون رفيقًا طيبًا لهذا الكون. يرى جماله ويمارسه. والأمر ببساطة "شرب كوب شاي" فقط!