تُعدُّ العلاقة الزوجية أقوى الروابط الاجتماعية، واللبنة الأولى ﻓﻲ ﺑﻨﺎء المجتمع، وبقدر تماسكها وترابطها يكون المجتمع قويًّا، ولذلك حرصت جميع الشرائع السماوية على استدامة العلاقة بين الأزواج لبناء مجتمع إنسانى متماسك، ولقد وصف اللَّه عقد الزواج في القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ» فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، لقوة ومتانة هذا العقد الذي يصعب نقضه، كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه، وجعل الزواج آية من آياته فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]؛ فهذه الآية لها أبعاد عميقة في بناء المجتمع، والأصل في العلاقة بين الزوجين المودّة والرحمة، والمعنى: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بينكم وبينهن محبةً ورأفة وشفقة، إن في خلق اللَّه ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويتدبرون؛ فالزواج هو السكن والستر، والعفاف والاستقرار، والاطمئنان لكل من الذكر والأنثى، وحسن العشرة وتبادل الحقوق والواجبات كفيل بإنشاء المحبة والرحمة بينهما، ومع ذلك لا تخلو الحياة الزوجية من الخلافات نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، والتفاوت في النفوس البشرية وصفاتهم، وقد تعصف رياح الشقاق بين الزوجين، والمتأمل في القرآن الكريم يجد أن اللَّه وضع لنا قاعدة ربانية لا يُمنع من أن نأخذها معيارًا في حياتنا الزوجية فقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وهذه القاعدة توضح وتبينُ منهجًا في الحياة، فإمَّا الإمساك بالمعروف وإمَّا التسريح بالإحسان، فكما أن اللَّه تعالى جعل للزواج نظامًا جعل للفراق نظامًا، وكلاهما قائم على المعروف والإحسان.
تُعدُّ العلاقة الزوجية القائمة على المحبة هي الصورة المثلى التي يصبو إليها كلا الزوجين، ولكنها ليست الصورة الوحيدة، ولا يعني كمال تلك الصورة استحالة استمرار غيرها من التي فُقد فيها المحبة؛ فالزواج قائمٌ على التجربة والمعاشرة والمودة والرحمة، التي يجعلها اللَّه بين الزوجين ويزداد الحب شيئًا فشيئًا مع الأيام، وورد في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، عندما جاءه رجل يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: "لا تفعل"، فقال الرجل: ولكني لا أحبها، قال له عمر: "ويحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟"، والمقصود أن البيوت إذا عزَّ عليها أن تبنى على الحب، فإنها تبقى وتستمر على ركنين آخرين هما: "الرعاية" بمعني التراحم والتكامل وتأدية الحقوق والواجبات، و"التذمم" وهو التحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقاوة الأولاد، ونكد العيش وسوء المصير؛ فأين تجد المرأة رجلا ترتضى جميع خصاله؟ وأين يجد الرجل امرأة ترتضى من جميع الجوانب؟ فقد ورد في الأثر عن عمر رضي اللَّه عنه، أن امرأة سألها زوجها: هل تبغضه ؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فلتكذب إحداهن ولتتجمل، فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام" فقد أباح الكذب للزوجة والتجمل في القول لزوجها حفاظًا على الزوجية، فالمراد إظهار الود والمحبة واللين فى القول مما يساعد على استقرار العلاقة الزوجية، وظل النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يوصي بالنساء إلى أن لحق بالرفيق الأعلى؛ فاستوصى بها خيرًا في حجة الوداع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلعٍ، وإنَّ أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» [رواه البخاري ومسلم]، أي: تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن؛ فهذه وصية عظيمة للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أنَّ يستوصوا بالنساء خيرًا بالرفق بهن، ومراعاة أحوالهن، وأنَّ يحسنوا إليهن وألا يظلموهن، وأنَّ يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير.